انتخابات مجالس المحافظات ثوب الديمقراطية المزيف لأحزاب الفساد في العراق
مراقبون يجمعون على تسمية انتخابات مجالس المحافظات بأنها انتخابات مال سياسي ونفوذ وسلاح بعيدًا عن مفهوم الديمقراطية.
بغداد ــ الرافدين
حذرت قوى وطنية من احتدام الصراع بين الكتل والأحزاب التي تسعى للاستحواذ على السلطة والمناصب مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها في الثامن عشر من كانون الأول الجاري.
ووصل الصراع الانتخابي في العراق إلى مستويات متفاقمة من التسقيط السياسي الذي تمارسه أحزاب السلطة والابتزاز والإقصاء لبعض المرشحين، بعد ارتفاع منسوب القلق من فقدان الأصوات الانتخابية بسبب المقاطعة الشعبية للانتخابات مما يكشف زيف ديمقراطية العملية السياسية بعد عام 2003.
وكشف النائب حسين حبيب عن وجود ما سماها عمليات شراء الذمم عقب سلسلة من الانسحابات في عدد من التحالفات السياسية قبيل موعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات بأيام معدودة.
وأضاف أن كثرة الانسحابات الغامضة يوم بعد آخر تثير التساؤلات بشأن حقيقة أسبابها، محملًا مفوضية الانتخابات مسؤولية التحقق منها، فيما كشفت منظمات مجتمع مدني عن تعرض عدد من المرشحين للتهديدات والضغوط من أجل انسحابهم لحساب مرشحين آخرين ينتمون لأحزاب نافذة.
وقال الكاتب السياسي عبد الله سلمان، إن الأرضية في العراق لا تتوفر فيها إمكانيات قيام الديمقراطية بسبب أن مقومات الديمقراطية لا تنطبق مع الوضع السياسي في العراق لأنه فاقد السيادة بشكل مطلق بسبب احتلاله من أمريكا وإيران.
وأضاف عبد الله السلمان في تصريح لقناة “الرافدين” أن ما يجري في العراق من انتخابات والحديث عن الديمقراطية فيه هو تشويه لمفهوم الديمقراطية والانتخابات وأن العراق لم يدخل مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية حتى الآن.
وشدد على أن ما يحدث في العراق هو تقاسم للمغانم والمكاسب بين الكتل السياسية التي تحكم البلد تحت مسمى الانتخابات، وأن الأحزاب تستخدم ميليشياتها في تخويف كل من يحاول تغيير النهج الذي تتخذه تلك الأحزاب.
ولجأت قوى سياسية ذات نفوذ ومناصب في الدولة بالضغط على مفوضية الانتخابات لإقصاء مرشحين منافسين لها من خلال استخدام قانون المساءلة والعدالة، وهو قانون يطالب الكثير من العراقيين بإلغائه معتبرين أنه مجرد وسيلة لتصفية الحسابات وسببًا في استدامة التوتر بين مكونات المجتمع العراقي.
وأفادت مصادر سياسية بأن ما تعرف بهيئة المساءلة والعدالة، باتت لعبة بيد قوى وشخصيات سياسية تمارس الابتزاز والإقصاء، وأن معظم قرارات الاستبعاد تجري باتفاقات سياسية واضحة، مشيرة إلى أن استبعاد محافظ نينوى السابق نجم الجبوري بذريعة الانتماء لحزب البعث من أوضح الأمثلة على الاستخدام التعسفي للسلطة في تحييد الخصوم عن المشاركة السياسية، وبالتالي فإن قرار استبعاده ليس بسبب حزب البعث كما تدعي، بل بسبب توقعات قوى سياسية بأنه سيحصد الفوز في محافظة نينوى، ونفس هذه الإجراءات تحدث في الأنبار وديالى وبغداد.
وأعلنت المفوضية، أن عدد المرشحين المستبعدين بلغ 255 مرشحًا، وأن أغلبهم على ارتباط بحزب البعث المحظور في البلاد عقب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، إضافة إلى استبعاد المفوضية لنحو 100 مرشح آخر مع قرب موعد الانتخابات.
وتأتي إجراءات استبعاد المرشحين خلافًا لوعود قطعها رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بنقل إجراءات هيئة “المساءلة والعدالة”، المتعلقة باستبعاد أعضاء حزب البعث من المشاركة بالحياة السياسية والحكومية إلى القضاء، ليكون الملف قضائيًا بعيدًا عن أي جانب سياسي، في حين تتمسك قوى سياسية شيعية بالقانون المذكور حيث يتيح لها استبعاد مرشحين بعينهم ويفتح لها الطريق لمد نفوذها خارج معاقلها الرئيسية في المحافظات والاستيلاء على مواردها.
وقال عضو الميثاق الوطني العراقي عبد القادر النايل، إن الاستبعاد الذي جرى لقسم كبير من المرشحين لمجالس المحافظات هو تصفية سياسية مبكرة قبل الانتخابات وفي وقت حساس لاسيما بعد إغلاق مفوضية الانتخابات لباب الترشح.
وأضاف أنه عندما تقبل المفوضية طلب الترشح فهذا يعني أن المرشحين خضعوا للتدقيق الأمني وإجراءات المساءلة والعدالة الخاصة باجتثاث حزب البعث والتي تستخدم فقط ضد فئة بعينها، وبالتالي فإن المرشحين استوفوا الشروط كاملة، وعندما يتم استبعادهم بعد إغلاق المفوضية باب الاستبدال، فإن هذا يعد إنهاء للكيان السياسي واستبعادا للمنافسين لصالح آخرين حتى يتم ضمان الفوز لهم وبقاء مرشحيهم وكتلهم السياسية بكامل طاقتها.
واعتبر أن عملية الاستبعاد تشير إلى أن الديمقراطية مفصلة على مقاس كتل سياسية أسست العملية السياسية الحالية، ولا تريد منافسًا لا يخضع لها، وهو بالتأكيد ضرب علني لكل مفاهيم المشاركة السياسية.
وأكد عضو الميثاق الوطني العراقي يحيى السنبل أن الانتخابات في العراق ليست ديمقراطية وقد فصلها المحتل على مقاسات لاستمرار عملية التدمير والتخريب.
وأضاف السنبل أن من يحكم العراق هم مجموعة جواسيس عملوا للاحتلال، وأراد الاحتلال أن يتفضل عليهم ففصل لهم قوانين حسب مقاساتهم.
وأشار إلى أن كل من يقدم للترشيح إلى الانتخابات دون موافقة إيران فهو معرض للتصفيته أو الإقصاء من الانتخابات من خلال الأحزاب الموالية لها وميليشياتها المسيطرة على المشهد السياسي في العراق.
ويجمع مراقبون سياسيون على تسمية انتخابات مجالس المحافظات بأنها انتخابات مال سياسي ونفوذ سلاح بعيدًا عن مفهوم الديمقراطية، فضلًا عن تثبيت أحزاب وميليشيات إيران في مركز القرار والاستحواذ على المخصصات المالية لمجالس المحافظات.
ويرى المراقبون أن الانتخابات تقتصر على تغيير حسابات المقاعد الانتخابية بالزيادة أو النقصان لكل حزب لكن المنظومة السياسية لا تتغير ولا تستجيب لمطالب الشعب العراقي، لأن من يحكم ويتحكم في هذه المنظومة ليست الأوزان الانتخابية وإنما الزعامات السياسية الفاسدة على اختلاف مصادر قوتها ونفوذها.
وأضافوا أن الزعامات السياسية تختلف فيما بينها وتتصارع ويخون بعضها بعضا، وتسعى إلى تسقيط بعضها البعض، عندما يكون الموضوع يتعلق بتقاسم السلطة ومغانمها، وتتوحد عندما تشعر بأن سلطتها ونفوذها يواجهان تحديًا من قبل قوى تسعى للتغيير وإنهاء وجودها، حيث تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتدمير خصومها حتى وإن كانت الوسيلة إراقة الدماء.
وأجمعت قوى شعبية ووطنية ونشطاء ثورة تشرين على أن انتخابات مجالس المحافظات ستكون صفعة إذلال للقوى الحاكمة بعد الإجماع الوطني على مقاطعتها وفقدها أي شرعية تتذرع بها القوى السياسية التي أوصلت البلاد إلى هرم الفشل والفساد السياسي منذ عشرين عامًا.
وأكدوا على أن المهرجان الإعلامي الذي تديره القوى الحاكمة في الترويج لانتخابات مجالس المحافظات لن يغير من حقيقة الأمور، خصوصًا وأن المقاطعة هذه المرة تشمل قوى سياسية وحزبية كانت تعد جزءًا من العملية السياسية، الأمر الذي يكشف بأنها غير قابلة للإصلاح من داخلها، بل باتت الحاجة ماسة لاستبدالها واستعادة البلاد المخطوفة من لصوص الدولة.
وأكد الميثاق الوطني العراقي بأن انتخابات مجالس المحافظات القادمة لن تغير شيئًا وستدخل البلاد أكثر في نفق مظلم من الصراعات التي سيدفع ثمنها العراقيون الذين قاطعوا الانتخاب السابقة.
وأضاف الميثاق أن مجالس المحافظات هي حلقة زائدة، ستؤسس لحكم الإقطاعيات وأمراء الطوائف، فضلًا عن أنها ستثقل ميزانية البلاد المالية.
وبين الميثاق أن جميع المؤشرات تدل أن نسبة المقاطعة لهذه الانتخابات ستكون كبيرة أيضًا، مما يعكس السخط الشعبي الواسع على أحزابها وشخصياتها، ولن تشفع لها المؤتمرات الانتخابية التي يستخدم فيها المال السياسي الدال على الفساد المستشري، وتفضح حقيقة عدم اهتمام هؤلاء بشرائح المجتمع وتماهي مؤسسات القضاء وهيئات النزاهة معهم.
ولا يثق الغالبية العظمى من العراقيين بالقوى السياسية والميليشياوية المستحوذة على السلطة منذ احتلال العراق عام 2003، كما ينظرون إلى المجاميع التي تقدم نفسها بـ “المستقلة والديمقراطية” بأنها جزء من كذبة الانتخابات المكشوفة.
وكشف مسؤول في المفوضية العليا للانتخابات في العراق عزوف المواطنين عن تحديث سجلاتهم أو تسلم بطاقاتهم الانتخابية ما يدل على عدم رغبتهم بالمشاركة بانتخابات مجلس المحافظات.
وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، إن نحو 4 ملايين عراقي لم يحدثوا بياناتهم وسجلاتهم الانتخابية، ولن يحق لهم المشاركة بالانتخابات والتصويت في حال عدم تحديثها”، مضيفًا أن الرقم كبير جدًا ويؤشر على عزوف الناخبين عن المشاركة.
ويرى مختصون أن انتخابات مجالس المحافظات في العراق تمثل بابًا آخر من أبواب الفساد والتصفيات السياسية للسيطرة على المناصب والمكاسب.
وقال رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، إن مناصب المحافظين هي جزء من تركيبة المحاصصة الطائفية والسياسية للأحزاب التي استحوذت على السلطة وعلى مراكز صنع القرار في العراق، وهي جزء من سيطرة تلك الأحزاب على كافة القضايا في المحافظات والاستحواذ على المال.
وأضاف أن استحواذ الكتل والأحزاب على مناصب المحافظين، يأتي بهدف توفير التمويل المالي لتلك الأحزاب والكتل من أجل تغذية تلك الأحزاب لفتح المقرات ودعم مختلف النشاطات وخصوصًا الحملات الدعائية للانتخابات، ولذا فإن كل جهة تحمي محافظا وكل جهة تملك محافظات من أجل تمويل نفسها من المال العام.
وقالت الكاتبة ثائرة أكرم العكيدي “بعد مرور أكثر من 18 سنة على أول انتخابات عامة في العراق بعد الغزو، لم يتمكن النظام السياسي في العراق من بناء دولة مؤسسات راسخة، ولم يقم بإعداد نظام رقابي مقتدر وكفء يتولى مراقبة المعايير الديمقراطية والمجالس المنتخبة”. وشددت على أن الشعب العراقي بشكل عام ينظر إلى تجربة مجالس المحافظات على أنها تجربة فاشلة وكانت أحد أبواب الفساد الكبيرة في العراق.
وأضافت “انتخاب مجالس محافظات جديدة لن يجعلها بالضرورة أفضل أو أكثر نزاهة من سابقاتها، وما دامت المجالس المنتخبة ستظل تعمل بموجب استحقاقات التوافق والمصالح المتبادلة بين القوى السياسية في غياب قوة ردع قانونية مستقلة أو صحافة حرة تعمل بلا ضغوط أو عنف، فلن يكون أمام الجمهور غير انتظار دورة انتخابية جديدة ستشهد مزيدا من المقاطعة بسبب الإحباط وخيبة الأمل”.