أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

المستقبل المعتم يدفع عراقيين إلى الهجرة بحثًا عن الكرامة المهدورة

تقارير دولية تحمل الحكومات والأحزاب والميليشيات في اليوم العالمي للمهاجرين مسؤولية تزايد معدل هجرة العراقيين إلى الخارج بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني.

بغداد ــ الرافدين
حذرت منظمات معنية بحقوق الإنسان في العراق من تداعيات تزايد أعداد المهاجرين الباحثين عن وطن يضمن لهم حقوقهم ويلبي احتياجاتهم المشروعة.
وحملت المنظمات الحقوقية حكومات الاحتلال المتعاقبة مسؤولية هجرة الكفاءات والطاقات الشبابية إلى خارج البلاد بسبب عجزها عن توفير متطلبات الحياة الكريمة وحمايتهم من أجندات الأحزاب والميليشيات التي تهيمن على المشهد العراقي بعد عام 2003.
ويحتفل العالم في الثامن عشر من كانون الأول باليوم الدولي للمهاجرين الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1990 تخليدًا لصدور الاتفاقية الأممية لحماية المهاجرين وأفراد عائلاتهم.
وتستثمر المنظمات الدولية والمحلية هذه المناسبة لنشر المعلومات عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع المهاجرين فضلًا عن تبادل الخبرات ووضع الإجراءات التي تكفل حماية تلك الحقوق لجميع المهاجرين.
فيما يحاول غالبية العراقيين الهجرة بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة للحصول على اللجوء في الدول الأوروبية وللهرب من الاضطرابات والانفلات الأمني الذي تشهده البلاد خلال العقدين الماضيين.
ويعزو المهاجرون سبب هجرتهم للافتقار إلى فرص العمل والبطالة، مؤكدين أن لا مستقبل واعد لهم في العراق.
وتتضاعفت أعداد المهاجرين إلى دول الاتحاد الأوروبي بسبب عدم استقرار البلاد نتيجة الصراع المتصاعد بين شركاء العملية السياسية.
وأصبح خيار الهجرة بمثابة استراتيجية يتبعها الأهالي للفرار من التدهور الاقتصادي والأمني في ظل غياب العدالة الاجتماعية في العراق.
وتصنف سجلات الأمم المتحدة الشعب العراقي من أكثر الشعوب طلبًا للهجرة والتوطين في بلد آخر.
وحل العراق في المرتبة الرابعة على قوائم الاتحاد الأوروبي بأكثر الدول على مستوى العالم في تقديم طلبات اللجوء بحسب وكالة الهجرة بالاتحاد الأوروبي
ويبلغ عدد العراقيين المهاجرين واللاجئين نحو خمسة ملايين مهاجر موزعين على 35 دولة وذلك بحسب إحصائية غير دقيقة، بينما لا تمتلك حكومة العراق إحصائية لعدد المهاجرين واللاجئين.
وأكدت إحصاءات وكالة الهجرة على أن العراقيين هم ثاني أعلى الشعوب العربية بعد السوريين طلبًا للجوء إلى أوروبا عام 2022.
وتعمل الأحزاب الفاسدة على تحويل العراق إلى بيئة طاردة للمجتمع لا يؤثر فقط على الناحية السكانية وإنما يساهم في تفريغ البلاد من الطبقات المنتجة والفعالة وبالتالي تأخر حضاري وانهيار مؤسساتي بحسب المفهوم الصحيح للدولة، وبقاء الساحة فارغة للجهلة والفاسدين خدمة لمصالحهم الحزبية.

د. رافع الفلاحي: الشعب العراقي بعد 2003 أصبح من بين أكثر الشعوب في العالم المتطلعة إلى الهجرة خارج بلده

وسبق أن سلط برنامج “طاولة حوار” الذي تبثه قناة “الرافدين” الضوء على المخاوف والتحذيرات من تحول العراق إلى بيئة طاردة للسكان وخاصة شريحة الشباب.
وقال الكاتب والباحث السياسي الدكتور رافع الفلاحي، إن الشعب العراقي بعد العام 2003 أصبح من بين أكثر الشعوب في العالم المتطلعة إلى الهجرة خارج بلده، بسبب الاحتلال الأمريكي الإيراني المزدوج والفوضى العارمة التي تضرب العراق.
وأضاف الفلاحي خلال مداخلته في البرنامج “المهاجر العراقي اضطر إلى المغامرة بحياته من أجل تأمين مستقبل أفضل”.
وأشار إلى النهج المتبع لدى حكومات الاحتلال في تجهيل المجتمع العراقي من خلال طرد الكفاءات خارج البلاد.
ولفت الكاتب والباحث السياسي الدكتور وليد بريسم، إلى أن قبل الاحتلال الأمريكي كان العراق قبلة للوافدين العرب ومن النادر أن تجد عراقيين يتطلعون إلى الهجرة للخارج.
وأضاف إلى أن الأحزاب التي تحكم في العراق تعمل بنظام المافيات وتسعى إلى تجنيد الشباب إلى صفوفها خدمة لمصالحها بعد إغلاق جميع الأبواب الأخرى أمامه مما يجبر الكثير على الهجرة خارج البلد.
وتوقع بريسم ارتفاع أعداد الهجرة بسبب حالة الإحباط المستشرية بين صفوف الشباب العراقي.
وسبق أن حذر قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين من تصاعد وتيرة الهجرة وما يواجهون من مصاعب خلال رحلة اللجوء.
وأشار القسم في تقريره السنوي الذي أصدره مطلع العام 2023 إلى تقديم 53 ألف شاب من كردستان العراق بطلبات اللجوء أغلبهم من أعمار ما دون 18 عامًا، 93 منهم لقوا حتفهم غرقًا في البحر، أعيدت 47 جثة منها فقط.
وأكد التقرير على وفاة 31 مهاجرًا غالبيتهم من كردستان العراق إثر غرق زورقهم في قناة المانش شمال فرنسا، أثناء محاولتهم للعبور نحو سواحل بريطانيا.
كما وثق وجود أدلة ومعلومات عن إعدامات جماعية سرية للاجئين عراقيين على أيدي جنود بولنديين، على الجانب البولندي من الحدود مع بيلاروسيا من دون أي رد مناسب من السلطات في العراق.
ووضعت الحكومات المتعاقبة حال الشباب العراقي بين خيارين إما الهروب من جحيم الواقع المزري، أو البقاء في البلاد حيث الفقر والبطالة وتردي مستوى التعليم، وبالتالي الوقوع في شرك المخدرات واللجوء للانتحار، أو الانخراط في صفوف الميليشيات بحثًا عن لقمة العيش بينما يرون ثروات بلادهم تنهب من قبل الساسة والمرتبطين بهم مما تنشئ جيلًا غير سوي ومشبع بالصدمات النفسية.

د. حامد الصراف: النظام السياسي الحالي يدفع الشباب إلى الهجرة بسبب فقدانهم الأمن والحياة الكريمة

وتعد شريحة الشباب الأكثر تفكيرًا باللجوء لأنهم يبحثون عن حياة أفضل وبناء مستقبل لهم في ظل الفوضى وتراجع المستوى الأمني والاقتصادي وغياب أفق واضح لحل هذه المشاكل.
وقال الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور حامد الصراف، إن النظام السياسي منذ عام 2003 يدفع الشباب إلى الهجرة بسبب فقدانهم الأمن والحياة الكريمة خصوصًا أن العراق من البلدان الغنية بالثروات.
وأضاف “التقارير الدولية بشأن ملف المهاجرين العراقيين تضاف إلى سلسلة الإخفاقات الحكومية في حل أزمة الهجرة”.
وذكرت شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية “نيريج” أن هناك هجرة للنشطاء المدنيين في العراق وبعض الصحافيين والمدونين من العراق.
وأضافت أن هؤلاء مطاردون من قبل السلطات ومن قبل ميليشيات مسلحة بسبب ما يكتبونه، أو بسبب نشاطهم السياسي ومشاركتهم في ثورة تشرين 2019.
وأكدت على أن الميليشيات تلاحقهم وبالتالي هم يفكرون بالهجرة وفي الغالب يحاولون بطرق شرعية، وفي حال لم تتوفر فإنهم يلجؤون إلى الطرق غير الشرعية والتي تحمل الكثير من المخاطر التي تهدد حياتهم.
ويؤكد ناشطون أن غياب الأمل لدى الشباب العراقي هو الدافع الأول للهجرة غير الشرعية وطلب اللجوء، في ظل القمع غير المسبوق الذي يمارس ضد الشعب، لاسيما في تظاهرات تشرين، وإصرار الأحزاب الحاكمة على استخدام العنف لإطفاء الانتفاضة، والتي طالبت أول ما طالبت بتحسين الواقع المعيشي، وما لبثت أن رفعت التظاهرات سقف مطالبها للهتاف لإسقاط الطبقة السياسية وإنهاء نفوذ إيران في العراق.
ويكشف عدم تراجع طلبات العراقيين بالتقدم باللجوء إلى دول آمنة في الاتحاد الأوروبي الوضع السياسي والاجتماعي الهش في بلادهم، فضلا عن فقدان الثقة بالمستقبل لجيل عراقي يصارع للخروج من البلاد.
ويفند العدد الكبير من اللاجئين العراقيين مزاعم حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بشأن الاستقرار السياسي، بينما مافيات تهريب العراقيين تتوسع مع ارتفاع منسوب رغبة جيل الشباب للهجرة من العراق.
ويندرج الخطاب الدعائي عن عودة المغتربين من خارج العراق ضمن سياسة التزييف المستمرة في حكومة الإطار التنسيقي واستثمار ما يسمى بـ “الهدوء السياسي الخادع” للإيحاء إلى الشارع العراقي والإقليمي بأن الأوضاع في العراق مستقرة.
وانتقد عراقيون مطالبات الحكومة بعودة اللاجئين إلى العراق ممن استقرت أوضاعهم في بلدان اللجوء، ودعوها للاهتمام بحل مشاكل النازحين داخل البلاد أولًا.
وأضافوا أن الحكومة التي تعجز عن إعادة النازحين داخل العراق إلى مناطقهم الأصلية كيف ستنجح في إعادة المهاجرين في الخارج.
ويدفع الانهيار الاقتصادي وعدم الثقة بمستقبل العملية السياسية ملايين العراقيين للبحث عن لجوء في بلدان أوروبية وغربية أخرى خلال السنوات الأخيرة حسب دراسة لمنظمة الهجرة الدولية.
ويعيش غالبية العراقيين في وضع حياتي متدن يفتقدون فيه إلى الكرامة الإنسانية وفرصة العمل والاستقرار الأسري، الأمر الذي جعلهم يسلكون طرق الهجرة غير الشرعية والمجازفة بالمخاطر نتيجة فقدانهم الثقة بمستقبل البلاد.
ويعاني طالبو اللجوء من ظروف إنسانية صعبة لا سيما مع سنوات الانتظار الطويلة على أمل إعادة توطينهم في بلدان أخرى، فضلًا عن مواجة المخاطر خلال طريق الهجرة التي أدت إلى فقدان المئات غرقًا أو الموت في الغابات.
وذكرت دراسة لمنظمة الهجرة الدولية أن من استقروا في الخارج وحصلوا على لجوء يقدر عددهم بأكثر من مليوني شخص خلال السنوات القليلة الماضية.
وأوضحت بأن العدد القليل الذي عاد إلى العراق بسبب فشلهم بالحصول على إقامة سيحاولون الهجرة مرة أخرى بسبب سوء الأوضاع في بلادهم.

العراقيون يتصدرون قوافل الهجرة بسبب الفوضى التي تشهدها البلاد
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى