عرض مزيف لهيئة النزاهة لاسترداد أموال يستبعد كبار لصوص الدولة
هيئة النزاهة في العراق تعلن استعادة ملياري دينار من صغار الموظفين الفاسدين لتغييب كبار لصوص الدولة المتنفذين في سرقة القرن عن الرأي العام.
بغداد- الرافدين
تحول إعلان هيئة النزاهة في العراق، عن إعادة أكثر من ملياري دينار “نحو 1.5 مليون دولار” إلى خزينة الدولة، إلى موضع تهكم شعبي وسياسي عندما استبعد كبار لصوص الدولة في سرقة القرن، وركز على صغار الموظفين الفاسدين، ممتنعًا عن ذكر الجهات الحكومية التي تقف خلف اللصوص.
وقالت الهيئة إن الأموال المستعادة تُمثل جزءًا من قيمة التضخم بأموال بعض المتهمين في قضايا فساد وتضخم في الأموال، منها قضية الأمانات الضريبية المسروقة، “من دون أن تذكر أسماء اللصوص وعما إذا كان نور زهير بينهم”.
وأفاد بيان بأن الهيئة تسلمت مليار و300 مليون دينار من مبالغ تمثل جزءاً من قيمة التضخم والكسب غير المشروع في أموال المستشار الفني لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
وأضاف أن الهيئة تمكنت أيضاً من إعادة مبلغ 775 مليون دينار “يمثل قيمة الرشوة التي تسلمها المُتهم الموقوف مدير مكتب محافظ بغداد من إحدى الشركات الأجنبيَّة؛ لقاء إحالة عقود مشروعات على شركات، فضلاً عن مبلغٍ مالي ناهز 25 مليون دينار من متحصلات الإيجارات الخاصة بالعقارات العائدة للمتهمة الموقوفة زوجة المدير العام للهيئة العامة للضرائب سابقا”.
ولا تمثل الأموال المستعادة وفق اعلان هيئة النزاهة إلا نسبة ضئيلة للغاية من الأموال المسروقة من خزينة الدولة.
ويقدر مسؤولون أن حجم الأموال التي اختفت من الخزانة العامة منذ سنة 2003 تتجاوز 300 مليار دولار.
وباتت “سرقة القرن” حديث الشارع العراقي والأوساط السياسية وغيرها حتى انتقل صداها إلى خارج العراق لتتناولها وسائل إعلام عربية وغربية.
ووفقا لمسؤولين عراقيين، تدور قضية الأمانات الضريبية “سرقة القرن”، حول عمليات سحب نقدي غير مشروعة من الهيئة العامة للضرائب في البلاد في عامي 2021 و2022 بلغ مجموعها حوالي 2.5 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم حتى في البلد الذي يصنف دائما من بين أكثر الدول فسادا في العالم.
ويصنف العراق من البلدان الغنية في العالم، حيث يعد أحد أكبر منتجي النفط في العالم بتحقيق أرباح من الصادرات في السنة الماضية تجاوزت 115 مليار دولار. ومع ذلك، لا يصل سوى القليل من هذه الأرباح إلى الناس العاديين.
ووصف اقتصاديون عراقيون إعلان هيئة النزاهة بالعرض المسرحي الفارغ، في محاولة لإبعاد كبار لصوص الدولة من ذاكرة الرأي العام وخصوصًا ما يتعلق بسرقة القرن لتورط جهات حزبية مشاركة في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني.
وقالوا إن استمرار الاستعراض الإعلامي لشركاء الفساد لإبعاد التهمة عن اللصوص الحقيقيين وتضييع أموال العراق في هذا العبث الذي لا يقل عن عبث رئيس الحكومة محمد شياع السوداني عندما وقف بين أكداس النقود ووعد بإعادة أموال سرقة القرن، إلا أنه أطلق سراح اللص نور زهير.
وجاء الإفراج عن نور زهير بكفالة مقابل إعادة باقي الأموال المسروقة في غضون أسبوعين، لكنه اختفى بعد ذلك.
وسبق أن كشفت لجنة النزاهة النيابية عن معلومات جديدة بشأن سرقة القرن، لافتة الى أن المتهمين، تدعمهم جهات سياسية متنفذة.
وقال عضو اللجنة هادي السلامي، إن ثمانية واربعين متورطًا في تسهيل اجراءات سرقة القرن، معظمهم يقيمون خارج العراق ومساندون من جهات سياسية متنفذة.
وبدأت بعدها الصراعات بين اللصوص حيث تم تبادل الاتهامات ما بين حكومتي الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني والحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي.
وأصر أعضاء من معسكر الكاظمي على أن نور زهير كان عميلا لداعمي السوداني وهم زعماء الميليشيات الولائية المرتبطة بإيران.
يأتي ذلك في وقت كشف تحقيق تلفزيوني مصور لمجلة “إيكونوميست” البريطانية عن ضلوع سبعة فصائل مرتبطة بالأحزاب والميليشيات الحاكمة في العراق في سرقة القرن التي تم فيها نهب 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة في العراق.
وذكرت المجلة في التحقيق المصور الذي أجراه مراسلها في الشرق الأوسط نيكولاس بيلهام، أن لصوص الدولة يتقاتلون في ما بينهم في العلن، لكنهم يعملون معا لإثراء أنفسهم، بغض النظر عن المواقف السياسية والطائفية.
ويقول كاتب التحقيق في مجلة “إيكونوميست” عندما زرت العراق هذا الربيع؛ مررت بجوار قصر نور زهير في المنصور، وكانت الأضواء مضاءة.
وزعم العراقيون الذين تحدثت إليهم أنه كان قد تم رصده في دبي وعمان ولندن. وفي نيسان 2023؛ قامت المحاكم بإلغاء تجميد أصوله، وأخبرني أحد مساعدي السوداني أن رئيس الوزراء ليس لديه خيار آخر؛ حيث قال “لو لم يطلق سراح نور زهير لكان قد فقد رأسه”.
وقالت “إنه بعد الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين، نهبت هذه الجماعات موارد البلاد، ونشرت نظام المحسوبية. وتقاسم رؤساء الأحزاب، الذين ينتمي الكثير منهم إلى المليشيات، الوزارات المربحة فيما بينهم من خلال المساومات والمقايضات”.
وأكدت على أن العراق أصبح موطئ قدم للميليشيات، ولكل منها جناح سياسي وإمبراطورية تجارية، ناهيك عن أنها تفرض نفوذها في جميع المستويات الحكومية. والرشوة متفشية، وأولئك الذين لا يمكن شراء ذممهم يكونون عرضةً للتهديد بطريقة “سوف تغادر العراق ميتا”.