أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

وزارة التربية تُخضع المدارس لخطاب الميليشيات الطائفية في العراق

عوائل عراقية تجعل أطفالها يتغيبون عن المدارس لتجب مشاركتهم في العرض الطائفي الذي فرضته وزارة التربية في حكومة الإطار التنسيقي لـ "تمجيد" قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.

بغداد ــ الرافدين
حذر مراقبون ومختصون في مجال التربية والتعليم من توجهات وزارة التربية في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في ترسيخ النهج الطائفي داخل المؤسسات التربوية وإغراق الطلبة بالمزيد من الأجندات الخارجية التي تهدف إلى حرف بوصلة التعليم داخل العراق.
وانتقد المراقبون توجيه وزير التربية الحالي إبراهيم نامس الجبوري، الإدارات المدرسية في محافظات العراق كافة بتنظيم “وقفة حداد” في الذكرى السنوية الرابعة لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة ميليشيا الحشد أبو مهدي المهندس.
في وقت قررت عوائل عراقية منع أطفالها من الذهاب إلى المدرس يوم الخميس المقبل الرابع من كانون الثاني لتجنيبهم العرض الطائفي الذي أقرته وزارة التربية تحت ضغط وسطوة الميليشيات المسيطرة على حكومة الإطار التنسيقي.
وقتل سليماني والمهندس في غارة أمريكية قرب مطار بغداد في الثالث من كانون الثاني عام 2022، عندما قام المهندس بزيارة سرية إلى بغداد أبان حكومة عادل عبد المهدي.
وتتعالى الصيحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بضرورة إيقاف النهج الطائفي الذي تتبعه حكومات ما بعد 2003 والذي يهدف إلى تسييس المؤسسات التربوية والتعليمية، مطالبين بمحاسبة كل من يسيء إلى سمعة التعليم في العراق.
وذكر عراقيون عبر حساباتهم الخاصة في مواقع التواصل بأن استعباد الطلاب وإجبارهم على المشاركة بوقفات تمجد بقادة الميليشيات أمر لا يمكن السكوت عنه، محملين وزارة التربية وحكومة الإطار التنسيقي مسؤولية فشل العملية التربوية في العراق.
وكتب المدون عثمان المختار في حسابة على منصة أكس، “وزير التربية العراقي يجبر التلاميذ لـ (وقفة حداد) على زعيم فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في ذكرى مصرعه”.
وطالب المختار أولياء أمور الطلاب أن يمنعوا أطفالهم عن هذا الدنس وألا يرسلونهم للمدرسة في ذلك اليوم لضمان عدم مشاركتهم في هذه الوقفة.
وتشهد المنظومة التعليمية في العراق تراجعًا ملحوظًا ينبئ بانهيار التعليم العراقي في جل المراحل بسبب النهج الطائفي المتبع داخل المدارس وأثره على تجهيل الطلبة.
وحذر العديد من المهتمين بالشأن التعليمي من خطورة هذه السياسات التي أوصلت التعليم إلى حالة من التدهور مطالبين بضرورة الانتباه إليها والبحث عن حلول تنقذ هذا القطاع الحيوي الذي يتحكم في مستقبل الأجيال الصاعدة.
ويرجع المختصون أن بداية انهيار المنظومة التعليمية إلى عام 2003 مؤكدين أن السنوات التي تلت ذلك التاريخ لم تشهد إصلاحات لانتشال واقع التربية والتعليم في البلاد، بسبب النهج الحكومي الذي قاد إلى انهيار التعليم وتراجع مستواه في البلاد.

توجيه وزارة التربية إلى المدارس بتنظيم وقفة حداد في ذكرى مقتل سليماني والمهندس

وأكدت نقابة المعلمين العراقيين أن السياسات الحكومية والأزمات السياسية والصراعات المستمرة أثرت بشكل سلبي على واقع القطاع التعليمي في العراق.
وأبدت نقابة المعلمين استياءها من قيام بعض السياسيين بالترويج عن نفسهم داخل المدارس داعية إلى إبعاد الحرم المدرسي عن صراعات العملية السياسية.
وأعلنت النقابة رصدها تدخلات تهدف إلى الترويج السياسي وقد تم تقديم مزايا وامتيازات لفئات تربوية محددة بهذا الغرض حيث قاموا بإعفاء بعض مدراء المدارس وتوفير النقل للمعلمين كجزء من الحملات الانتخابية.
وأكدت أن تدخلات بعض المتنفذين في الأمور والقرارات التربوية سيطيح بالعملية التربوية.
ويستنكر العراقيون ممارسة بعض الكوادر التعليمية المدعومة من قبل الأحزاب والميليشيات في زرع الطائفية في نفوس الطلبة داخل المؤسسات التعليمية دون رادع حكومي للحد من هذه الظواهر الدخيلة على التعليم في العراق.
حيث ينتهج بعض المعلمين داخل المدارس طقوسًا حزبية وطائفية والتي تهدف إلى تجهيل الأجيال خدمة لأجندات سياسية.
ووثقت منصات التواصل الاجتماعي جانبًا من سطوة الميليشيات على إدارات بعض المدارس في العراق، من خلال مقطع مصور لمدير مدرسة “خاتم الأنبياء” في منطقة حي الأمين ببغداد وهو يجبر التلاميذ على أداء التحية أمام صورة لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة ميليشيا الحشد أبو مهدي المهندس، اللذان قتلا في غارة أمريكية، مقابل الحصول على خمس درجات إضافية.
وبحسب ما تم تناقله على مواقع التواصل الاجتماعي فأن مدير المدرسة قيادي في إحدى الميليشيات ويعمل على بث سموم الطائفية بين صفوف الطلبة دون محاسبة من قبل اللجان الرقابية التابعة لوزارة التربية.
وسبق أن طالبت الأمم المتحدة بأن تبقى المدارس والجامعات والسكن التعليمي على الدوام ملاذات آمنة لتعزيز السلام والتنمية، وينبغي الاعتراف بطبيعتها المدنية وحمايتها وعدم زجها في الصراعات السياسية.
وقال الأكاديمي الدكتور نعمة الراوي إن قطاع التعليم في العراق أصبح وسيلة لتجهيل المجتمع العراقي من خلال تعيين أفراد غير مؤهلين للقيام بهذه المهمة.
وأضاف الراوي في تصريح لقناة “الرافدين” أن حالات الرشى والفساد الإداري باتت من المشاهد المتكررة داخل المدارس في ظل غياب الدور الحكومي في تأمين بيئة تربوية مناسبة للطلبة.
وترتبط مهنة التعليم بمسؤولية التربية وإعداد الأجيال الناشئة في إطار مشروع المواطنة ولكن الحال في العراق مختلف في ظل حكومات ما بعد 2003.
ووصل واقع التربية والتعليم في العراق إلى مرحلة انهيار شبه تام بسبب إخضاعه لنظام المحاصصة، وتعرضه لنكبات وتراجع كبير على جميع المستويات بعد أن كان متقدمًا على مستوى المنطقة.
وتضع المؤشرات الدولية قطاع التعليم في العراق في مراكز متأخرة، والذي فشل في الوصول إلى أدنى المراتب في التصنيف العالمي لجودة التعليم.
وحذر تربويون من أن عملية “التجهيل المتعمدة” للمجتمع العراقي من قبل جهات وقوى سياسية وطائفية تعمل على إبادة التعليم من أجل تفكيك المجتمع العراقي وبالتالي السيطرة عليه سياسيًا.
وحمل أكاديميون عراقيون تدهور واقع التربية والتعليم في العراق إلى خطط وبرامج يغلب عليها الطابع السياسي والطائفي في تغيير كل المناهج الدراسية، وتحويل الجامعات والمعاهد إلى قواعد حزبية وطائفية واستبعاد الكفاءات العلمية، فضلًا عن الفساد الجاثم على قطاع التعليم.
وكانت وزارتا التربية والتعليم العالي من أوائل الوزارات التي تعرضت إلى الانهيار إثر خطط وبرامج وضعتها حكومات الاحتلال المتعاقبة يغلب عليها الطابع الانقلابي الثأري بعيدًا عن القيم التربوية والتعليمية.
ويرى الدكتور عبد الرزاق الدليمي الذي كان يشغل منصب عميد كلية الإعلام بجامعة بغداد، أن ما زاد العملية التعليمية في العراق انهيارًا هو تغيير المناهج الدراسية، إذ سعت حكومات الاحتلال إلى تغيير المناهج التعليمية في العراق.
وأضاف أن تغيير الكثير من المناهج الدراسية وحذف الكثير من المناهج التي ترتكز على تعليم القيم والمبادئ الإسلامية فضلًا عن إدخال الكثير من المواد المحرفة في المناهج الجديدة، مشيرا إلى أن هذه المناهج لم تضف أي شيء يمكن أن تطور به العملية التعليمية في العراق.
وطالب الدليمي بالاستغناء عن المناهج التي فرضها الاحتلال ومن تولوا السلطة حيث أصبحت المناهج مرتعًا خصبًا للنفس الطائفي، وأكد على ضرورة وضع مناهج تدريسية تراعي مسائل الصحة النفسية لدى المعلم والمدرس إلى جانب المستوى الأخلاقي والثقافي ومراعاة الأمور الإنسانية لدى الطلاب.
وأدى التدهور الكبير في مستوى التعليم في ظل الفشل الحكومي الذي بلغ مستويات غير مسبوقة إلى خروج العراق من مؤشر دافوس لجودة التعليم.
ولا يخفي عراقيون التعبير عن أساهم على واقع التربية والتعليم في البلاد بعد إبادته كليًا والسماح لمؤسسات طائفية بالتدخل في مناهجه وفرض وصايات على البحوث والدراسات، والسماح لجهات فاسدة مرتبطة بدول خارجية بفتح مدارس ومعاهد وجامعات تجارية لا تبالي بوطنية العملية التعليمية.
وقال الأكاديمي والمتخصص في التعليم الدكتور محمود المسافر، إن هناك عملية ممنهجة لتدمير التعليم في العراق.
وأضاف في مداخلة لقناة “الرافدين” أن ضعف الدولة وعدم فاعليتها يفسح المجال أمام النفوذ الإيراني بالتغول داخل المؤسسات التربوية والتعليمية بهدف تهيئة أجيال متخلفة وجاهلة وبعيدة عن التعليم.
وأشار إلى فتح عشرات المؤسسات التعليمية الإيرانية في العراق والتي تستخدم فيها اللغة الفارسية كلغة أساسية في خطوة تكشف حجم المخطط الإيراني في نسف التعليم داخل البلاد.
ويعاني العراق من أزمة تعليمة منذ عام 2003 وحتى الآن، وتفاقمت بفعل فشل الحكومات المتعاقبة في حل مشكلات القطاع التعليمي من نقص الأبنية المدرسية والكتب، ما جعلت العراق خارج مؤشر التصنيف الدولي لنظام التعليم في العالم.
وسبق أن وصف خبراء تربويون تصريحات رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني خلال “مؤتمر التربية والتعليم 2022 – 2031” والتي يعزو من خلالها تردي الواقع التعليمي إلى سياسات النظام السابق، بأنها سردية مقيتة ومحاولة سافرة لتشويه الواقع وليس التاريخ القريب فحسب.
وقالوا إن السوداني تغاضى بدوافع مكشوفة عن حقيقة الفشل والسياسات الطائفية في قطاع التعليم، بينما يتحدث الآن عن نظام غير موجود منذ عشرين عامًا.
وأكد الخبراء أن تصريحات السوداني قائمة على التشويه، وعدم الاعتراف بالسياسات المتعمدة التي أخرجت التعليم في العراق من المعايير الدولية بعد أن كان في مراتب متقدمة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى