أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الانهيار الأمني يفتح المجال لنشاط مافيات المخدرات الدولية في العراق

خيوط عملية اغتيال شاب في بغداد تقود إلى نشاط متنام لعصابات جريمة دولية مرتبطة بميليشيات متنفذة على علاقة مع إيران تسعى إلى إغراق المنطقة بالفوضى والمخدرات.

بغداد – الرافدين

عززت عملية الاغتيال الأخيرة في حي العامرية غربي بغداد لشاب في سيارة فارهة، مخاوف العراقيين من تحول بلادهم لساحة تصفية للحسابات بين عصابات الجريمة المنظمة وعصابات الاتجار بالمخدرات العالمية لاسيما تلك المنتشرة في أوروبا بعد الكشف عن ارتباط العملية بعصابة سويدية.
وأعاد حادث الاغتيال في تقاطع العامرية إلى الأذهان عمليات القتل الممنهجة التي كانت تحدث إبّان الحرب الطائفية عام 2006، لجرأة التنفيذ المفرطة في وضح النهار بمنطقة مزدحمة وتقاطع مليء بالسيارات.
ولم تمر ساعات على اغتيال الشاب حتى بدأت تتكشف الحقائق عن هوية “قتيل تقاطع العامرية” مصطفى الجبوري المولود في بغداد عام 1989 والذي كان له منذ عدة سنوات علاقات مع شبكة “فوكستروت” الإجرامية في السويد التابعة لما يعرف بـ “الثعلب الكردي” راوة مجيد.
وبحسب وسائل إعلام سويدية تواصلت مع الدائرة المقربة من تلك العصابة أنهم يتحملون مسؤولية مقتل مصطفى بالرصاص في بغداد.
ويقول الصحفي السويدي فريدريك شوشولت؛ إن هناك أسبابًا تدعو للقلق بعد مقتل مصطفى الجبوري الملقب “بنزيمة” لانتقال حرب العصابات السويدية مرة أخرى إلى الخارج.
وعلى الرغم من أن المشتبه به كان تحت وصاية الدولة السويدية إلا أنه حصل على إذن بالسفر إلى العراق مع والدته عام 2015 للمشاركة في حفل زفاف أحد الأقارب.
لكن مصادر صحفية مطلعة أكدت أن الزفاف كان مجرد ذريعة في العراق، بعد أن جنده والده في الجيش الحكومي إبان العمليات العسكرية في المدن المنكوبة.
وبينت المصادر أن الشاب القتيل تمكن من الفرار من الخدمة العسكرية بعد عام والعودة إلى السويد ليتم اعتقاله هناك بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم قتل وسرقة واحتجاز رهائن خلال فترة خدمته في الجيش الحكومي قبل إسقاط القضية بعد شهر لعدم كفاية الأدلة.
وعاد الشاب من السويد إلى العراق حيث عاش لمدة عام تقريبًا قبل مقتله بالرصاص في سيارته في طابور مرور في العاصمة العراقية بغداد.
ويرى حقوقيون وجوب محاكمة القاتل مهما كانت جنسيته وفقًا للقانون العراقي وعدم التهاون في هذه القضية بغض النظر عن تورط المقتول بجرائم الاتجار بالمخدرات لتفويت الفرصة أمام عصابات المخدرات العالمية لتحويل العراق لساحة حرب بينها.
ويؤكد الخبير القانوني علي التميمي، أن “القاتل يطبق عليه قانون العقوبات العراقي وفق المادة (406) 1/1000 القتل مع سبق الإصرار والترصد، والمحكمة التي تنظر بهذه الدعوى هي محكمة التحقيق المختصة بمكان الحادث، وهذا يسمى الاختصاص المكاني وفق المواد (53،54، 55) من قانون أصول المحاكمات الجزائية”.
وبين انه “مهما كانت جنسية الشخص، فإن أي جريمة ترتكب في العراق، تندرج ضمن الاختصاص المكاني، ويحاكم القاتل في العراق وفق قانون العقوبات العراقي، وهذا القاتل عقوبته الإعدام، وعليه فانه لن يسلم المجرم الى السلطات السويدية وسيحاكم في العراق”.

اتهامات لأجهزة الأمن بملاحقة صغار المتاجرين بالمخدرات وغض النظر عن العصابات المرتبطة بالميليشيات والمافيات الدولية

وفي المقابل تفتح عملية الاغتيال في بغداد الباب للحديث عن تحول البلد لساحة تصفية للحسابات بعد تحوله لمركز محوري في إنتاج المخدرات في المنطقة في ظل هيمنة الميليشيات وفوضى السلاح.
ويشير مراقبون إلى أن الجهات الأمنية تلاحق التجار الصغار والموزعين الذين يرفضون دفع نسبة من أرباح تجارتهم لقيادات الميليشيات وغير المحميين بالنفوذ الحزبي والسياسي، وتلقي القبض عليهم، ولكن في المقابل تتجاهل المتورطين الرئيسيين لاسيما المرتبطون بعصابات دولية وذلك بسبب تعاملهم المباشر مع جهات سياسية متنفذة وميليشيات مسلحة.
فيما تؤكد دراسات وتقارير دولية ومحلية أن ظاهرة المخدرات في العراق تخطت كونها مجرد تجارة يمارسها صغار تجار المخدرات، إلى أنشطة مرتبطة بصورة فعالة ومؤثرة بالميليشيات والقوى السياسية ومافيات عالمية، والتي تجني من خلال هذه التجارة مكاسب مالية طائلة وتستغلها في الوقت نفسه للحفاظ على نفوذها وسلطتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وتواصل ميليشيات تابعة للحشد الشعبي متمركزة على الحدود العراقية مع سوريا ولبنان وإيران تربطها علاقات بمافيات دولية، تهريب المخدرات عبر المعابر الرسمية وغير الرسمية دون تعرضها للتفتيش، في ظل فشل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في إيجاد حلول لكارثة المخدرات.
وكشفت مصادر حكومية عن تورّط أجهزة أمنية وعسكرية سورية وقسم من ميليشيات الحشد في العراق في تلك التجارة، مضيفة أن تهريب المخدرات بات من أهم المصادر المالية للميليشيات ولسلطات النظام في سوريا حيث تدر عليهم عائدات مالية تفوق عائدات تهريب النفط.
وفي موازاة ذلك قالت مصادر صحفية إن طائرات أردنية نفذت أربع ضربات داخل سوريا الثلاثاء في ثاني غارة من نوعها خلال أسبوع تستهدف ما يُشتبه بأنها مزارع ومخابئ لمهربي المخدرات المرتبطين بإيران.
وكثف الجيش الأردني حملته على تجار المخدرات بعد اشتباكات الشهر الماضي مع عشرات الأشخاص الذين يُشتبه بأن لهم صلات بجماعات مسلحة موالية لإيران، والذين كانوا يحملون كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات عبر الحدود مع سوريا.
وتشير مصادر أن هذه التجارة المتنامية التي باتت تهدد أمن دول المنطقة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنشاط عصابات الاتجار بالمخدرات داخل العراق في ظل تواطؤ حكومي وتقاعس عن متابعة تلك العصابات التي بات نشاطها من أخطر الأنشطة على مستوى العالم فضلًا عن تأثيرها في ارتفاع نسب تعاطي المخدرات في العراق بين أوساط الشباب.

خطر تجارة المخدرات المرتبط بالميليشيات الإيرانية يهددد أمن دول المنطقة لاسيما الأردن

ويتهم مراقبون الحكومة بالتستر على الميليشيات التي تسيطر على تجارة المخدرات وتعمل على إغراق العراق بها على الرغم من تصريحاتها الكثيرة عن خطر المخدرات على المجتمع وأنها باتت وجهًا من أوجه الإرهاب.
وقال رئيس تحرير صحيفة “وجهات نظر” مصطفى كامل، إن “الأعداد التي أعلنت عنها الجهات الحكومية للمعتقلين بتهمة المخدرات أعداد هائلة ولا يمكن أن تفهم إلا من خلال السعي لتدمير العراق وخاصة فئة الشباب، حيث كان العراق قبل عام 2003 خاليا تماما من المخدرات لوجود القوانين الرادعة والجهات المسؤولة، لكن اليوم الجهات الرسمية هي من تعمل بتجارة وتهريب وتصنيع وترويج هذه الآفة الخطيرة”.
وأضاف كامل في حديث لقناة “الرافدين” الفضائية، أن “الجهات التي تتولى تجارة وتهريب المخدرات هي الجهات الميليشياوية المسيطرة على القرار الأمني والسياسي والقضائي، وكل ما من شأنه تدمير العراق تدعمه هذه الميليشيات والأمر غير مقتصر على المخدرات وحدها وجميع الجهات الحكومية متورطة مع الميليشيات”.
وأكد على أنه لا قيمة للوعود التي يطلقها المسؤولين الحكوميين بشأن مكافحة المخدرات، فجميع الحكومات المتعاقبة بعد 2003 قدمت وعودًا لكنها فشلت تماما في تحقيق أي منها، لأنها جزء من مشروع تدمير العراق.
وفي آخر إحصائية حكومية بلغ عدد المعتقلين بتهمة المخدرات خلال عام 2023 أكثر من 17 ألف معتقل، وهو رقم يعكس تنامي خطر آفة المخدرات إلا أن هذه الأعداد لا تشكل إلا جزءًا بسيطا من الأعداد المتورطة فعليا.
وبحسب إحصائية جديدة أوردها المتحدث باسم وزارة الداخلية مقداد ميري، فإن عدد المحكومين بجريمة المخدرات بلغ 7 آلاف و397 خلال عام 2023 وحده.
وسبق أن أقرت لجنة الأمن والدفاع النيابية بأن العراق تحول إلى بيئة لإدمان المخدرات بعد أن كان ممرًا لعبورها وهو ما تسبب في إغراق الكثير من الشباب في مستنقع فاسد مؤكدة أنها وصلت للجامعات ومدارس البنات وحتى طلبة المرحلة الابتدائية.
وشددت على وجوب بدء ما سمتها بالحرب الفعلية على المخدرات وقطع الطريق أمام مافيات وعصابات تعبث بالشباب عبر أدوات الإدمان بالإضافة إلى أن تجارة المخدرات تمثل استنزافًا لثروات البلاد قبل أن تكشف عملية الاغتيال في منطقة العامرية عمق جذور المشكلة وارتباطها بعصابات تتحكم بتجارة المخدرات عالميا.
بدورها كشفت اللجنة العليا لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، عن إتلاف نحو 18 طنًا من المواد المخدرة في العراق خلال العام 2023.
وقال عضو اللجنة أشرف الدهان، إنه “تم اتلاف مليون قرص من مادة الآرتان، و17 طنا من المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والسلائف الكيميائية، و 10 ملايين و323 ألف قرص مخدر.
وتأتي تجارة المخدرات بحسب مصادر رسمية بالمرتبة الثالثة بعد تجارة النفط والسلاح وجميعها تدار من قبل الميليشيات وبتواطؤ حكومي.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى