أخبار الرافدين
كرم نعمة

مطاعم سفراء البضاعة السياسية الكاسدة

عندما كتبَ قبل سنوات ماثيو باريس أشهر كتّاب أعمدة صحيفة التايمز البريطانية عن الفشل الغربي في العراق، كان يعبّر عن حقيقة لا يريد السياسيون الإقرار بها، ذلك ما دفعني إلى سؤال السفير البريطاني الأسبق في العراق السير تيرينس كلارك “كمْ تتحملون من مسؤولية تسليم العراق إلى إيران”؟
قال السير تيرينس الذي سبق وأن قال له صدام حسين في ثمانينيات القرن الماضي إن العلاقات البريطانية العراقية “مكتفة” أكثر مما ينبغي!
“لست متأكدا كمْ، لكن من أفسد العراق التدخلات الخارجية”!
كتب باريس في صحيفة التايمز “حان الوقت كي نعترف بأننا ضللنا الطريق في الشرق الأوسط. أسفل سياسات الخارجية والدفاع البريطانيتين تقبع أكبر كذبة استمر تداولها منذ حرب الخليج الأولى، وهي أننا نعرف ماذا نفعل هناك”.
وأضاف “الحقيقة هي أنه ليس لدى البريطانيين ولا الأمريكيين أدنى فكرة عما يحدث هناك، رغم محاولات إقناع أنفسنا أنه دائما هناك الشيء الصحيح الذي يتعين علينا القيام به (…) ماذا لو لم يوجد أصلا هذا الشيء الصحيح؟”.
وقال “على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن عززنا الفشل الواضح، حيث افتقرنا إلى العقل”.
ومع أنه من الصعب أن نجد الكثير من السياسيين البريطانيين من جوقة رئيس الوزراء الأسبق توني بلير أو الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، من يأخذ تحليل ماثيو باريس على محمل الإخلاص الصحافي العميق للقيم الإنسانية المشركة والتعاطف مع ملايين الضحايا الذي سقطوا في حرب غير عادلة وتفتقر للمسوغات الأخلاقية في العراق أو المنطقة، فأنه يحلو لي أثبات ذلك على سلوك بعض الدبلوماسيين في العراق وبعض دول المنطقة اليوم، عندما صاروا يقدمون عروضهم في الطعام كمفاجأة، بيد أن الأمر لا يتعدى السخف الدبلوماسي لأن مثل هذا الطعام متاح بكثرة في بلدانهم. بل وصل الحال بالممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، في تقديم طقوس “العبادة الزائفة” في زيارة مراقد النجف!
لقد أثار السفير البريطاني في العراق ستيفن تشارلز هيتشن، استهجان العراقيين عندما قدم نفسه أكثر من مرة أشبه بمراسل سياحي للأماكن والأطعمة العراقية. وقبل أيام قدم نفسه كممثل كوميدي في برنامج تلفزيوني ساخر!
وركز السفير على عرض احتفاله المبالغ فيه بالأطعمة العراقية وكتابة تعليقات باللهجة العراقية الدارجة والتحدث فيها في خطاب شعبوي يفتقد للرصانة والمعايير الدبلوماسية.
وظهر في فيديو مع كادر السفارة وهم يتناولون إفطارا عراقيا، في احتفال مبالغ فيه وكأن هذه الأطعمة لا توجد في الأسواق البريطانية.
كان ذلك العرض الأبله لكادر السفارة البريطانية يوحي وكأن العراق تحول إلى “مطعم دبلوماسي” بينما لازال مئات الآلاف من العراقيين المهجرين يعيشون في مخيمات تفتقر الى الطعام والكرامة الإنسانية.
وقبلها عرّف السفير البريطاني السابق مارك برايسون ريتشاردسون نفسه للجمهور العراقي بأنه مسلم ولديه ولد اسمه “علي” يتحدث كثيرا معه عن كرة القدم.
لا نعرف دلالة اسم “علي” بالنسبة إلى السفير البريطاني، ومع أنه لفظه بعربية صحيحة، وكذلك دلالة دخوله إلى الإسلام والاحتفاظ باسمه الأصلي، وعما إذا كان ذلك مرتبطا بزواجه من مسلمة “لا توجد أي معلومات منشورة عن زوجة ريتشاردسون”، لكن اسم “علي” شائع ومعروف في المجتمع البريطاني وإن اختلف بحروف التهجي الإنجليزية عما يكتب بالعربية.
فـ”آلي” الإنجليزي اسم يطلق على الإناث والذكور على حد سواء. أحد أنجح المسلسلات التي عرضت قبل سنوات على شاشة هيئة الإذاعة البريطانية “بي. بي. سي” كانت بطلته اسمها آلي في المسلسل.
الجمهور العربي يعرف جيدا أن لاعبي المنتخب الإنجليزي وناديي ايفرتون وأستون فيلا ديلي آلي وأولي واتكينز، اسماهما هما نوع من تهجي اسم علي العربي.
أما السفير الياباني السابق في العراق والحالي في السعودية فوميو إيواي، فقد كان كل نشاطه أشبه بعارض أزياء للألبسة العراقية والسعودية، وكأنه يمارس دورا ليس له في مسرحية كوميدية ساخرة. بل وصل الحال به في آخر رسائله على مواقع التواصل أن يطلب من السعوديين أن يدلوه على موسم بيع البطيخ في الأسواق، ليكون حاضرا!
بينما عبر السفير الفرنسي في السعودية لودوفيك بويّ، عن مجاملة زائفة عندما زعم أنه يحسّن أداؤه لرقصة العرضة السعودية بعد مشاركته احتفال لنادي الإبل.
حسنا، لا أحد يصادر حق هؤلاء السفراء أن يمارسوا ما يفضلونه من أمور شخصية، لكن الاستعراض بها باعتبارها منجزا دبلوماسيا، يعبر عن الزيف المكشوف، فالشعوب تنتظر منهم أكثر من ذلك، لأنها تعرف أطعمتها وأزياءها، تنتظر أن يكون لهؤلاء السفراء دورا في تخفيف معاناة المهجرين من بيوتهم ومساعدة الصغار في إيجاد مدارس لائقة بهم، وتتوق للاعتراف بجرائم الحرب التي ارتكبتها حكوماتهم بحق العراقيين!
فعلى عكس ما يقوله بعض كبار العسكريين، يمكن أن تكمن الشجاعة في الاعتراف بالفشل، وليس من الشجاعة دائما مضاعفة الأرواح المهدورة، ومن ثم استعراض جلسات الطعام وعروض الأزياء المحلية من قبل السفراء.
بودي أن أسأل في النهاية سفراء “الكاهي والبطيخ ورقصة العرضة” كم تعلموا من الحكمة العميقة التي قدمها لهم الكاتب ماثيو باريس؟

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى