أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدينمجالس المحافظات: بوابة مشرعة على الفساد

سور الفصل الطائفي يحاصر سامراء ويغير تركيبتها السكانية

“العتبة العسكرية” تستولي على أملاك بلدية سامراء داخل المدينة القديمة، وإغلاقها، وحرمان أهلها من فرص العمل في مسعى مستمر للتغيير الديموغرافي في المدينة.

سامراء– الرافدين
يتمنى خالد ابراهيم أن يبني بيتًا في أرضه بمحيط سامراء، لكنه سينقطع عندها عن بقية المدينة إذ تقع أرضه خلف سور من الإسمنت شيّد من قبل الميليشيات الطائفية بعد أن استحوذت على المدينة وغيرت تركيبتها السكانية، لكنه بات يخنق نموّها.
أقيم هذا السور منذ أكثر من عقد، في ذروة هجوم الميليشيات الطائفية على المدينة للاستيلاء عليها ومصادرة أملاك السكان فيها.
وكانت شرارة هذه الحرب الدموية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف، تفجير في العام 2006 استهدف مرقدي الإمامين في المدينة الواقعة في محافظة صلاح الدين ذات الغالبية السنية، تلاه تفجير ثان في 2007 ادى الى انهيار مئذنتي الضريح. كشفت التحقيقات لاحقًا الدور الإيراني في تفجير المرقدين لإضرام حرب تطهير طائفي في البلاد، تقودها الميليشيات التابعة لها.
ومع تحسّن الأوضاع الأمنية في سامراء التي تبعد نحو 110 كيلومترات عن بغداد، لكن السور الذي يطوّقها لا يزال بمثابة تذكير دائم بتلك الحقبة الحالكة.
وفي الوقت نفسه، هو يعيق منذ العام 2008 حركة السكان المحاصرين داخله، والذين ازداد عددهم من 300 ألف إلى 400 ألف نسمة.
يقول خالد ابراهيم، وهو عامل يبلغ من العمر 52 عامًا، إن السور “بات مثل كابوس، أسوأ من سجن”.
وكما آلاف العائلات الأخرى، كان ابراهيم يقطن مع عائلته منزلا في منطقة عشوائية مخالفة، إلى أن جاءت السلطات وقامت بهدمه. مذّاك، هو يستأجر منزلاً لقاء 250 ألف دينار (حوالى 180 دولارًا) في الشهر.
ويثقل هذا المبلغ كاهل الرجل الذي لا يتجاوز مدخوله مع ابنيه العاملين أيضا، 30 ألف دينار في اليوم، وأحياناً أقلّ.
لكن السور يبقى عائقًا بينه وبين أرضه الواقعة في الجهة الأخرى منه إذ لا يسمح له البناء فيها لأنها تقع بمحاذاته تمامًا.
ويروي الرجل لوكالة الصحافة الفرنسية “لا أستطيع أن أبني خارج السور لأن القوات الأمنية تمنع ذلك، لا تسمح لأحد بالاقتراب من السور”.
ويضيف “لا توجد خدمات أيضًا، لا ماء ولا كهرباء، الحياة معدومة… إذا بنيتَ خارج السور، كأنما تعيش في منفى”.


لا أستطيع أن أبني خارج السور لأن القوات الأمنية تمنع ذلك، لا تسمح لأحد بالاقتراب من السور

وعلى الرغم من عدم الاستقرار السياسي الذي قد يعيشه العراق بين حين وآخر، بدأت السلطات تزيل السواتر تدريجيًا في العاصمة وتفتح الطرقات التي كانت مغلقة بجدران اسمنتية طوقّت أيضًا بعض المباني لحمايتها.
أما سامراء، المدينة التي كانت في الماضي العاصمة الثانية للدولة العباسية (836-892) بعد بغداد، والمدرجة بمعالمها الأثرية ولا سيما المئذنة الملوية على قائمة منظمة اليونيسكو للتراث العالمي، فلا تزال محاصرةً بجدران عالية من الأسمنت.
تلاصق السور بيوت من الطوب أبوابها من حديد تآكل مع مرور الزمن. ومن الجانب الآخر، تمتدّ مساحات شاسعة من الأراضي الفارغة نمت فيها الأعشاب البرية.
يمكن دخول المدينة حاليًا من ثلاثة مداخل، تحميها حواجز أمنية.
وتدرك السلطات في المدينة الصعوبات التي يطرحها السور على الحياة اليومية للسكان، ولذلك تسعى إلى تنفيذ مشروع لتوسعة مساحته وإبعاده بضعة كيلومترات وتحديثه، بحيث يصبح عدد مداخل المدينة ستّة، بالإضافة إلى نصب كاميرات مراقبة وإقامة أبراج.
ويشرح معاون محافظ صلاح الدين رياض الطايس “كنا نتمنى أن يتم رفع السور، لكن الضرورات الأمنية والخطط الأمنية والأفق الأمني للجهات الأمنية الماسكة للقطاعات وأيضا قيادة العمليات المشتركة ارتأت أن يبقى هذا السور”.
ويضيف أن الهدف “أن لا نقع في خطأ وفي كارثة كما حصل في العام 2006 أدت إلى حرب طائفية راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب العراقي”.
مع ذلك، يقرّ الطايس بأنّ السور بات “خانقًا لمدينة سامراء من حيث الدخول والخروج”. ويضيف أن هذا السياج “أوقف الحركة العمرانية والتوسعية” الطبيعية للمدينة.
في الوقت نفسه، لا يزال هناك خطر كامن اليوم، وفق المسؤول، حيث “رغم كل التحصينات وتحسن الوضع الأمني لا تزال هناك خلايا نائمة”.
ويشير تقرير للأمم المتحدة نشر في صيف العام 2023، إلى أن عمليات تنظيم داعش اقتصرت على المناطق الريفية، بينما كانت الهجمات في المراكز الحضرية أقلّ في العراق.
وكانت دراسة مطولة أصدرها معهد “تشاتام هاوس” في لندن عن “افتراس التراث الثقافي في العراق: الاستملاك الطائفي لماضي العراق” قد ذكرت أن المنطقة المحيطة بالمسجد العسكري مهملة.
وأكدت الدراسة، أن البيئة المعمارية ذات الأهمية التاريخية في وسط سامراء بدأت بالتحول التدريجي من قبل الوقف الشيعي، ويجري هدم عشرات المباني وغيرها من المواقع التراثية التي تعود إلى الحقبة العثمانية، إضافة إلى تشريد عشرات الآلاف من الأسر السنية بعد سيطرة ميليشيا “سرايا السلام”، ما جعل الحياة الثقافية لسامراء أقل تنوعًا.

سامراء لا تزال محاصرة بجدران عالية من الأسمنت

وأشارت الدراسة، التي كتبها نخبة من الباحثين في المعهد الملكي البريطاني “تشاتام هاوس” إلى إغلاق “الجامع الكبير” وهو مسجد يديره الوقف السني ومطالبة الوقف الشيعي به كواحد من جوامعه.
وبينت أن استغلال الوقف للموارد الثقافية والدينية للمدينة، واتجاهه لأعمال البنية التحتية داخل المنطقة المسيجة، أدى إلى تغيير جوهري في طابع واحدة من أهم المدن العراقية. كما جرت تطورات مماثلة أيضًا في أجزاء أخرى كثيرة من البلاد.
واستولى الوقف الشيعي على مركز المدينة التاريخي في سامراء، بما في ذلك أصول الدولة المملوكة للسلطات المركزية وسلطات المحافظات، ما أدى إلى تغيير ديموغرافي في سامراء.
ويرى ليث ابراهيم أحد سكان المدينة أنه “داخل سامراء، الأمن مئة بالمئة”، لكن “خارج سامراء، لا”.
ويؤيد الرجل البالغ من العمر 64 عامًا فكرة توسيع هذا السور. ويقول “هناك شح بالأراضي والسكن، أسعار العقارات تزداد يوميًا”.
وتنوي السلطات بحسب معاون المحافظ البدء “خلال شهر” بالعمل على مشروع توسعة السور البالغة قيمته 14 مليار دينار، حيث سيزيد طوله من 12 إلى 34 كلم. أما المسافة التي سوف يتم إبعاده فيها عن المدينة، فستتراوح بين 3 إلى 7 كيلومترات.
لكن بالنسبة لخالد ابراهيم، فقد تكررت هذه الوعود مرارًا من دون جدوى.
ويقول الرجل “منذ سنين يعدوننا بأنهم سيقومون بتحويل مكان الساتر، وبأنهم سوف يزيلون المعاناة عنا، ولكن أحدًا لم يفعل”.
في غضون ذلك تواصل إدارة “العتبة العسكرية” في سامراء استيلاءها على أراضي المدينة بالتواطؤ مع حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بعد ضغط الأخير على وزير الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة بنكين ريكاني وإيعازه لمدير بلدية سامراء منح “العتبة العسكرية” أرضًا بمساحة 48 دونم وسط المدينة.
واستنكر شيوخ ووجهاء وعلماء مدينة سامراء، استيلاء “العتبة العسكرية” على أراضي المدينة، واستمرار عمليات التغيير الديمغرافي التي تقوم بها بتواطؤٍ مع حكومة الإطار التنسيقي.
وقال الشيوخ والوجهاء في بيانٍ إن “العتبة العسكرية، تسببت بالتضييق والخناق على مدينة سامراء القديمة، وحرمان أهلها من التحرك والتصرف بأملاكهم ومصادر معيشتهم، فضلًا عن محاولاتها المستمرة للاستيلاء على الجامع الكبير والمدرسة العلمية فيها”.
وأكد البيان، على رفض أهالي سامراء التغيير الديمغرافي القسري الذي تقوم به “العتبة العسكرية” من خلال جلب 1000 عائلة من خارج المدينة وإسكانهم في المنطقة القديمة المغلقة أمام أهالي سامراء، للعمل في مشروع إعادة إعمار ضريح العسكريين فيها.
وأشار إلى، استيلاء “العتبة العسكرية” على أملاك بلدية سامراء داخل المدينة القديمة، وإغلاقها، وحرمان أهلها من فرص العمل دون مبرر.
وطالب البيان، الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بالتدخل لوضع حدٍ للممارسات الاستفزازية لـ “العتبة العسكرية” ومحاولات التضييق المستمرة لأهالي المدينة، وإلغاء قانون العتبات رقم 19 لسنة 2005 وإرجاع الحقوق لأهل المدينة التي كابد أهلها التهميش والإقصاء طوال عشرين عامًا.


السور بات خانقًا لمدينة سامراء من حيث الدخول والخروج
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى