أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

موظفو بلاسخارت يغذون ثقافة الفساد كشريان للحياة السياسة في العراق

الغارديان: الرشى والعمولات واحدة من أركان الفساد وسوء الإدارة في مخطط لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق.

بغداد- الرافدين
كشف تحقيق أجرته صحيفة الغارديان البريطانية أن الموظفين العاملين لدى الأمم المتحدة في العراق يطالبون برشى مقابل مساعدة رجال الأعمال في الفوز بعقود في مشاريع البناء.
وتعد العمولات واحدة من أركان الفساد وسوء الإدارة التي كشفت عنها الصحيفة البريطانية في تقرير “التمويل لتحقيق الاستقرار”، وهو مخطط لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تم إطلاقه في عام 2015 ويحظى بدعم مقداره 1.5 مليار دولار من 30 جهة مانحة، بما في ذلك المملكة المتحدة.
ومنذ احتلال العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، ضخ المجتمع الدولي مليارات الدولارات إلى العراق بما فيها أموال العراق من تصدير كميات كبيرة من البترول. وبعد مرور عشرين عامًا، لا تزال البلاد تعاني من ضعف الخدمات والبنية التحتية، على الرغم من كونها رابع أكبر منتج للنفط في العالم وحققت عائدات نفطية قياسية بلغت 115 مليار دولار في العام 2023.
ويوُصِف الفساد والعمولات على أنها “شريان الحياة للسياسة في العراق”، ولهذا السبب تنفذ الأمم المتحدة مشاريع بشكل مباشر، وتعد بمزيد من الشفافية مقارنة بالمؤسسات المحلية.
ووجدت صحيفة “الغارديان” أن موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي طالبوا برشى تصل إلى 15 بالمائة من قيمة العقد، وفقًا لثلاثة موظفين وأربعة مقاولين. وفي المقابل، يساعد الموظف المقاول على التنقل في نظام العطاءات المعقد التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لضمان اجتياز عملية التدقيق.
وقال أحد المقاولين للصحيفة إن موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اتصلوا بهم مطالبين برشى مشددًا على أنه “لا يمكن لأحد أن يحصل على عقد دون أن يدفع. لا يوجد شيء في هذا البلد يمكنك الحصول عليه دون دفع، لا من الحكومة ولا من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”.
وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في رسالة إلى الصحيفة البريطانية إن لديه “آليات داخلية تمنع وتكشف الفساد وسوء الإدارة، مدعومة بإجراءات امتثال قوية وضوابط داخلية”.
لكن المقابلات التي أجريت مع أكثر من عشرين من موظفي الأمم المتحدة الحاليين والسابقين والمقاولين والمسؤولين العراقيين والغربيين تشير إلى أن الأمم المتحدة تغذي ثقافة الرشوة التي تغلغلت في المجتمع العراقي منذ الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين في عام 2003.
وقال أحد موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن الصفقات تمت شخصيًا وليس على الورق لتجنب اكتشافها، حيث يعمل العراقيون ذوو النفوذ في بعض الأحيان كضامنين. ويأخذ الطرف الثالث أيضًا حصة من الرشى، حيث يختار المقاولون الأشخاص ذوي العلاقات والسلطة من المتنفذين.
ويحصل المسؤولون الحكوميون الذين عهد إليهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالإشراف على مشاريع البناء، على حصة أيضًا.
وقال مقاولون وموظفو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذين أشرفوا على المشاريع إن المسؤولين استخدموا تلك السلطة “لابتزاز” الشركات مقابل التوقيع على المشاريع المكتملة. وقال اثنان من المقاولين للصحيفة إنهما أُجبرا على دفع مثل هذه المدفوعات.
وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيانه إنه يأخذ مزاعم الفساد وانعدام الشفافية على محمل الجد، ولا يتسامح مطلقا مع الاحتيال والفساد.
فإلى جانب الفساد، تم إنفاق الأموال على الاستغناء عن العمالة والنفقات العامة الضخمة للأمم المتحدة، الأمر الذي يثير المزيد من التساؤلات حول حصة الميزانية الضخمة التي تصل فعليًا إلى المجتمعات التي مزقتها الحرب.
وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنه قام بتحصيل تكاليف غير مباشرة وفقا للوائحه وقواعده المالية ومتطلبات مجلسه التنفيذي.
وقال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، والذين تحدث الكثير منهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم خوفًا من الانتقام، إن البرنامج قد شهد توسعًا وتمديدًا غير مبررين أدى في الغالب إلى الحفاظ على بصمة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع إعفاء الحكومة العراقية من التزاماتها الخاصة بإعادة بناء البلاد.
ووصفوا هيكل الحوافز الفاسد الذي يتواطأ فيه موظفو الأمم المتحدة الذين يريدون “الحفاظ على رواتبهم المريحة” مع المسؤولين الحكوميين الذين يستفيدون ماليًا لتحديد مشاريع جديدة، بأعداد تقارير مرحلية تزين النتائج لتبرير المزيد من التمويل الفاسد.
ويدعي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه نجح في تحسين حياة 8.9 مليون عراقي “أي خمس سكان البلاد” لكن زيارة صحيفة “الغارديان” لمواقع المشاريع تشير إلى أن بعض هذه الأرقام مبالغ فيها إن لم تكن كاذبة.
وفي إحدى قرى شمال العراق، أعلنت لافتة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي خارج المركز الصحي المحلي عن الفضل في إعادة تأهيله. لكن المنشأة، التي تعرضت لأضرار طفيفة من تنظيم “داعش” عام 2017، تم ترميمها من قبل منظمتين أخريين غير الأمم المتحدة.
وبحلول الوقت الذي حضر فيه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كانت العيادة قد عادت للعمل مرة أخرى. وفيما يبدو أنه انحراف عن الهدف الأصلي المتمثل في إعادة بناء المرافق المتضررة، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ببناء ملحق جديد لمختبر للأشعة السينية. لكن المباني ظلت فارغة في تشرين الأول الماضي، حيث اشتكى السكان المحليون من فشل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمدة عامين في الوفاء بوعوده بتجهيز المختبرات الجديدة.
في المقابل، ذكر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2022 أن المنشأة قد اكتملت، وهي تخدم آلاف العراقيين، إلى جانب عيادات أخرى في المحافظة. ولكن يبدو أن هذا الرقم يعتمد على البيانات المزيفة التي تقدمها حكومة محمد شياع السوداني وليس على الاستخدام الفعلي.

اجتماع لإدارة عمولات الصفقات

وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنه التزم بمتطلبات إعداد التقارير الفنية والمالية المحددة في الاتفاقيات مع كل جهة مانحة.
ويشير الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات إلى أن مثل هذه المبادرات لم تكن قادرة على كبح الرشوة.
وسبق وأن وافق المانحون على تمديد البرنامج الإنمائي لمدة عامين آخرين ويريدون إعادة توجيه بعض الأموال المتبقية نحو التنمية الاجتماعية والمؤسسية. لكن من أجريت معهم المقابلات وصفوا التدريب وورش العمل التي يديرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في إطار هذه المبادرات بأنها “تافهة” و”تفتقر إلى التماسك الاستراتيجي”.
وذكرت صحيفة “الغارديان” إن الجلسات التي حضرها مسؤولون حكوميون وأفراد من المجتمع والتي تقيمها ممثلية الأمم المتحدة في العراق، تقوم في الغالب من أجل الاستمتاع برحلة مجانية وصرف المكافآت.
وقال أحد الموظفين السابقين “يريد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فقط حرق الأموال والإظهار للمانحين أنهم يقومون بورش العمل”.
ووصف موظف سابق مبادرة سبل العيش التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتعليم النساء النازحات الخياطة بأنها “غير واقعية” لأن العراقيين يميلون إلى شراء الملابس المستوردة الرخيصة من الأسواق المحلية.
وأضاف “لقد كانوا يحاولون إنشاء اقتصاد غير موجود. كان الأمر أشبه بالعودة إلى العصور الوسطى”.
واعترف المانحون بصعوبة متابعة كيفية إنفاق تمويلهم والاعتماد على برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للقيام بالرصد والتقييم من خلال وحدة داخلية وصفتها الوكالة بأنها “مستقلة تمامًا”، على الرغم من أنها تتبع إدارة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وقال خمسة ممن أجريت معهم مقابلات مطلعون على تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنها لا تعكس الواقع على الأرض.
وقال أحد المستشارين الذي أجرى مراجعة خارجية لبرنامج آخر لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي “الكثير من هذه الوثائق هي في الغالب لأغراض العلاقات العامة. عندما تذهب فعليًا إلى هذه المناطق وتجلس مع المستفيدين من هذه الأموال وتنظر فعليًا إلى المشاريع، فإن ذلك يختلف تمامًا عما تتصوره من خلال قراءة هذه التقارير”.
ويبدو أن موظفي الأمم المتحدة المعزولين خلف جدران خرسانية ولا يُسمح لهم إلا بزيارات ميدانية محدودة بسبب البروتوكول الأمني الصارم، يفتقرون إلى الوسائل اللازمة للطعن في المعلومات.
وقال مسؤول غربي “يبقى الجميع لمدة عامين فقط كموظف أممي في العراق، وعندما يكتشفون الأمر، يغادرون. هذه هي الطريقة التي تستمر بها هذه البرامج عامًا بعد عام.”
وقال فرهاد علاء الدين مستشار رئيس الوزراء في العراق، إذا ثبتت صحة مزاعم الفساد في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتورط الوكالات الحكومية، فسيتم اتخاذ إجراءات قانونية .
وأضاف “سنتواصل مع الجهات العليا في الأمم المتحدة لمناقشة تفاصيل هذه الادعاءات والتحقيق فيها وإحالة المتورطين في الفساد إلى الجهات المختصة”.
ولم يكشف فرهاد علاء الدين طبيعة هذه الإجراء بينما عجزت حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن استرداد أموال “سرقة القرن” بعد أن استحوذ لصوص الدولة على أكثر من ملياري دولار من أموال الضرائب، وتم إطلاق سراح اللصوص من قبل السوداني نفسه.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى