وحشية التعطيش لقوات الاحتلال تدفع أهالي غزة لشرب مياه ملوثة
المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير: الناس في غزة يعيشون كارثة، وهم معرضون للموت من الجوع وسوء التغذية والعطش، أو من الرصاص والإصابات وانهيار المباني فوق رؤوسهم.
غزة – أمام مركبة لتعبئة المياه، يقف فلسطينيون من مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، في طابور طويل حاملين معهم غالونات بلاستيكية للحصول على كميات قليلة منها.
بعض المنتظرين قد لا يحالفهم الحظ كما يحصل عادة، وربما يعودون إلى منازلهم “بخفي حنين” بعد ساعات طويلة من الانتظار.
فهذه المركبة لها سعة محدودة لا تتمكن من تعبئة المياه لمئات الفلسطينيين الذين ينتظرونها عادة.
وتعاني كافة مناطق قطاع غزة أزمة كبيرة في المياه، جراء تدمير جيش الاحتلال “الإسرائيلي” للبنى التحتية وخطوط ومحطات تحلية المياه، فيما تظهر بشكل جلي في محافظتي غزة والشمال حيث الدمار الأوسع وانعدام مقومات الحياة.
ومنذ اندلاع الحرب المدمرة على القطاع في السابع من تشرين الأول الماضي، قطع جيش الاحتلال إمدادات الماء والغذاء والأدوية والكهرباء والوقود عن سكان غزة، وهم نحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون بالأساس أوضاعًا متدهورة للغاية.
فيما تعطلت منشآت تحلية مياه البحر وشبكات مياه الصرف الصحي بغزة، بسبب نقص الوقود والكهرباء، وذلك منذ منتصف تشرين الأول الماضي، وفق سلطة المياه الفلسطينية.
ولأكثر من مرة، حذرت مؤسسات أممية ودولية من انتشار الأمراض والأوبئة جراء أزمة المياه في القطاع، وانعدام مستلزمات ومستويات النظافة.
والخميس، قال متحدث منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير، إن “الناس في غزة يعيشون كارثة، وهم معرضون للموت من الجوع وسوء التغذية والعطش، أو من الرصاص والإصابات وانهيار المباني فوق رؤوسهم”.
في منطقة أخرى من المخيم، يتزاحم فلسطينيون أمام أحد خطوط المياه التي دمرها جيش الاحتلال، للتعبئة بشكل مباشر من هناك.
يقول الفلسطيني الثلاثيني كرم أبو ندى، الذي ينتظر دوره لتعبئة المياه من الخط المدمر، إن سكان المخيم “يتجمهرون للحصول على المياه رغم تلوثها”.
وأضاف “بالعادة نستخدم المياه الملوثة لأغراض الغسل والتنظيف والطبخ”.
وتبقى هذه المياه غير صالحة للشرب بشكل مباشر، إلا إذا انقطعت سبل الحصول على مياه أقل تلوثًا فيضطر الفلسطينيون إلى شربها، وفق قوله.
ويوضح أنهم يقضون أيامًا طويلة قد تصل في بعض الأحيان إلى 10 أيام للحصول على هذه المياه، أو المياه المحلاة التي لا تتوفر إلا نادرًا.
ويضطر الفلسطينيون في قطاع غزة إلى ترشيد استهلاك المياه كونها لا تتوفر إلا كل بضعة أيام مرة واحدة فقط.
فعكف الفلسطينيون على تقليل حصة مياه الشرب للفرد الواحد، وتقليص كميات المياه التي تستخدم لأغراض الاستحمام وغسل الأطباق والتنظيف.
هذا أيضا، ما يفعله سكان الشمال حيث قال أبو ندى إنهم “قننوا استهلاك المياه التي تتوفر لديهم بكل الإمكانيات المتاحة”.
وأشار إلى أن تلوث المياه فضلا عن قلة توفرها أصابهم خاصة الأطفال بـ “أمراض معوية وجفاف”، وسط عدم توفر أدوية لعلاج هذه الحالات بسبب انهيار القطاع الصحي هنا.
وناشد أبو ندى اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمؤسسات الإنسانية بـ “ضرورة النظر لمتطلبات الحياة والوضع المعيشي في الشمال وسط انعدام توفر مقومات الحياة”.
من جانبه، يقول الفلسطيني الخمسيني رائد رضوان، من سكان مدينة غزة، إن عائلته تواجه أزمة انقطاع المياه لعدة أيام متواصلة.
وأضاف “نحصل على المياه من خلال تعبئة عدد قليل من الغالونات البلاستيكية من أحد الأندية في المنطقة التي يقيم فيها، والذي يضخ المياه من بئر خاصة به مرة واحدة كل 3-4 أيام بسبب شح توفر الوقود المشغل لمولد الطاقة البديل عن التيار الكهربائي”.
وأوضح أن الكميات التي يحصلون عليها لا تكفي لسد احتياجات عائلته لمدة يوم واحد، ما دفعهم لتقليص استهلاكهم.
وأكمل “هذه المياه قبل الحرب كانت تستخدم فقط لغسل الأواني والتنظيف، لكننا اليوم نستخدمها للشرب ما أصابنا بعدة أمراض بدءا من النزلات المعوية وصولا لأمراض الكلى والجفاف”.
وأدان صمت العالم إزاء ما يتعرض له الفلسطينيون من حرب وسط اتباع سياسة التجويع والتعطيش للسكان، خاصة في مناطق شمال القطاع.
من جانبه، يقول الخمسيني يوسف حمد، الذي نزح من بلدة بيت حانون (شمال) إلى أحد مراكز الإيواء (مدرسة) في جباليا، إن آلاف النازحين يعانون من أوضاع صحية صعبة جراء شح المياه.
وأضاف “نعاني منذ أكثر من 3 شهور أزمة مياه حادة في المدرسة، حيث نحصل على حصص قليلة كل بضعة أيام جراء شح الوقود المشغل للمولد الرئيسي للمدرسة”.
وأوضح أن قلة المياه أدت لإصابة غالبية النازحين، لا سيما الأطفال، بأمراض معوية وجلدية نتيجة قلة النظافة.
ولأكثر من مرة، حذرت مؤسسات صحية محلية وأممية، من انتشار الأمراض والأوبئة بين النازحين بسبب عدم توفر المياه التي تلزم النازحين لوقاية أنفسهم من الأمراض.
ويشن الجيش الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول الماضي، حربًا مدمرة على غزة، خلفت حتى الاثنين “26 ألفا و637 شهيدًا و65 ألفا و387 مصابًا، معظمهم أطفال ونساء”، وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت في “دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة”، بحسب الأمم المتحدة.