الجفاف يجتاح أرض العراق وحكومة الإطار التنسيقي تتجاهل الحال
مواطنون: الجفاف دفع كثيرًا من الفلاحين إلى اللجوء للمدن لغرض العمل في المهن الحرة ومساعدة أسرهم التي كانت سابقًا تعتمد على بيع المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية.
ميسان – الرافدين
تظاهر مزارعو منطقة الجزيرة ضمن قضاء الميمونة جنوب غرب محافظة ميسان احتجاجًا على جفاف الأنهار واتساع رقعة التصحر ونفوق الحيوانات في منطقتهم.
وقال المتظاهرون، إن مصير حياتهم مهدد بالخطر في ظل عدم الاكتراث لهم وقد اتسعت موجة الجفاف وشح المياه التي طالت الأنهار وتسببت بموت المزروعات ونفوق الحيوانات مطالبين بحلول حقيقة توقف موجة الهجرة والنزوح التي طالت سكنة المنطقة.
وقال اتحاد الجمعيات الفلاحية في القادسية، إن مزارعي المحافظة تعرضوا إلى خسائر وصلت إلى ترليون دينار في الموسم الواحد بسبب الجفاف.
وأضاف الاتحاد أن 70 بالمائة من سكان المحافظة يعتمدون على الزراعة كمصدر اقتصادي أساس لهم، أجبروا على ترك مهنتهم.
وأكد مرصد العراق الأخضر المعني بالشأن البيئي، أن محافظتي البصرة ونينوى، أصبحتا تحتويان على أكبر نسبة من الأراضي الزراعية المتروكة.
وذكر المرصد، أن البصرة تعاني من زيادة الملوحة في التربة بسبب كمية ونوعية المياه التي تصل إليها والتي تكون في أسوأ أحوالها.
وأكد المرصد أن هنالك حاجة إلى خطوات مهمة لتدوير المياه وتقليل نسب الملوحة والتوزيع العادل لحصص المحافظات المائية.
وأكد ناشطون في البيئة أن منطقة الأهوار الوسطى في قضاء الجبايش بمحافظة ذي قار خسرت أكثر من 1400 عائلة هاجرت من القضاء العام الماضي فقط بسبب الجفاف.
وقال الناشطون إن ظاهرة هجرة السكان من الأهوار ما زالت مستمرة جراء شح المياه
مشيرين أن تراجع مساحات الأهوار الشاسعة من المياه تسببت بمشكلات عديدة منها هجرة مربي الجاموس وصيادي الأسماك، فضلاً عن التأثيرات على المستوى التاريخي والثقافي والاقتصادي.
وقال رئيس الجمعيات الفلاحية في العراق حيدر عبد الواحد العبادي إن “هناك موجة نزوح كبيرة حصلت في الكثير من القرى والأرياف بمختلف المحافظات، بسبب التغييرات المناخية والجفاف التي تعاني منه هذه المناطق”.
ويتابع “لقد حذرنا سابقًا من خطورة أزمة الجفاف في المناطق الزراعية، ولما لها من تداعيات قد تدفع بالكثير إلى الهجرة نحو المدن، وهذا الأمر حصل، خصوصًا في ظل عدم وجود اهتمام حكومي كبير بهذا الملف رغم خطورته”.
وبلغ شح المياه مستويات خطرة في بلاد عرفت بنهري دجلة والفرات، إذ يكشف المزارع مزهر عطيه أن “الأرض أصبحت قاحلة وجرداء نتيجة شحة المياه، حتى إنا احتفظنا بالأجهزة الخاصة بالزراعة ولم نستخدمها في هذا الموسم”، لافتًا إلى أن “خطر شحة المياه لم يشمل فقط الأراضي الزراعية بل وصل أيضًا إلى الحيوانات التي نفق أغلبها نتيجة الجفاف وظهور مياه ملوثة غير صالحة للزراعة أو لشرب الحيوانات”.
وأكد أن “الجفاف دفع كثيرًا من الفلاحين إلى اللجوء للمدن لغرض العمل في المهن الحرة ومساعدة أسرهم التي كانت سابقًا تعتمد على بيع المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية”.
وقال محمد بهلول، المزارع السابق والعامل في أحد الأفران بالعاصمة بغداد، إن “شح المياه أجبرني على القدوم من واسط إلى بغداد للعمل هنا وكسب المال وإعانة عائلة مكونة من خمسة أفراد كانت في السابق تعتمد على ما تبيعه من المحاصيل الزراعية”.
وتابع أن “الأرض التي كنت أزرعها أصبحت صحراء نتيجة شح المياه والجفاف، فالمساحات الزراعية تقلصت بشكل كبير عما كانت عليه خلال العقود الأخيرة”، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الشباب هاجروا نحو المدن للعمل.
وتقف حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عاجزة ومن دون أي حلول واستراتيجية معلنة، على الرغم من التحذيرات المستمرة من خطر الجفاف والتغير المناخي على العراق.
ويصنف العراق من بين الدول الخمس الأكثر تضررًا من التغير المناخي، إلا أن حكومة السوداني تستمر بتهميش هذا الملف بافتقارها إلى معالجات تقلل من ضرر الجفاف على المجتمع العراقي.
وأشارت لجنة الزراعة والمياه النيابية، إلى استمرار أزمة الجفاف في العراق وتفاقمها دون أية حلول.
وأكدت اللجنة أن أزمة الجفاف في العراق مازالت تشكل خطرًا وتهديدًا حقيقيًا وتناقض المؤشرات “المطمئنة” التي تتحدث عنها وزارة الموارد المائية مضيفة أن هذه الأزمة ستكون عالية الخطورة خلال فصل الصيف المقبل.
وكان وزير الموارد المائية عون ذياب، قد صرح بأن الموسم الحالي أفضل من سنوات الجفاف السابقة، وأن السيول التي حدثت في المنطقة الشمالية، كانت أكثر من معدلاتها السنوية المعتادة على حد تعبيره.
وأجمع عدد من الخبراء في مجال البيئة على أن حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني لا تملك المعلومات الكاملة عن الوضع البيئي في العراق، وأنها تتحدث عن مشكلة المناخ في المؤتمرات والملتقيات لكنها لا تتخذ أي إجراءات واقعية، واصفين الجهود الحكومية بالحوار مع دول الجوار بشأن الحصص المائية بالخجولة.
وأضافوا أن الأيام القادمة ستفضح الإجراءات الورقية التي تحدثت عنها الحكومة بشأن المعالجات الداخلية لمخاطر أزمة البيئة والمناخ، محذرين من جفاف جديد وشح في الأمطار، بالإضافة إلى ارتفاع في نسب التلوث البيئي بالبلاد.
وقالت الأستاذة الأكاديمية نهلة عبد الله نجاح “على الرغم من التحذيرات التي أطلقتها المنظمات الدولية قبل أعوام، ومنها “اليونيسكو” التي أشارت إلى جفاف نهر دجلة عام 2030، فإننا لم نشهد اهتمامًا من قبل الجهات المعنية بمشكلة ندرة المياه”.
ولفتت إلى أن “الدول النامية تفتقد الاهتمام بهذه القضايا، وهي مشكلة عامة لدى الحكومات المتعاقبة في العراق وتشهد تراجعًا كتراجع وضع الزراعة والتعليم وغيرهما، فضلاً عن قلة اهتمام وسائل الإعلام بهذا النوع من القضايا وانشغالها بالأزمات السياسية التي تزداد يوماً بعد آخر”.
وقال الخبير البيئي تحسين الموسوي، إن “تفاقم أزمة الجفاف يعود إلى تجاهل الحكومة للتحذيرات الدولية، والاكتفاء بإعداد الدراسات وتحديد المشكلة، دون أن تكون هناك إجراءات على أرض الواقع لمعالجة الأزمة”
وأضاف أن “الموقف المائي للعراق بات اليوم حرجًا، بعدما استنفد خزينه، وأضحت الخزانات شبه خالية، بينما دخل الموسم الرابع على التوالي بمرحلة الجفاف”.
ويرى أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي أن “تداعيات أزمة نقص المياه التي تضرب العراق لها انعكاسات خطرة على الزراعة والأنشطة الاقتصادية والاستيطان والأحوال الاجتماعية والبيئة وغيرها، كما تؤدي إلى تراجع حاد في الاكتفاء الذاتي وقلة الإنتاجية وازدياد نسبة الفقر بين سكان المناطق الريفية، ناهيك عن الصناعات التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وتدهور الطاقة الكهربائية وموجات النزوح والمشكلات الاجتماعية التي تحصل بين المزارعين والصيادين بسبب نقص المياه، لذا فإن التداعيات خطرة جدًا على العراق وتحتاج إلى وقفة جادة من قبل المجتمع الدولي لإنقاذ البلد من كارثة باتت قريبة للغاية”.