أخبار الرافدين
تقارير الرافدينطوفان الأقصى: القضية الفلسطينية في الواجهة الدوليةعربية

تجويع أهالي غزة سلاح وحشي بيد قوات الاحتلال وسط تخاذل دولي

وصل سوء التغذية الحاد العام إلى 16.2 بالمائة بين أهالي غزة، وهي نسبة تتخطى العتبة الحرجة التي تحددها منظمة الصحة العالمية عند 15 بالمائة.

غزة- في شارع الرشيد غربي مدينة غزة، يتوجه الفلسطيني معتز عبد الجواد (56 عامًا) عائدا إلى بيته مسرورا، بعد أن اقتنص كيس طحين (دقيق) من المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى مدينة باتت، كما بقية قطاع غزة، في براثن المجاعة؛ جراء حرب إسرائيلية وحشية متواصلة منذ السابع من تشرين الأول الماضي.
ما يهم عبد الجواد هو إطعام عائلته، التي عانت في الأشهر الماضية من نقص حاد في الغذاء، غير مبالٍ بالمخاطر التي واجهها بسبب إطلاق جيش الاحتلال “الإسرائيلي” النيران عليه أثناء حصوله على مساعدات من شاحنة جاءت من جنوب القطاع.
ويطلق جيش الاحتلال النيران والقذائف على الفلسطينيين الذين يتجمعون لتسلم مساعدات بالقرب من الشارع 17 في حي الشيخ عجلين أو دوار الكويت جنوبي مدينة غزة، مما خلَّف قتلى وجرحى بين باحثين عن طعام لأطفالهم، بحسب شهود عيان.
وفي شارع الرشيد، تجمع آلاف الفلسطينيين للحصول على الطحين بعد نفاده من القطاع؛ مما دفعهم إلى تناول طعام الحيوانات المكون من الشعير والذرة الناشفة للتخفيف من جوعهم، في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة؛ جراء شح إمدادات الغذاء والماء والدواء الوقود بسبب قيود “إسرائيلية”، وفقا للأمم المتحدة.
ولم يبال هؤلاء الفلسطينيين بإطلاق الجيش الإسرائيلي، المتمركز في شارع البحر القريب، النار عليهم، بقدر ما يهم كل منهم العودة بكيس من الطحين، ففي المنزل أو مراكز الإيواء ينتظرهم أطفالهم الجوعى.
وعندما يطلق جيش الاحتلال النار، يحاول الفلسطينيون حماية أنفسهم، إما بالاختباء خلف سواتر رملية أو الانبطاح أرضًا، في مشاهد تختزل كارثية الأوضاع في قطاع غزة، حيث يعيش نحو 2.4 مليون فلسطيني، بينهم حوالي مليوني نازح حاليًا.
وقال عبد الجواد “وصلنا إلى دوار الـ17 (منطقة الشيخ عجلين غربي مدينة غزة)، واقتربنا من الدبابات التي تطلق النار علينا من أجل الحصول على كيس الطحين”.
وأكد أن “الوضع في شمال قطاع غزة مأساوي.. لا يوجد طعام، ونعتمد على طعام الحيوانات الذي بدأ ينفد”.
وأضاف “الشعب يناشد العرب والعالم أن ينظروا بعين برحمة، فالناس تموت جوعًا من أجل قليل من الطعام يقدموه لأطفالهم”.
وشدد على أن “ما يحدث في قطاع غزة من قبل الاحتلال هو تطهير عرقي”.
ودعا عبد الجواد العرب والمسلمين والأمم المتحدة إلى “توفير الطعام والشراب لأهالي قطاع غزة”.
“جئنا لنرمي أنفسنا للموت بسبب الظروف الصعبة”… هكذا بدأ معين سليم (34 عامًا) حديثه عن المهمة الخطرة للحصول على كيس طيحن.
وتابع “نحاول جاهدين الحصول على كيس الطحين، الذي وصل سعره في قطاع غزة إلى نحو 688 دولار ونادر جدا وجوده”.
وأضاف “عندما تصل المساعدات إلى مدينة غزة، يتدخل الجيش ويفتح النار، وينتج عن ذلك سقوط شهداء وجرحى بين الناس.. إذا ما خطرنا بأنفسنا راح نموت من الجوع”.
فيما قال فيصل الحسني (49 عامًا) “لم نصل إلى هذه الحالة الصعبة إلا بالقهر، محاصرينا لمدة خمسة أشهر دون مساعدات”.
وزاد بأن “المساعدات التي تصل لا تغطي إلا نسبة بسيطة من احتياجات الناس، لا تزيد عن 20 في المائة”.


مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري: لا يمكن وصف مدى صعوبة الوضع اللاإنساني في قطاع غزة، فقد كنا نقول من قبل إن المجاعة على الأبواب، الآن لا أستغرب إذا قلنا إن المجاعة ستكون شاملة بحلول نهاية هذا الشهر شباط
وأضاف “نحن شعب محاصر ومنكوب، القذائف تُطلق والدبابات تطلق النار، ولكن لو كان هناك طحين في غزة، فالناس لن يخاطروا بحياتهم ويخرجوا للتوجه نحو الخطر”.
وبحسب نتائج فحوص لسوء التغذية أجرتها مؤخرا منظمات شريكة في مجموعة التغذية (تابعة للأمم المتحدة)، توجد في غزة زيادة كبيرة في نسبة سوء التغذية الحاد العام بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهرًا.
ووصل سوء التغذية الحاد العام إلى 16.2 بالمائة، وهي نسبة تتخطى العتبة الحرجة التي تحددها منظمة الصحة العالمية عند 15 بالمائة.
وفي السابع عشر من تشرين الثاني الماضي، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن السكان في شمال قطاع غزة أصبحوا “على حافة المجاعة ولا ملاذ يأوون إليه” في ظل الحرب المستمرة.
وحتى الأربعاء، خلَّفت الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة “29 ألفا و313 شهيدًا و69 ألفا و333 مصابًا، معظمهم أطفال ونساء”، بالإضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، بحسب السلطات الفلسطينية.
وللمرة الأولى تخضع “إسرائيل” حاليا لمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة؛ بتهمة ارتكاب جرائم “إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين في غزة.
واتهم مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، إسرائيل بالسعي لمعاقبة الفلسطينيين جماعيًا من خلال تجويعهم، وحذر من أن مستوى الجوع الذي تشهده غزة حاليا “غير مسبوق” ويمثل “إبادة جماعية”.
وأوضح فخري أنه حذر سابقًا، قبل تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، من “الوضع الخطير حيث يعاني الجميع في غزة من الجوع”.
وأشار إلى أن “ربع سكان غزة كانوا يعانون من الجوع في ذلك الوقت، وأن الجوع والمجاعة الخطيرة كانا يقتربان”.
وأضاف أن بعض الدول قررت بعد تلك الفترة تعليق المساعدات لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهي أهم وكالة مساعدات إنسانية في غزة.
ومن جهة أخرى، ضغطت القوات الإسرائيلية، وفق فخري، على مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة، ضمن منطقة صغيرة في رفح؛ مما أدى إلى تفاقم الأزمة الغذائية.
وقال المقرر الأممي إنه لا يمكنه وصف مدى صعوبة الوضع اللاإنساني في قطاع غزة، “فقد كنا نقول من قبل إن المجاعة على الأبواب، الآن لا أستغرب إذا قلنا إن المجاعة ستكون شاملة بحلول نهاية هذا الشهر شباط)”.
واعتبر أنه “لا أحد يعلم إلى متى يمكن لسكان غزة الصمود على هذا الوضع، فالمساعدات التي تصل إليهم غير كافية لإبقائهم على قيد الحياة”.
وحذر من أن مشكلة الجوع تتمثل في كونه “موتًا بطيئًا ومؤلمًا، ويتواصل تأثيره لأشهر وسنوات، بل وعقود قادمة”.
وأضاف “حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار اليوم، فإن الجوع سيؤثر سلبًا على مستقبل أكثر من مليون طفل يعيشون في غزة، 335 ألف طفل دون سن الخامسة من بين هؤلاء معرضون لخطر الإصابات الجسدية الدائمة (على المدى الطويل)، بما يشمل ضعف الإدراك”.
ومواصلا رسم الصورة المأسوية في قطاع غزة، قال فخري إن “إسرائيل تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بينما يشارك المدنيون الإسرائيليون أيضًا في هذا المنع”.
وحذر من أن “مستوى الجوع الحالي في غزة لم نشهده سابقًا، حيث لم نر من قبل شعبًا بأكمله يعاني من الجوع”، في إشارة إلى سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من 2.2 مليون شخص.
ولفت إلى أن معاناة سكان غزة “لا تقتصر على منع إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية، بل تُمارس أيضًا سياسات تهدف إلى تدمير النظام الغذائي للقطاع، مما يُعيق قدرة الفلسطينيين على إطعام أنفسهم”.
وأفاد فخري أن استهداف المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك حرمانهم من الغذاء، هو جزء من سياسة إسرائيلية متعمدة تستهدف جميع الفلسطينيين، فالعديد من المسؤولين الإسرائيليين أدلوا مرارا وتكرارا بتصريحات تشي بذلك.
وأشار في هذا الصدد إلى تصريح لوزير الدفاع يوآف غالانت، في التاسع من تشرين الأول 2023، أعلن خلاله أنه أمر بفرض حصار شامل على قطاع غزة.

مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء: “إسرائيل” تستخدم الجوع كسلاح ضد المدنيين، والأمم المتحدة لا تستطيع فعل أي شيء في هذه المرحلة، بينما فشل المجتمع الدولي في ممارسة ضغط حقيقي على حلفاء إسرائيل لوقف هذه الإبادة الجماعية وتمهيد الطريق للسلام
وآنذاك، نقلت القناة “13” الإسرائيلية عن غالانت قوله خلال اجتماع تقييم في القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي (تشمل غزة): “نفرض حصارًا كاملا على مدينة غزة. لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود. كل شيء مغلق. نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقا لذلك”، وفق تعبيره.
واعتبر المقرر الأممي أن “تصريحات الجهات الرسمية والأفراد في إسرائيل تُشير إلى أن نيتهم هي التطهير العرقي، حيث يعتزمون طرد جميع المدنيين من غزة ومعاقبتهم بشكل جماعي”.
وشدد على أن “هذه الحرب لا تتعلق بالدفاع عن النفس أو هجمات حماس (على المستوطنات المحاذية لغزة) في السابع من تشرين الأول”، محذرا من أن “هدف إسرائيل هو معاقبة جميع الفلسطينيين لمجرد كونهم فلسطينيين”.
ووصف فخري هذه الممارسات بأنها “تُشكل إبادة جماعية وفق القانون الدولي، وحقوق الإنسان، والمنظور الأخلاقي، حيث تُشير نوايا إسرائيل وأفعالها إلى ذلك بشكل واضح تمامًا”.
وقال “إسرائيل تستخدم الجوع كسلاح ضد المدنيين، والأمم المتحدة لا تستطيع فعل أي شيء في هذه المرحلة، بينما فشل المجتمع الدولي في ممارسة ضغط حقيقي على حلفاء إسرائيل لوقف هذه الإبادة الجماعية وتمهيد الطريق للسلام”.
وشدد المقرر الأممي على “أهمية فرض العقوبات على “إسرائيل” من خلال الأمم المتحدة والنظام متعدد الأطراف، وضرورة الحد من توريد الأسلحة التي تستخدمها في انتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية”.
وختم بالقول “يتعين على الدول التي تدعم إسرائيل مراجعة مواقفها والضغط عليها بشكل جدي لمنع الإبادة الجماعية والجوع”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى