ألعاب الفيديو تتحول إلى بيئة خصبة للابتزاز وتهريب الأموال في العراق
وزارة الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي تعترف بأن غسيل الأموال وصل إلى ألعاب الفيديو بعد خروج قرابة مليار دولار من العراق إلى الخارج خلال عام 2023.
بغداد – الرافدين
أثارت التصريحات الحكومية المتعلقة بتنامي مخاطر ألعاب الفيديو في العراق واستغلالها من قبل مافيات في عمليات الابتزاز وتهريب الأموال إلى الخارج، مخاوف خبراء علم الاجتماع والنفس من استغلال فئة المراهقين لغايات خطيرة تهدد بنية المجتمع العراقي.
وجاءت هذه المخاوف عقب تصريحات لمصادر أمنية اكدت تحول فئة المراهقين إلى ضحايا لعمليات ابتزاز منظمة تشنها مافيات عبر الإيقاع بهم ومساومتهم على مبالغ مالية ضخمة قد تدفعهم إلى ارتكاب جرائم بهدف تأمين تلك المبالغ.
وكشفت مديرية مكافحة إجرام بغداد، مواقع الخلل ومخاطر استخدام لعبة “البوبجي” التي تتصدر قائمة الألعاب الأكثر رواجًا بين المراهقين مؤخرًا والتي باتت تصنف كموقع تواصل اجتماعي لما فيها من إمكانيات متقدمة في المراسلة والاتصال.
وقالت المديرية إن “لعبة البوبجي مهمة لأنها أحد وسائل التواصل الاجتماعي لكن انعدام رقابة الأهالي لأولادهم أدت إلى زيادة نسبة الجريمة في هذه اللعبة”.
ودعت المديرية المواطنين إلى “ضرورة السيطرة على أولادهم ووضع محددات في التعامل معهم بعد رصدها عمليات ابتزاز كبيرة عبر اللعبة، وصل إحداها إلى دفع 285 مليون دينار”.
وتجاوز الأمر مستوى التسلية إلى الإدمان قبل أن تصل الأمور إلى مرحلة “غسيل الأموال” بعد أن كشفت مصادر أمنية عن تسبب هذه الألعاب بخروج قرابة المليار دولار من العراق إلى الخارج خلال العام الماضي وفقًا للجنة حصر السلاح بيد الدولة في وزارة الداخلية.
وقال سكرتير ومقرر اللجنة العميد منصور علي سلطان، إنَّ “بعض الألعاب الإلكترونية تُعد وسيلة لتهريب الأموال إلى الخارج، حيث أشّرت وزارة الداخلية أنَّ قيمة الأموال التي تم تهريبها خلال العام الماضي وصلت إلى مليار دولار والتي تُصرف على شحن كارتات تلك الألعاب، وبالتالي فإن هذا يُعد خطرًا كبيرًا يهدد اقتصاد الفرد بشكل خاص والدولة بشكل عام، وعليه لابد من أن تكون هناك ضوابط لتلك الألعاب التي وجد الكثير منها أنها تحرض على العنف وكيفية استخدام الأسلحة”.
وأشار سلطان إلى، أن “فئة الشباب والمراهقين هم الأكثر استخدامًا لتلك الألعاب، وبالتالي سيكون هناك تأثير كبير في تغيير سلوكهم”.
بدوره قال مسؤول في وزارة الداخلية ببغداد، إن “اتساع انتشار الألعاب الإلكترونية، خاصة تلك العنيفة والقائمة على التشارك بين لاعبين عدة، تحوّل إلى ظاهرة، وباتت هناك مجموعات أو شبكات بين المراهقين من مدن مختلفة يتواصلون فيما بينهم عبر تلك الألعاب، القائمة على القتل والخطف واحتلال مدن وسطو على مصارف ومنازل، وتشكيل عصابات، وكل هذه تكون ضمن شريحة المراهقين وأن العراق لا ينقصه كل هذا العنف، وهو يعيش به منذ عشرين عامًا”.
وكشف المسؤول الذي فضل عدم نشر اسمه عن تسجيل ارتفاع خلال العام الماضي، في نسبة الجرائم التي يرتكبها مراهقون بحق أفراد من أسرهم أو أقرانهم خارج المنزل والمدرسة، تصدرت بغداد ثم البصرة وكركوك مراتب متقدمة في تلك الجرائم”.
وعن أسباب حجم الإنفاق الكبير والأرقام المهولة التي تُصرف على الألعاب الإلكترونية، يؤكد مختصون أن عمليات غسيل الأموال تلعب دورًا كبيرا في ألعاب الفيديو حيث يتم اتخاذ الأرباح الناجمة عنها كغطاء قانوني لغسل وتبييض الأموال وبالتالي تجاوز المساءلة القانونية بحَيل ومكر شديدَين.
ويرى هؤلاء، أن قسمًا من هُواة هذه الألعاب ينفقون أموالهم نتيجة ترفهم أو محاولة منهم للاستعراض فقط وهؤلاء هم قلة مقارنةً مع من يملكون شركاء ومكاتب مرتبطة بميليشيات وأحزاب متنفذة لاستثمار تلك الأموال عن طريق تبييضها وتهريبها وسط دعوات لوضع قيود للحد من تأثيرات هذه الألعاب.
ويؤكد خبير التواصل والاستشاري في قسم الصحة النفسية في وزارة الصحة، الدكتور ليث العمري، أن “خطوة الحظر ووضع القيود ستكون مهمة، خصوصًا أن العراق بات سوقًا مفتوحة بلا قيود لمطوري الألعاب الإلكترونية، بما فيها ألعاب الرعب والعنف، وحتى تلك التي فيها إشارات جنسية، وألعاب هدفها الأول التعارف والتواصل، وبما أنها تُلعب من مراهقين فيُخشى أن تكون هدفًا للتحرش أيضًا بهم”.
ووفقًا للعمري، فإن دولًا كثيرة فرضت قيودًا على بعض الألعاب التي اعتبرتها تؤثر بصحة المراهق، أو ترفع من توتره وتجعله مُشتتًا ومُستفزًا، لذا فإن التفات الدولة أخيرًا إلى قطاع الألعاب مهم جدًا، ويجب أن يكون هناك إجراء حقيقي على أرض الواقع وليس تصريحات فقط، لأن فئة المراهقين وحتى الشبان بيئة جاذبة للكثير من المشاكل والثقافات الخاطئة”.
وبلغ عدد رواد الألعاب الإلكترونية في العراق حوالي 8 ملايين لاعب من كلا الجنسين، مما يعكس انتشارًا واسعًا لنطاق هذا النوع من الترفيه في المجتمع العراقي وهو ما يعزز في ذات الوقت من المخاوف من تأثيرات الاستخدام المسيء للألعاب.
وتتوالى التحذيرات في العراق من مغبة ارتفاع معدلات إدمان المراهقين والأطفال على الألعاب الإلكترونية العنيفة، وتأثيراتها السلبية على توازنهم السلوكي والنفسي وتفاعلهم الاجتماعي وتحصيلهم العلمي إلى جانب المخاوف من تحولها إلى بيئة خصبة للجريمة والابتزاز.
ويرى رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي، أن “الحروب الناعمة بدأت تستهدف الأطفال من خلال احتلال عقولهم عبر الألعاب الإلكترونية الخطيرة”.
وكشف الغراوي أن الأطفال في العراق “يتعرضون بشكل يومي لغزو ممنهج عبر تغذية عقولهم بألعاب العنف والقتل، والتي تقودهم إلى الإدمان الإلكتروني”.
وأضاف أن “عددًا من هذه الألعاب تساهم في تعليم الأطفال كيفية سرقة السيارات والقتل واختراق الحسابات وسرقة البنوك، هذا إلى جانب المساعدة في تجنيدهم بشكل ممنهج”.
وشدد على أن الإدمان على الألعاب الإلكترونية من قبل الأطفال يتسبب في جعلهم أكثر عدوانية وانطوائية، ويقلل من رغبتهم في بالدراسة، فضلًا عن التسبب بقلة النوم ومشاكل صحية عديدة بسبب تعرضهم لهذه الشاشات لفترة طويلة، وسهولة تعرضهم للابتزاز والتحرش الجنسي واستغلال حساباتهم.
ودعا الحكومة لإطلاق حملة أمنية لغلق كافة المحلات التي تبيع هذه الألعاب الخطرة ومنع استيرادها، بالتزامن مع حملة إعلامية وتثقيفية لكافة الأسر للتعريف بمخاطر إدمان أطفالهم على الألعاب العنيفة.
وعلى الرغم من تعليق صالات الألعاب الإلكترونية لافتات تمنع دخول الطلاب فإن القوانين لا تضع محددات لمرتادي هذه الصالات في وقت يربط فيه صحفيون بين الالعاب الإلكترونية وصالتها وظاهرة التسرب من المدارس الآخذة بالاتساع.
ويرى الصحفي عماد زكي أن “المخدرات ليست هي الوحيدة التي يُدمن عليها الشباب، فالألعاب الإلكترونية يقبل عليها الكثير من الأطفال وحتى الكبار في ظاهرة أصبحت كالإدمان”.
ويتفق زكي مع ما ذهب إليه الغراوي موجهًا دعوته للحكومة بمراقبة هذه الصالات التي يكون أغلب روادها طلاب مدارس وأطفال.
بدوره يقول مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية قاسم حسين صالح إن “أخطر ما اقترفته ألعاب العنف الإلكترونية، أنها قتلت براءة الطفولة، والمتهم الأول في ذلك هم مالكو الصناعات السمعية والمرئية من منتجي ألعاب عنف تغوي الأطفال والمراهقين وحتى الشباب، وتعظم القتلة والسفاحين، موظفين علم نفس الطفولة والمراهقة، حيث يعمد الطفل والمراهق في هذه المرحلة العمرية لتقليد من يراه بطلا في اعتدائه على الآخرين، والإعجاب بجرأته على القتل دون التفكير بما يترتب على ذلك من عواقب”.
وأضاف أن “التعرض لفيديوهات عنف لفترات طويلة، يترتب عليه نتائج سلبية للغاية على شخصية الطفل والمراهق، أخطرها تنمية السلوك الإدماني الوسواسي، ونزع المشاعر الإنسانية للمدمن عليها، كما أنها تجعله مشروعًا جاهزا لمجرم خطير وللتحول لفرد في عصابات القتل والسلب والنهب”.