أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

السجون في العراق.. علب لسحق المعتقلين وسلب حقوقهم

مراقبون: اكتظاظ السجون ليست حالة عابرة وإنما هي ممنهجة وتوجد جهات سياسية وغير سياسية مستفيدة منها

بغداد – الرافدين
أقرت لجنة حقوق الإنسان البرلمانية أن أبرز المشاكل التي تعاني منها السجون في العراق هي الكثافة البشرية داخل الزنازين.
وقال رئيس اللجنة أرشد الصالحي إن شكاوى عدة ما زالت ترد بشأن الانتهاكات داخل السجون ضد المعتقلين، لافتًا إلى أن بعض السجون يتم سجن النزلاء فيها فوق طاقتها الاستيعابية بأربعة أضعاف أو أكثر.
وقلل الصالحي، في وقت سابق، من إمكانية حل ملف السجون وما فيها من انتهاكات، معتبرًا أن “أي رئيس للوزراء لا يستطيع حل هذا الملف”، وأن لجنة حقوق الإنسان البرلمانية خلال زياراتها إلى السجون حددت الكثير من الانتهاكات “لكن عند إثارة ذلك تقف قوى سياسية بوجهنا”.
بدوره، أكد مسؤول في وزارة العدل أن “ما يحصل في ملف السجون يمثل كارثة كبرى، بسبب تداخل الملف بشكل معقد، وارتباطه بالفساد المالي والإداري، ورغبة الكثير من المعنيين ببقاء المعتقلين في السجون، للحصول على أموال من ورائهم”.
وأضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن “بعض المسؤولين يعتاشون بالفعل على الأموال المخصصة للمعتقلين، ويستحصلون نسبة منها، لذلك فإن “الطعام المخصص لهم لا يصل كاملاً، وكذلك الأموال المخصصة للعلاج تذهب هباءًا منثوراً”.
ويحذر مراقبون من تداعيات اكتظاظ السجون في العراق لما لها من جوانب سلبية خطيرة على الصحة والسلامة البدنية والنفسية للنزلاء.
ويعود هذا التكدس البشري بحسب المراقبين إلى “استمرار عمليات الاعتقال، مع عدم حسم دعاوى الكثير من قضايا المعتقلين والافراج عن الذين أكملوا مدد محكوميتهم”.
وأكدوا أن “هناك الكثير من الأدلة من داخل هذه السجون تبين الظروف البائسة التي يعيش فيها المعتقلون، إذ تظهر زنازين مكتظة بالمعتقلين لدرجة أن الأرضية غير مرئية، وينامون في وضع الجنين بسبب نقص المساحة، وهو ما يمثل ظروفًا توفر أرضية خصبة لتربية المجرمين والإرهابيين، والأكثر إثارة للقلق هو افتقار الحكومة الواضح لمبادرة من أجل إصلاح هذا النظام”.
ويرى المراقبون، أن “الحل الأمثل لتقليل الاكتظاظ هو بإقرار قانون العفو العام، وتشريع قانون العقوبات البديلة بدلاً عن العقوبات السالبة للحريات كما معمول بها في دول العالم”.
ويجمع الخبراء والناشطون على أن “اكتظاظ السجون ليست حالة عابرة وإنما هي ممنهجة وتوجد جهات سياسية وغير سياسية مستفيدة منها” مؤكدين أن “السجون تستوعب من 25 ألف إلى 30 ألف شخص في عموم العراق، بناءًا على تصريحات وزارة العدل، لكن ما تحتويه السجون حاليًا يقارب 100 ألف شخص، الكثير منهم لم تصدر أحكامًا قضائية بشأنهم، وهذا يعني تجاوز القدرة الاستيعابية بنسبة 400%”.
ودعوا إلى “اتخاذ إجراءات لتقليل هذا الاكتظاظ، منها “تخفيف الدعوى المدنية التي قسم منها دعاوى صكوك ويتم إرسال المتهمين إلى مديريات التنفيذ ومحاكم البداءة ويعتبر هؤلاء خصوم ماليين، أما البقية الذين قضوا نصف المدة أو ثلثيها ولديهم فصل أو تنازل فهؤلاء ينبغي الافراج عنهم، وكذلك الحال مع المخبر السري الذي لا يوجد شاهد أو مبرز جرمي على الجريمة فضلًا عن الدعاوى الكيدية وبدوافع أغلبها طائفية وغير حقيقية”.
بدوره أكد الخبير القانوني علي البياتي أن أبرز الانتهاكات التي تسجل في السجون هي نتيجة الاكتظاظ وعدم قدرة السجون على استيعاب الأعداد الكبيرة من المعتقلين.
وقال البياتي إن “الاكتظاظ في السجون هو نتيجة لغياب التوازن ما بين الأعداد الكبيرة التي تزج بالسجون ومابين طاقة استيعاب السجون التي من المفترض أن تكون مؤسسات إصلاحية”.
وأضاف البياتي أن “الاكتظاظ هو انتهاك لحقوق السجناء وهو يمثل بداية لانتهاكات جديدة داخل تلك السجون”، مبينًا أن “الاكتظاظ يرجع إلى الإجراءات السريعة والشكلية التي اتخذتها الجهات المعنية بإنفاذ الأحكام في فترة حرجة للغاية تتمثل بفترة الحرب على تنظيم داعش”، مشيرًا إلى أن “الرقابة على المؤسسات الخاصة بمتابعة ملف المعتقلين والتحقيق معهم لحين إصدار الأحكام القضائية ضدهم كانت معدومة في تلك الفترة، وبالتالي تم الحكم على الكثير بناء على وشاية المخبر وانتزاع الاعتراف بالتعذيب والإكراه”.
ولا تقف حلول مشكلة اكتظاظ السجون عند نقطة معينة، فالناشط المدني محمد ياسر الخياط يرى ضرورة إجراء مراجعة شاملة لملف السجناء، مبينًا أن العفو العام كفيل بإفراغ السجون وتخفيف معاناة السجناء وعائلاتهم، لا سيما أن الاكتظاظ ناتج عن الكثير من الدعاوى الكيدية وتبليغات المخبر السري التي قد تكون غير دقيقة، وفق تعبيره.
ويرى الناشط في مجال حقوق الإنسان رائد اللامي أن “مشكلة السجون تبقى مشكلة سياسية بالأساس، وأن التخفيف من حالات الاكتظاظ غير ممكن إلا من خلال تطبيق قانون العفو العام الذي يحتاج إلى توافق سياسي”، مبينا أن ” السجون في العراق تفتقر إلى المعايير الصحية الحقيقية، ولا يمكن أن تستمر على هذه الحال من دون حلول”.
وقال رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق فاضل الغراوي إن “أغلب السجون ومراكز الاحتجاز تعاني من مشكلة الاكتظاظ مبينًا أن “عدد السجناء والموقوفين في السجون ومراكز الاحتجاز كافة يصل إلى 100 ألف سجين وموقوف وهذا رقم يفوق بشكل كبير الطاقة الاستيعابية للسجون ومراكز الاحتجاز”.
وتابع الغراوي أن “الاكتظاظ أدى إلى انتشار أمراض صدرية والجرب واضطرار الإدارة السجنية إلى إيداع السجناء والموقوفين من أصحاب الجرائم البسيطة مع أصحاب الجرائم الخطرة وأهم مثال لذلك إيداع المتعاطين مع تجار المخدرات”، داعيًا إلى “إنشاء مدينة إصلاحية كحل أمثل لمعالجة مشكلة الاكتظاظ في السجون”.
وفي هذا السياق يرى الناشط في مجال حقوق الإنسان، وسام العبدالله، أن “ما يحصل في السجون يمثل كارثة إنسانية، لأنها تبتعد يومًا بعد آخر عن المعايير العالمية، وتلك التي وضعتها المنظمات الحقوقية، ما يشكل انتهاكًا لحقوق المعتقلين، وتحويلهم إلى مجرمين حقيقيين عبر خلطهم مع المجرمين الآخرين، وغياب أي برامج توعية، أو ورشات فنية، يمكن أن تسهم في إصلاح الأفراد”.
وأضاف العبد الله أن “نكبة السجون تأتي في سياق الفوضى الحكومية، التي تلاشت فيها كل شيء يتعلق بمعالم الدولة، والمسؤولية والعدالة”، مشيرًا إلى “ضرورة تدخل وجهاء المجتمع وقادته في هذه القضية التي تحولت إلى كابوس كبير، ومأزق يهدد حتى بنية المجتمع العراقي”.
واتهم مرصد أفاد الحقوقي السلطات الحكومية والقضائية في العراق بتجاهل الدعوات المحلية والدولية إلى وقف انتهاكات حقوق الإنسان في السجون العراقية.
وقال المتحدث باسم المرصد حسين دلي إن السجون في العراق ما تزال تشكل إحدى محاضن الاحتقان الطائفي والممارسات الانتقامية والإهمال الصحي وابتزاز ذوي السجناء، مضيفًا أن الحكومة ومجلس القضاء يواصلون تجاهل كل الانتقادات الحقوقية الدولية والمحلية بشأن هذه الانتهاكات داخل السجون العراقية سيئة السمعة.
بدوره أكد قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق في تقرير له صدر في شهر شباط الحالي أنه يمتلك كمًا هائلا من الأدلة الدامغة والشهادات ذات المصداقية العالية على استمرار التعذيب الوحشي على نطاق واسع في ظروف احتجاز سيئة للغاية وابتزاز ممنهج داخل سجون العراق، وسط إفلات مطلق للمسؤولين من العقاب، مع غياب واضح لأي رادع قانوني، بالتزامن مع محاولات إنكارها من قبل الجهات الحكومية وتسييس القضاء الخاضع لنفوذ الأحزاب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى