أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

عمليات الاغتيال المتصاعدة تكشف حقيقة الأمن الهش في العراق

خبراء أمنيون يحملون السلطات الحكومية مسؤولية التقاعس عن توفير الأمن للعراقيين بعد غضها الطرف عن نشاط الميليشيات المتورطة بعمليات الاغتيال وعدم فرض سلطتها على الأطراف السياسية المتخاصمة ما يهدد البلاد بالغرق في حمام دم جديد.

بغداد – الرافدين

كشف تصاعد عمليات الاغتيال الأخيرة في بغداد والمحافظات الجنوبية زيف الادعاءات الحكومية في فرض الأمن واستتبابه بعد أن أزاح الستار عن فشل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في إيقاف نزيف الدم العراقي.
وأثار عودة مسلسل الاغتيالات مخاوف سياسية وشعبية بعد أن جاءت متزامنة مع تسجيل انهيار كبير في الملف الأمني وسط تحذيرات من استمرارها بحال عدم اتخاذ إجراءات سريعة من قبل الجهات المعنية.
وبدأت عمليات الاغتيال في السابع من شهر شباط الجاري باغتيال طبيب الأطفال الدكتور خالد زهير نعمة، وسط بغداد، وفي الثامن عشر من الشهر نفسه، قُتل اثنان من أقارب زعيم ميليشيا بدر هادي العامري في العاصمة أيضًا.
وبعدها بيوم تعرّض الناشط والمدوّن أيسر الخفاجي الذي ينتمي إلى التيار الصدري، ويعمل ضمن قاطع إعلام ميليشيا “سرايا السلام” إلى حادثة خطف واغتيال في محافظة بابل.
وفي الحادي والعشرين من الشهر ذاته، أصيب آمر قوة الرد السريع الأسبق في محافظة واسط العقيد عزيز الإمارة، وقتل شقيقه في هجوم مسلح بمدينة الكوت مركز محافظة واسط.
وكان آخرها نجاة المستشار الأسبق لرئاسة الجمهورية ورئيس مؤسسة (المدى للإعلام والثقافة والفنون) الصحفي فخري كريم من محاولة اغتيال أيضًا، بعد حادث الإمارة بيوم، (أي في الثاني والعشرين من شهر شباط الجاري) حيث قطعت عجلة من نوع (بيك آب) طريق السيارة التي كان يستقلها وانطلقت منها 11 رصاصة وسط العاصمة بغداد.
ومع أنه لم يكشف لحد الآن الجهة التي تقف خلف اغتيال كريم، إلا أن مقربين من رئيس مؤسسة المدى يشيرون بالاتهام إلى رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي يطلب كريم بثأر كشفه طائفية المالكي تجاه أهالي الموصل الكرام عام 2012.
وكان فخري كريم قد كتب آنذاك مقالا كشف فيه حديث نوري المالكي تجاه أهالي الموصل الكرام.
ونقل على لسان المالكي في حديث مع جلال الطالباني الذي كان فخري كريم مستشاره “أهل الموصل هم أعداء لنا، وسيظلون رغم كل شيء سنة وقومجية عربان، وملجأ للبعث والمتآمرين على حكمنا”.

مقربون من رئيس مؤسسة المدى يتهمون رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي بمحاولة اغتيال فخري كريم الذي كشف طائفية المالكي تجاه أهالي الموصل الكرام عام 2012

وبلغ عدد الاغتيالات ومحاولات الاغتيال في بغداد وحدها أكثر من 50 عملية منذ بدء شهر شباط الجاري وفقًا لمصادر حكومية مطلعة في مؤشر يدلل على حجم الفوضى الأمنية في البلاد.
وفي هذا السياق قال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر وتوت، إن “العاصمة بغداد شهدت خلال الآونة الأخيرة، محاولات اغتيال كثيرة كان آخرها للسياسي فخري كريم، وغيرها من جرائم القتل والاغتيال بسبب الخلافات الشخصية والمالية المختلفة”.
وبين وتوت “وجود خشية شعبية وسياسية من عودة مسلسل الاغتيالات في العاصمة بغداد، ولهذا الجهات الأمنية المختصة مطالبة بتكثيف الإجراءات الأمنية، خاصة الجهد الاستخباري، والكشف بشكل سريع عن الجهات والأشخاص الذين ينفذون عمليات الاغتيال، وكشف الدوافع والأسباب، وبخلاف ذلك فإن عمليات الاغتيال ستتصاعد، وهذا ما نحذّر منه”.
في المقابل، يرى خبراء أمنيون أن عودة مسلسل الاغتيالات في العاصمة بغداد، أمر متوقع في ظل الإخفاق بالسيطرة على السلاح المنفلت، خاصة وأن هذا السلاح ما زال يهدد الأمن والاستقرار، ومازالت الحكومة عاجزة تمامًا عن اتخاذ أي موقف حقيقي تجاه هذا السلاح، وهذا ما يزيد من هذه الحوادث لأسباب ودوافع مختلفة.
ويرى الخبير الأمني عماد علو، أن تنامي ظاهرة الاغتيالات “مؤشّر خطير على أن الوضع الأمني في البلاد لا يزال هشًّا؛ فقد عادت مشاهد الاغتيالات بين المدنيين والسياسيين إلى الساحة من جديد وباتت الحاجة مُلحّة الآن إلى بذل المزيد من الجهود لحصر السلاح بيد الدولة”.
وأرجع علو وهو لواء متقاعد التدهور الأمني الأخير إلى أن “الأحزاب والقوى السياسية غالبًا ما تستخدم السلاح في خصوماتها من أجل الظفر بالمكاسب السياسية”.
وأكد أن “السلاح المنفلت يشكّل خطرا دائما على السلم الأهلي” وأنه إذا لم يتم وضع حلول جذرية، فستستمر سلسلة التصفيّات السياسية والعشائرية.
من جهته قال الخبير في الشأن الأمني أحمد الشريفي، إن “عودة مسلسل الاغتيالات في العاصمة بغداد، أمر متوقع في ظل الإخفاق الحكومي بالسيطرة على السلاح المنفلت”.
وأضاف أن “هذا السلاح مازال يهدد الأمن والاستقرار، ومازالت الحكومة عاجزة تمامًا عن اتخاذ أي موقف حقيقي تجاه هذا السلاح، وهذا يزيد من هذه الحوادث لأسباب ودوافع مختلفة”.
وحذَّر من أن “عودة مسلسل الاغتيالات في العاصمة بغداد، قد تكون خلفها أجندة سياسية، فأكيد هناك أطراف سياسية مختلفة لا ترغب باستمرار أي استقرار أمني وسياسي، كون ذلك يضر بمصالحها”.
وأشار إلى أن تلك الجهات “تعمل ضمن الفوضى لتحقيق الكثير من المكاسب الحزبية وشخصية، ولهذا يجب الكشف عن تلك الأطراف للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت مصدر قلق”.
وذكر الخبير في الشأن الأمني أن “استمرار تحريك السلاح المنفلت في شوارع بغداد، بعناوين المختلفة، يؤكد أن عمليات الاغتيال تتم تحت هذا الغطاء، بل وصل الأمر إلى أن بعض العمليات التي نُفذت، سابقًا، نفذت بحماية حكومية من خلال استخدام عجلات الدولة وسلاح الدولة، الذي تملكه جهات سياسية ومسلحة متنفذة على القرار الحكومي والأمني”.

بدوره يرى الخبير الأمني سيف رعد، أن “هناك تقصيرًا وينبغي محاسبة الأجهزة الأمنية التي تتحمل الجزء الأكبر مما يحصل، كما أن الجانب السياسي يتحمل أيضًا، وذلك لأن سلطة تطبيق القانون التي تنفذها الأجهزة الأمنية مرتبطة بالقرار السياسي، لذلك القرار السياسي هو جزء ومؤمن على أداء الأجهزة الأمنية لكشف الحقائق”.
ويشير إلى أن “ما حدث بمحاولة اغتيال فخري كريم فقد كان قريبًا من المنطقة الخضراء، فلم يكن يبعد عنها سوى مئات الأمتار، وهذا ناقوس خطر، وعلى الرغم من مرور أيام على الحادث، لكن لم تكشف وزارة الداخلية أو قيادة عمليات بغداد المسؤولين عن الجريمة، ما يخلق ضبابية على الأحداث”.
وأعرب رعد عن مخاوفه “من استخدام سلاح وعجلات الدولة كما حصل من قبل باستهداف هشام الهاشمي أو أحمد عبد الصمد، لذلك يجب أن تظهر نتائج ما حدث حتى يطمئن المجتمع العراقي”.
ويتفق المحلل السياسي نزار حيدر مع ما ذهب إليه الخبير الأمني سيف رعد في توجيه اللائمة للسلطات الحكومية في هذه الاغتيالات “كونها لم تُبدِ استعدادًا كاملًا لملاحقة الجناة على الفور والإعلان عن هويّاتهم وهوية من يقف خلفهم وتقديمهم للقضاء”.
وقال حيدر إن عمليات الاغتيال تنقسم إلى نوعين “الأول هو الاغتيال السياسي، والثاني الجنائي والجريمة المنظمة، إذ إن لكل نوع منهما دوافع وعواقب، والأخطر بينهما هو الاغتيال السياسي الذي تمارسه عادة القوى السياسية لفرض أجنداتها، خاصة تلك التي تمتلك ميليشيات وسلاحا خارج سلطة الدولة”.
وقال إن “هذا النوع من الاغتيالات من شأنه أن يعيد البلاد إلى المربع الأول، بغض النظر عن دوافعه، سواء كانت حزبية أو طائفية أو عنصرية”.
وخلص بالقول إنه “إذا تم الكشف عن الجناة بسرعة، فهي جريمة جنائية؛ أما إذا ماطلت الحكومة في اعتقال الجناة وتأخرت وسوّفت ولم يتحرك القضاء، فتأكد بأنها جريمة اغتيال سياسي لأن عمليات الاغتيال السياسي تتعرض للمساومة وتصفية الحسابات تحت الطاولة”.

وتزامنًا مع تصاعد عمليات الاغتيال انتشرت مؤخرًا مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي لمواجهات بالأسلحة النارية بين أشخاص يرتدون الزي المدني في سوق مريدي الشعبي بمدينة الصدر شرقي بغداد، وهو ما أثار صدمة لدى الكثير من العراقيين.
وبحسب السلطات الأمنية فإن اشتباك سوق مريدي الذي اندلع يوم الأحد الماضي أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخر، فيما تم اعتقال أحد المتهمين، بحسب بيان لوزارة الداخلية.
ووفقًا لشهود عيان فإن المشاجرة المسلحة امتدت لربع ساعة في منطقة يمر فيها المواطنون، حيث تنتشر المحالّ التجارية، وأن الرصاص كان يطلق بشكل عشوائي دون أن تتدخل القوات الأمنية التي كانت قريبة من موقع الحادث.
ويوم السبت الماضي، قتل شخصان بهجوم مسلح في سوق بغداد الجديدة في العاصمة بغداد، قبل أن يتبين فيما بعد أن الجناة هم ضابطان كبيران أحدهما برتبة عقيد يعملان في مكتب وزير الداخلية.
ومع تصاعد الغضب والانتقادات للسلطات الأمنية، أصدرت وزارة الداخلية، بيانًا ردت فيه على اتهامها بالتقصير بشأن حوادث الاغتيال وحوادث تبادل إطلاق النار في بغداد لاسيما حادثتي مدينتي الصدر وبغداد الجديدة.
وقال المستشار الأمني لوزير الداخلية، اللواء سعد معن، في بيان إنه “في الآونة الأخيرة كثر الحديث والسجالات عبر المواقع والمنصات الإلكترونية وبعض وسائل الإعلام عن الجريمتين المرتكبتين في يغداد”.
وقال معن المتهم بفبركة الوقائع الأمنية إنه من “المخيب للآمال أن الخوض في تفاصيل الجريمتين أخذ جانبًا واحداً فقط بوضع اللوم على القوات الأمنية التي لا ننكر أنها تتحمل المسؤولية الأولى في هذا الصدد، لكن في الوقت نفسه لا يمكن وضع شرطي ورجل أمن في كل زقاق ومحل تجاري يراقب تصرفات الأفراد، وهو أمر مستحيل بالطبع”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى