تهريب سجين متهم بعمليات قتل في البصرة يكشف سطوة المال السياسي الفاسد
وزارة الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي تكتفي في توجيه عقوبات شكلية لعدد من الضباط ونقل مدير شرطة البصرة إلى مكتب الوزير دون إجراءات صارمة ضد المسؤولين عن تهريب أحمد الشايع.
البصرة – الرافدين
أثار هروب مدير شركة الدويب المساهمة في تنفيذ مشروع ميناء الفاو الكبير أحمد الشايع المتهم بجرائم قتل وإرهاب في محافظة البصرة العديد من التساؤلات حول ظروف تهريبه وعلاقة المال السياسي في شراء ذمم سجانيه.
وكشف الهروب الماكر لشايع من سجن الجمهورية في البصرة، الذي ذاع صيته منذ مقتل المدير التنفيذي لشركة دايو المنفذة لميناء الفاو بارك شل الذي وُجِدت جثته معلّقة داخل المشروع بمشنقة تواطؤ ضباط في وزارة الداخلية بعملية التهريب.
وقال مصدر أمني رفيع في شرطة البصرة، إنه “في الساعة 800 من يوم 19-2-2024، تم الإبلاغ عن عدم وجود أحد المتهمين المودَع في مركز شرطة الجمهورية أمانةً من قبل مكافحة إجرام البصرة والمدعو أحمد عبد الواحد شايع”.
وأشار المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته إلى أنه “بعد المتابعة تبين أنه تم إرساله الى مستشفى الموسوي الأهلي بإمرة ضابط المركز، وحسب كتاب المركز المرقم 3391 في 19/2/2024 وذلك لتدهور حالته الصحية لكونه يعاني من عجز في الكليات بإمرة ضابط المركز المقدم محمد نوري”.
وبين المصدر أنه “وبعد الانتقال الى مكان تواجد المتهم وضابط المركز تبين عدم وجودهم في المستشفى تزامنًا مع إغلاق ضابط المركز هاتفه النقال”.

ويتمتع أحمد شايع بنفوذ قوي جدًا في البصرة، ويملك علاقات وطيدة مع كبار المسؤولين والقادة الأمنيين هناك، كما أنه معروف على مستوى العراق بدعمه لمحافظ البصرة الحالي أسعد العيداني وهذا ما جعل متابعين يرَون بأن هذا الدعم هو من سهّل عملية هروبه من السجن قبل أن تكشف كاميرات المراقبة علاقة ميليشيا سرايا السلام بزعامة التيار الصدري بالأمر كذلك.
ووثّقت كاميرات مراقبة دخول علي جواد الرويمي الذي يحمل صفة آمر في سرايا السلام، الى غرفة ضابط مركز شرطة الجمهورية بمحافظة البصرة قبل تهريب السجين أحمد شايع.
وما إن انتشر المقطع المصور، حتى ضجت وسائل إعلام تابعة للتيار الصدري، بالتبرؤ من الرويمي، قائلة إنه لا ينتمي للسرايا وإنه معاقَب.
لكن كتابًا صادرًا عن جهاز الأمن المركزي لسرايا السلام، وتحديدًا في السابع عشر من تشرين الأول 2023، جاء في مضمونه “تقرر إلغاء العقوبة الصادرة بحق المقاتل علي جواد الرويمي ولا يترتب أي أثر على العقوبة السابقة”.
من جانبها أصدرت وزارة الداخلية، توضيحًا بشأن هروب شايع من سجن الجمهورية في البصرة لكنه افتقر إلى “الدقة” وفقًا لخبراء في الأمن ومتابعين للشأن العراقي.
وذكرت الوزارة في توضيحها، أن “بعض مواقع التواصل الاجتماعي تناقلت أنباء عن هروب متهم بقتل مدير شركة دايو في محافظة البصرة إلا أن هذا المتهم الهارب ليس له أي علاقة بهذا الموضوع مطلقًا، حيث كان المدان الهارب محكومًا وفق أحكام المادة 412 من قانون العقوبات العراقي لمدة سنتين”.
وتابعت أن “المتهم يعاني من فشل كلوي وكان يعالَج في إحدى المستشفيات القريبة من مركز الشرطة الذي كان محتجزًا فيه، وأن عملية تلقيه العلاج كانت بقرار قضائي قبل أن يستغل هذا الأمر من خلال تواطؤ أحد الضباط ليتمكن من الهرب أثناء خروجه للعلاج”.
وأوضحت الوزارة أن الأجهزة الأمنية المختصة ضمن قيادة شرطة محافظة البصرة، شرعت بعمليات بحث وتفتيش عن المتهم والضابط الذي ساعده على الهرب كما شكلت مجلسًا تحقيقيًا في هذا الحادث قبل أن تعلن عن إلقاء القبض عليهما الخميس بمساعدة القوة البحرية”.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد ميري إن “القوة البحرية ساعدتنا بعملية اعتقال ضابط مركز الجمهورية والمنتسب المتسببين بهروب احمد شايع”.
وبين أن “الاعتقال تم بجهد أمني كبير، وعملية إلقاء القبض عليهما، جرت في (لنج) داخل المياه الإقليمية العراقية”.
وجاءت تصريحات وزارة الداخلية على لسان المتحدث باسمها متزامنة مع تأكيدات لمصادر مطلعة بإصدار الوزارة مذكرة قبض بحق علي جواد الرويمي المتهم بتهريب أحمد شايع”.

وطبقًا لمصادر نيابية، فإن حادثة هروب أحمد عبد الواحد الشايع كشفت عن وجود ثغرات كبيرة في وزارة الداخلية وسطوة المال السياسي الفاسد.
وقالت عضو لجنة النزاهة البرلمانية، انتصار المالكي، إن “أحمد شايع هو من قضاء الفاو لذا نستغرب وضعه في سجن بسيط بمنطقة الجمهورية والأمر الأكثر غرابة هو نقله الى مستشفى خاصة وهي مستشفى الموسوي”.
وبينت أن “شايع كان يرقد وينام في غرفة ضابط المركز، وتقدم له خدمات مميزة على مدار اليوم”، وأن ضابط المركز محمد نوري هو شقيق المحامي المتكفل بقضية المتهم الهارب”.
وأكدت على أن “أي متهم مسجون ولديه مبالغ مالية وهناك جهة تستفيد من هذه المبالغ يصل الى مرحلة عالية الجودة من ناحية الخدمات المقدمة له”.
بدوره عد النائب عن محافظة البصرة فالح الخزعلي، “شراء غرفة في السجن بمثابة فضيحة أمنية”.
وقال الخزعلي “وردتنا معلومات مؤكدة بإلقاء القبض على مدير مركز شرطة الجمهورية واحد المنتسبين الذين قاموا بتهريب المتهم احمد شايع”.
وأشار الى أنه سبق وأن حملنا المسؤولية لقائد الشرطة ومسؤول اللجنة الأمنية بالمحافظة، مبينًا أن “الإجراءات التي اتخذت بحق الضباط المقرين سيسهم بكشف الحقائق”.
وسرعان ما ناقضت وزارة الداخلية نفسها في بياناتها التالية بعد أن اعلنت إحالة عشرة ضباط ومفوضين إلى محكمة قوى الأمن الداخلي الأربعاء على خلفية هروب المدان احمد شايع من السجن بعد أن كان عدد المتورطين بعملية الهروب منتسبين اثنين فقط.
وشكك نواب في البرلمان بإجراءات اللجنة التحقيقية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية بعد حادثة الهروب المثيرة للجدل والتي كان من ضمنها نقل مدير شرطة البصرة دون تحميله مسؤولية هروب شايع بعد اتهامه بتأخير إبلاغ وزارة الداخلية بعملية التهريب.
وقال النائب عن محافظة البصرة علي شداد إن قرارات اللجنة التحقيقية التي شكلت من قبل وزراة الداخلية تعد غير مرضية خصوصًا وأنها لم تحمل قائد الشرطة مسؤولية أي تقصير في الحادث في وقت يعتبر هو المسؤول الاول عن الجهاز الأمني التنفيذي في المحافظة.
وأوضح شداد أن اللجنة المذكورة قامت بنقل عدد من الضابط والمراتب ممن وصفهم بالكفوئين إلى دائرة الأمرة وحملتهم مسوؤلية الحادث في وقت قامت بمكافأة قائد الشرطة بنقله إلى مكتب الوزير.
وتابع بالقول إن “مدير شرطة البصرة سيُقال قريبًا ومن المحتمل التحقيق معه حول حادثة هروب المتهم أحمد شايع كذلك لكونه لا يمتلك مؤهلات فرض الأمن والاستقرار في المحافظة”.

ويتهم السجين المهرب وعائلته بالوقوف وراء مضايقة شركة دايو الكورية قبل الضلوع في قتل مديرها، حيث تشير المصادر إلى تعرض طواقم الشركة العاملة بتشييد ميناء الفاو الكبير يوم السبت السابع من آذار 2020، إلى هجوم مسلح من قبلهم.
وقال ضابط في الشرطة رفض الكشف عن اسمه، إن “خمسة عاملين ضمن كوادر شركة دايو الكورية تعرضوا للضرب المبرح، من قبل مجموعة مسلحة”.
وأضاف، إن “إحدى العائلات المعروفة في منطقة الفاو بـ(اسم بيت شايع) حاصرت مقر الشركة في مشروع ميناء الفاو الكبير وأطلقوا الرصاص الحي في الهواء لبث الرعب في نفوس العاملين، ومن ثم اعتدوا بالضرب المبرح على خمسة كوريين، بالإضافة إلى تحطيم العجلة التي كانوا يستقلونها”.
وأوضح الضابط “أسباب الخلاف تتعلق بشركة تديرها عائلة شايع، تنفذ جزءًا من أعمال مشروع كاسر الأمواج الشرقي والغربي، بتخويل من الشركة الكورية بعد أن تعرضت الأخيرة إلى ضغوطات هائلة”.
وأشار إلى أن “عائلة شايع طلبت من الشركة الكورية تولي أعمال أخرى تتعلق بالبنى التحتية والمشيدات الخاصة بالميناء، وهي أعمال تتعلق بصُلب مهام الشركة الكورية”.
وبين أن دايو الكورية رفضت الاستجابة لطلب بيت شايع بمنحهم مهمة بناء المشيدات، باعتبارهم شركة غير متخصصة، وأوقفت أعمالها منذ أسبوعين.
ولفت إلى أن “بيت شايع قاموا، إثر ذلك، بمحاصرة الشركة في محاولة لإجبارها على الخضوع لرغبتهم”.
وأشار الضابط، إلى إن رئيس الحكومة الأسبق عادل عبد المهدي، وخلال زيارته يوم الجمعة السادس من آذار 2020 إلى ميناء الفاو دخل بمفاوضات مع بيت شايع من أجل فك الحصار عن الشركة وفسح المجال لإكمال أعمالها، إلا أن المفاوضات فشلت.
وكان جهاز الأمن قد أعلن العام الماضي اعتقال صاحب شركة الدويب المنفذة لمشروع ميناء الفاو الكبير أحمد الشايع المتهم بجرائم قتل وإرهاب في محافظة البصرة.
وذكر الجهاز في بيان، إنه “تم إلقاء القبض على أحد أخطر المهربين والمطلوبين في العراق المدعو أحمد عبد الواحد شايع والصادرة بحقه مذكرات قبض قضائية بأكثر من قضية تمس أمن الدولة وجرائم مختلفة بينها القتل والإرهاب”.
وأضاف “عملية الاعتقال جرت في محافظة البصرة بعد استحصال الموافقات القضائية وتشكيل فريق عمل بالتنسيق مع الجهات الامنية في المحافظة، كما وجرت إحالة المتهم إلى الجهات القانونية المختصة لاتخاذ الاجراءات اللازمة والتحقيق معه في الجرائم المنسوبة له”.