أمهات وزوجات المعتقلين: كفوا عن المتاجرة الطائفية بمصير أسر كاملة
أحزاب وميليشيات حاكمة تمنع إقرار قانون العفو العام منذ سنوات، لأنه ينقذ آلاف الأشخاص المسجونين ظلمًا بالاستناد إلى تهم كيدية بدوافع طائفية.
بغداد – الرافدين
طالبت عائلات المعتقلين حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بعدم التنصل من مسؤولياتها وتنفيذ وعودها نحو تشريع قانون العفو العام وإخراج جميع المعتقلين بالتهم الكيدية والمخبر السري، وإبعاد هذا الملف الإنساني عن المزايدات السياسية.
وجددت عائلات المعتقلين تظاهراتها في العاصمة بغداد حيث تجمعت عائلات السجناء في منطقة العلاوي ومن ثم توجهت نحو بوابات المنطقة الخضراء. في مطالبات دائمة كي يكف قادة الأحزاب وبيانات الحكومات المتعاقبة بالمتاجرة بمصير المعتقلين بدوافع طائفية وأسرهم.
وأظهرت مشاهد مسجلة المتظاهرات، وهن يشكون ما يعانيه أبنائهن من وضع مأساوي في السجون، مطالبات في الوقت نفسه بالإسراع في إقرار قانون العفو العام لضمان إخراج جميع الأبرياء.
واستهجن المتظاهرون المضايقات التي تعرضوا لها من قبل قوات مكافحة الشغب حيث تم اعتراض طريقهم عند الوصول إلى بوابات المنطقة الخضراء ومنعهم من إكمال مسيرتهم على الرغم من وجود كافة الموافقات الأمنية.
وهتف المتظاهرون عند محاوطتهم بأعداد كبيرة من قوات مكافحة الشغب بشعار “جيناك بالعلم لا تطلع سلاحك”.
ورددوا شعارات خلال مسيرتهم “نطالب بأولادنا.. نطالب بالعفو العام”، “كافي ظلم كافي طلعوا المعتقل”، “قاضي التحقيق باطل”.
وتساءلوا في شعاراتهم عن الوعود الحكومية التي لم يتحقق منها شيء من خلال هتافاتهم “وين الوعد وينه.. طلعوا المعتقل” ووجهت إحدى الأمهات تساؤلًا للأحزاب والميليشيات الحاكمة “ألم تشبع بطونكم من ظلم الأبرياء على مدى أكثر من عشرين عامًا؟”.
وانتقدوا متاجرة الأحزاب السياسية بمحنتهم وتقديم الوعود الزائفة خلال فترة الانتخابات والتي ذهبت كلها أدراج الرياح بعد تسنم المناصب الرفيعة، مؤكدين على أن السياسيين لا تهمهم آلام ذوي المعتقلين وأبنائهم.
وناشدوا المنظمات الدولية المختصة بحقوق الإنسان بضرورة التدخل في ظل التجاهل الحكومي المستمر لمطالبهم وجعل إقرار القانون رهن السجالات السياسية بين الأحزاب بعيدًا عن بعده الإنساني.
وأبدوا تخوفهم من المماطلة الحكومية لمشروعية إقرار القانون مع اقتراب شهر رمضان والعطل التي من الممكن أن تمتد لما بعد موسم الحج فضلًا عن محاولات الأحزاب تأجيل القانون لحين انتخاب رئيس للبرلمان.
وأضحوا أن قانون العفو العام المتلكئ منذ سنوات هدفه إنقاذ الآلاف من الأشخاص المسجونين ظلمًا بالاستناد إلى تهم كيدية بعضها خطير وتصل عقوبته إلى الإعدام كونه متعلق بالإرهاب.
وأكد المتظاهرون أن هذه المظاهرات ستكون مستمرة للتصدي لجميع محاولات تسويف إدراج وإقرار قانون العفو العام مشددين على ضرورة زيادة الأعداد لتكون رادعًا حقيقيًا للظالمين ونصرة للمظلومين.
وقالت اللجنة القانونية النيابية إن المضي بقراءة تعديل قانون العفو العام يتطلب قرارًا سياسيًا حسب وصفه، مرجحة تأجيله لما بعد اختيار رئيسًا للبرلمان.
وصرح نائب رئيس اللجنة القانونية النيابية مرتضى الساعدي إن “مشروع قانون العفو العام ينتظر انتخاب رئيس جديد للبرلمان لاستكمال المناقشات حوله”.
وأوضح أن اللجنة أكملت “منذ تشرين الأول الماضي قراءة القانون الوارد للحكومة وتم رفعه إلى هيئة رئاسة البرلمان قبل ثلاثة أشهر ولم يعرض للقراءة الأولى”.
وقال إن “قانون العفو العام معطل حاليًا في مجلس النواب، لكون الكتل السياسية لم تتفق لغاية الآن على تصنيف من هو إرهابي وفقًا للأعمال التي قام بها، عن غيره، وكذلك تقسم الفئات المشمولة بهذا العنوان”.
وفسر عضو اللجنة القانونية النيابية النائب رائد المالكي، أسباب تأخر تعديل مشروع قانون العفو العام، متحدثًا عن جانب سياسي كبير في الأمر لكون التركيز ليس على العفو عن الجرائم العادية، وإنما على المحكومين بما سماها جرائم الإرهاب، مشيرًا إلى أن مشروع تعديل القانون المقدم من الحكومة ليس فيه تحديد للجرائم المشمولة به أو المستثناة منه.
وخلال السنوات الماضية تم الزج بآلاف العراقيين في السجون بناءًا على وشايات “المخبر السري”، وكذلك عن طريق انتزاع الاعترافات تحت التعذيب، والمحاكم الصورية التي تركت مأساة لا يمكن طيها من السجل الأسود للحكومات بكل سهولة.
ومع ذلك تصر هذه الحكومات على عدم تقديم أدنى حق لأهالي المخفيين قسرًا والمعتقلين، بالمماطلة بقانون العفو العام على علاته وسلبياته.
ويرى قانونيون أن هناك حاجة فعلية لإقرار قانون العفو العام، بسبب اكتظاظ السجون وانتشار الأمراض فيها، ناهيك عن وجود أعداد كبيرة من السجناء، سجنوا ظلمًا متهمين بأن هؤلاء المعتقلين هم من تريد لهم الميليشيات والأحزاب النافذة أن يبقوا في معزل عن العفو العام، إذ لا مشكلة لديها في العفو عن مرتكبي الجرائم ومروجي المخدرات، لكنها لا تريد لملف الاعتقال الطائفي أن يفتح مجددًا ويكشف عن فظائع ارتكبت بشكل كبير لاسيما في السنوات التي أعقبت الحرب مع داعش.
وحذر ساسة عراقيون من إفراغ قانون العفو العام من محتواه، وأن القانون لن يكون كما يريد أهالي المعتقلين الذين ينتظرون بارقة أمل تنهي معاناة ذويهم القابعين في السجون الحكومية
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن تعديل قانون العفو العام يسهم في رفع مظلومية عن بعض الأشخاص المتهمين ويندفع باتجاه تحقيق نوع من العدالة، لكنه لا يعتقد أن هذا القانون سيكون مختلفًا بعد تعديله أو يعمل على رفع نسبة أكبر ممن أدينوا قضائيًا نتيجة ما سمي “المخبر السري”، بل سيكون هناك ضغط على الحكومة من بعض الأطراف لإفراغ القانون من محتواه.
ولفت المحلل السياسي يحيى الكبيسي أن العراق سبق وأن شهد تشريع قانونين للعفو العام في عامي 2008 و2016، وفي كلا القانونين قد فشل النظام السياسي بإنصاف المظلومين.
وأوضح الكبيسي أن “تلك القوانين قد وجد فيها استثناءات لم تعط فرصة لمن حوكم بمحاكمات غير عادلة بأن يحظى بالعفو، وبالتالي فإن من تم العفو عنهم في عام 2008 و2016 ليسوا ضحايا تلك المحاكمات، بل المجرمين الجنائيين الاعتياديين”.
مبينًا بأن “قانون العفو العام الجديد لا يتوقع بأنه سوف يخرج المظلومين من السجون وإنما فقط المجرمين الجنائيين حيث لا توجد فلسفة واضحة ورصينة في إقرار تلك القوانين”.
وذكر التقرير السنوي قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق الذي صدر في مطلع العام الحالي أن “منظومة القضاء في العراق منذ عام 2003 تابعة وفق الدستور لسلطة الأحزاب المتنفذة، تخضع لرغابتها وتطبق إملاءاتها”.
وأكد القسم أن “المنظومة القضائية معتمدة في إصدار أحكامها على اعترافات بجرائم لم يرتكبها المتهمون لكنهم أجبروا تحت وطأة التعذيب على الإدلاء بها”.
وأشار إلى أن “تسييس القضاء بات سمة لمنظومة “العدالة” في العراق الجديد البعيدة عن التقيد الصارم بالقانون والتمسك الحقيقي بالمبادئ القانونية، وينعكس ذلك على القضاة وقرارات المحاكم على حد سواء، المتأثرة باعتبارات سياسية بحتة”.
ولفت إلى أن “تبرئة المجرمين وتجريم الأبرياء بحسب رغبة الأحزاب المتنفذة، قد تلخص الحال الذي وصلت إليه السلطة القضائية وعرقلة العدالة المزمن في العراق في ظل نظام المحاصصة القائم وهيمنة الميليشيات الموالية لإيران عليه، ويؤكد عدم صلاحية القضاء الحالي كمحكم عادل بين الناس”.