المجاعة تهدد مئات الآلاف من النازحين في العراق
قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق: لا يزال حوالي 1.3 مليون شخص يعيشون في حالة نزوح في جميع أنحاء البلاد حتى نهاية عام 2023، معظمهم باتوا في أماكن غير رسمية خارج المخيمات.
عمان- الرافدين
قال قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق بإن المجاعة تهديد آخر لمئات الآلاف من النازحين في العراق.
وأوضح القسم في تقرير موسع صدر الخميس السابع من آذار، لا يزال حوالي 1.3 مليون شخص يعيشون في حالة نزوح في جميع أنحاء البلاد حتى نهاية عام 2023، معظمهم باتوا في أماكن غير رسمية خارج المخيمات. وترتفع معدلات البطالة بين الشبان النازحين داخليًا في العراق لتصل إلى نسبة مرعبة تجاوزت الـ 85 بالمائة، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي لديهم.
وبالنسبة للغذاء؛ لا يزال النازحون داخليًا، ومعظم العراقيين الآخرين، يعتمدون على الحصص الغذائية الشهرية، والحقيقة أنه ومنذ 2003 هناك تعثر وتوقف في توزيع الأغذية في جميع أنحاء البلاد. كما لم يعد هناك برامج تغذية لتكملة النظام الغذائي للأطفال خاصة في المدارس كما كان الحال قبل الاحتلال. وعلى الرغم من عدم وجود حالة طوارئ غذائية، إلا أن الحصول على الغذاء لا يزال يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للنازحين وغيرهم من العراقيين، مع استمرار الإبلاغ عن سوء التغذية في كثير من المناطق.
ومنذ العام 2003، تعد المعاملة التمييزية الممنهجة وما نتج عنها من حملات تطهير طائفي وعرقي أبرز أسباب النزوح في العراق، حيث أصبح مئات الآلاف من العراقيين، الذين وجدوا منازلهم وأراضيهم محتلة من قبل الميليشيات والقوات الحكومية، مشردين في مناطقهم الأصلية. إلى جانب ذلك، أدت العمليات العسكرية التي شنتها الحكومات المتعاقبة وحلفاؤها بعد العام 2014إلى نزوح ما يصل إلى 6 مليون مواطن عراقي. يُزاد عليهم، الآلاف من النازحين داخلياً في مناطق وسط وجنوب العراق من جراء أزمة المياه المتفاقمة والجفاف الناجم عنها.
وقد أُجبر معظم النازحين داخل العراق على ترك منازلهم بسبب السياسات الطائفية للحكومات المتعاقبة في بغداد، التي استخدمت إزاحة السكان الأصليين كسلاح لمعاقبة وإخضاع أبناء مناطق حزام بغداد والمحافظات الرافضة للاحتلال التي دمرتها الحرب والتي باتت محتلة من قبل الميليشيات الولائية، في سبيل القضاء على الجهات المعارضة والمناهضة للنظام السياسي القائم على المحاصصة المجحفة التي فرضها الاحتلال.
ويشكل العرب السنة ما نسبته 82 بالمائة من النازحين داخل العراق، والـ 18بالمائة المتبقية يشكلها نازحون من العرب الشيعة ومن الأقليات غير المسلمة مثل اليزيديين والشبك والمسيحيين والأرمن وغيرهم.
لا تلبية للاحتياجات الضرورية
فر نحو 6 مليون شخص من منازلهم بسبب العمليات العسكرية في العراق التي بدأت عام 2014. ولجأ مليون منهم تقريباً إلى المنطقة الكردية شمال العراق بحثاً عن الأمان.
ويقول مدير إحدى منظمات الإغاثة في دهوك “نقص التمويل يعني أن الكثير من النازحين لن يحصلوا على الدعم اللازم، وإنه لأمر يفطر القلب ولاسيما وأننا نرى الظروف الصعبة التي يعيش فيها الكثير من الناس، وأننا نعرف أن معظمهم لا يملك أي وسيلة للحصول على الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة، مما يزيد من بؤس الناس.”
ويضيف “لدينا خطة لدعم النازحين بالبطانيات والسجاد والمدافئ، مع إعطاء الأولوية للأشخاص الذين يعيشون في المباني غير المكتملة، ولكن الإمكانات المتوفرة بعيدة كل البعد عن تغطية الاحتياجات. وعلى الرغم من أننا نعمل على مدار الساعة، ولكننا لم نتمكن من تحديد بعض الأولويات الصعبة”.

يشعر جميع العاملين في مجال الإغاثة بالقلق الشديد إزاء السياسات الحكومية في التعامل مع ملف النزوح في العراق وما أفظت إليه من وضع انعدام الأمن الغذائي من جراء الحرمان المستمر للنازحين من إمكانية الحصول على المساعدات.
ويشكل انعدام الأمن الغذائي تهديداً آخر للنازحين، ويخشى العاملون في مجال الإغاثة من أن يؤدي النقص المزمن للدعم اللازم إلى عواقب وخيمة.
في العام الماضي توفي العديد من الأطفال بسبب أمراض مرتبطة بسوء التغذية ونقص المساعدات الطبية. وفي هذا العام، تحذر المفوضية الأممية للاجئين من أزمة الغذاء لنحو ثلاثمائة ألف ومليون نازح عراقي.
وفي كردستان، يقدر النازحون الدعم الذي يتلقونه، لكنهم يقولون إنه يبقى قليلا جدا بالمقارنة مع الاحتياجات. ويقول أحدهم: نحن آمنون هنا ونحن ممتنون، ولكن الحياة هنا صعبة، خاصة لا توجد وسائل لتحصيل الرزق، والمساعدات الغذائية متواضعة أو منعدمة في بعض الأحيان، والجوع يهدد حياة الكثير من الناس في الوقت الراهن.
وفي المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات، حيث تكون التهديدات الأمنية ذروتها، يحتاج النازحون إلى الحماية من التهجير التعسفي والعنف والاستغلال والابتزاز. كما تشكل الألغام والذخائر غير المنفجرة مصدر قلق خطير فيما يتعلق بالحماية الأشخاص الذين لجأوا إلى المخيمات البعيدة عن المدن. وتواجه النساء النازحات اللاتي يرأسن أسرهن مشاكل كبيرة تتعلق بالحماية، كما هو الحال مع الأطفال. ووفقاً لمنظمات إنسانية دولية غير حكومية، فإن أكثر من 600.000 نازح في العراق بحاجة إلى الحماية والأمن. وعلى وجه الخصوص، يحتاج مئات آلاف منهم إلى الحماية من المضايقات والطرد.
الشتاء القاسي معضلة سنوية
تقول مايا، 16 عامًا “الجو بارد جدا ولم أشعر بالدفيء طوال فصل الشتاء، وأحيانًا يكون الجو باردًا جدًا لدرجة أنه من المستحيل النوم”. ويشكل الطقس الشتوي القاسي وهطول الأمطار وما يعقبها من تشكل للسيول والفيضانات معضلة تتكرر كل سنة لمئات الآلاف من النازحين العراقيين.
فرت مايا من مدينة الموصل شمالي العراق عندما هاجمت القوات الحكومية المدينة وقامت بقصفها قصفا عنيفًا برًا وجوًا، واضطرت للسفر مع عائلتها لعدة أيام في رحلة صعبة جدا سيرا على الأقدام، حتى وصلوا إلى منطقة أكثر أمنا شمالي العراق.
وتقول والدة مايا “كان الحليب ينفد بالنسبة لطفلي الرضيع ولم يكن لدينا ماء للشرب. لقد بقينا لمدة ثلاث ليالٍ في العراء.”
تلقت الأسرة سجادًا وبطانيات وأغطية بلاستيكية وسخانًا من فريق الاستجابة السريعة التابع لإحدى مؤسسات الإغاثة. والآن، تسكن العائلة في الخيمة التي نصبوها داخل مبنى غير مكتمل في محافظة دهوك.
وتقول الأم “على الأقل يوفر الهيكل بعض الغطاء من المطر، ولكن عندما تهب الرياح فكأن الجدران غير موجودة. خلال فصل الشتاء، تنخفض درجة الحرارة في المنطقة إلى ما دون نقطة التجمد”.
يعرب جميع النازحين عن قلقهم من تهديد الحكومة الحالية بإغلاق جميع مخيمات النازحين داخليًا أو مخيمات النازحين داخليًا بحلول 30 يوليو 2024.
ويوضح أحد الناشطين في المجال الإغاثي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن إغلاق المخيمات في كردستان العراق مصدر قلق كبير لأكثر من ستمائة ألف شخص يقيمون حاليًا فيها، وأن كثيرا من الناس ينظرون إلى المخيمات على أنها ليست الحل على المدى الطويل، وهذه هي الحقيقة، ولكنها تمثل الحل الحالي، ولا يزال هذا الحل يمثل مشكلة لا توجد لها إجابات.
ويضيف الناشط أن العودة الطوعية للنازحين تتصدر الوعود التي يحاول استخدامها السياسيون خلال الحملة الانتخابية. وأشك في أنها ستؤتي ثمارها، ولكن سيتم إغلاق المخيمات قسرا خلال الأشهر المقبلة.
ويقول “تعاملت القوات الحكومية والميليشيات المساندة لها بقسوة لا متناهية مع أهالي المحافظات المستهدفة بالعمليات العسكرية ودمرت المدن وحاولت القضاء على جميع سكانها بحجة محاربة تنظيم الدولة، واضطر مئات الآلاف من النازحين إلى اللجوء لـلمخيمات في كردستان، واليوم يتم طردهم من تلك المخيمات”.
ويضيف “بالنسبة للكثيرين منهم، وبسبب مرارة ما عايشوه في المخيمات، الوطن لم يعد يعني لهم الوطن حقًا، وطردهم من المخيمات يعني إعادة توطينهم مرة أخرى ولكن في أماكن مجهولة بالنسبة إليهم هذه المرة، لقد تم تدمير منازلهم ولم تعد مناطقهم آمنا، وليس لديهم سبل للعيش ولا وظائف؛ والكثير الكثير من الأسباب الأخرى، ولا أمل في الأفق لحل أزمة النزوح والحكومة لا تتدخل لتسد الحاجة.”
ولا توجد مقومات لعودة النازحين إلى حيث نشأوا، ولا فرصًا للنازحين للعودة الطوعية إلى تلك الأماكن التي لم يتواجدوا فيها لسنوات عديدة.
واختتم تقرير قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق بالقول “ليس أمامنا سوى الدعاء للعائلات المتضررة. ولاسيما الأطفال منهم لأنهم لم يعرفوا سوى المخيمات؛ حيث يعيشون فيها منذ عام 2015”.
