الإنجازات الوهمية تتخذ من مصانع البصرة المعطلة محطة لها
أوساط عمالية ومتابعون للأداء الحكومي يفندون مزاعم حكومة السوداني حول إعادة تشغيل المصانع المتوقفة عن العمل في البصرة بعد اقتصار الأمر على معلومات مغلوطة وضخ إعلامي مدفوع الثمن ومجاف للحقيقة.
البصرة – الرافدين
قلل عمال وناشطون من أهمية الإعلان عن إعادة افتتاح أربعة مصانع بعد توقفها عن العمل منذ 2003 في البصرة على واقع الصناعة وعجلة الإنتاج في البلاد بعد محاولة السلطات الحكومية خداع الرأي العام بمعلومات مغلوطة.
وقالت أوساط عمالية من البصرة إن حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني تبحث عن تحقيق إنجازات وهمية تحسب لها في القطاع الصناعي الذي رهنت مستقبله لصالح المنتجات المستوردة لاسيما الإيرانية منها عبر بروباغندا لاتنطلي على العراقيين.
وعلى إثر ذلك تداول مراقبون للأداء الحكومي صورًا تتعلق بـ “الفضيحة” الإعلامية لإعلان إعادة افتتاح مصنع أسمدة “الداب” من قبل السوداني برفقة وزير الصناعة في حكومته خالد بتال على الرغم من إعلان افتتاح المصنع قبل ثلاث سنوات من قبل وزير الصناعة السابق منهل الخباز.
وتساءل النائب السابق رحيم الدراجي “من الأصدق وزير الصناعة السابق منهل الخباز الذي افتتح مصنع الأسمدة عام 2021 أم وزير الصناعه الحالي الذي افتتح المصنع مع رئيس الوزراء عام 2024”.
وأضاف الدراجي في منشور له على منصة أكس إن “المستثمر أحمد بدير افتتح مصنع الأسمدة في البصرة سابقًا واليوم نفس المستثمر يفتتح نفس المصنع عام 2024 ومعه رئيس مجلس الوزراء… من حاسب من؟؟ ومن خدع من؟؟”.
بدورهم قال ناشطون أن الفضيحة الحكومية شملت مصنع معمل الحديد والصلب في المحافظة الغنية بالنفط جنوبي العراق بعد اقتصار الافتتاح على المرحلة الثالثة من الإنتاج فقط.
واستعرض الناشط المدني عمار الحلفي من البصرة حقائق مهمة تخص افتتاح المعمل والجدوى الاقتصادية المتحققة بعد تجاهل افتتاح المرحلتين الأولى والثانية من خط الإنتاج.
وقال الحلفي في مقطع فيديو جرى تداوله في الساعات الماضية على نطاق واسع إن “ما تم افتتاحه هو مرحلة الدرفلة وهي المرحلة الأخيرة من تشكيل هياكل وأشكال الحديد، وهذا فقط يحدث في العراق”.
وعزا الحلفي ذلك بالقول “حتى يبقى العراق يستورد العجينة (الحديد الخام) من إيران والتي تكون كلفتها بنفس سعر التسويق”.

ووصل السوداني إلى البصرة، السبت برفقة وزير الصناعة، وعدد من مستشاريه وبالرغم من أن وسائل إعلام قريبة من الحكومة استبقت الزيارة بعدد من التقارير الإيجابية، إلا أن السوداني واجه تظاهرات لباحثين عن فرص عمل، فيما تعاملت القوات الحكومية معهم بعنف وسقط عدد من الجرحى.
ويعاني العراق من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وعدم القدرة على استيعاب الخريجين بعد الضرر الذي أصاب القطاع الصناعي وتوقف معظم المصانع عن العمل عقب الاحتلال الأمريكي للبلاد بعد أن كان هذا القطاع يوفر فرص عمل لعشرات الآلاف من العراقيين سنويًا.
ويؤكد عضو لجنة الاقتصاد والصناعة النيابية علي المكصوصي، أن “لدى وزارة الصناعة ما يقارب 290 مصنعًا ومعملًا في عموم العراق، والمتوقف منها ما يقارب 100 مصنع ومعمل”.
وبين المكصوصي أن “توقف هذه المصانع يعود لأسباب عدة لكن أبرزها سوء الإدارة والفساد والإصرار على الاعتماد على الاستيراد وعدم دعم المنتج المحلي، كما ان هذا التوقف يكلف الملايين لخزينة الدولة العراقية”.
وساهم خروج هذا العدد الكبير من المصانع عن الخدمة بهدر كبير في الأموال بعد اعتماد العراق على الاستيراد من الخارج إضافة إلى ضياع الكثير من فرص العمل طوال عقدين من الزمن في ظل تجاهل حكومي لهذا القطاع بعد أن اكتفت الحكومات المتعاقبة بإعلان إنجازات وهمية لإعادة افتتاح المصانع على غرار ما جرى في البصرة.
وعن الفوائد التي ستقدمها المعامل في حال تمت إعادة تأهيلها مرة أخرى بشكل حقيقي، يبين الباحث بالشأن الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أن “إعادة العمل بالمصانع العراقية ستغطي جزءًا كبيرًا من حاجة السوق المحلية، وبدلًا من سد هذه الاحتياجات بمواد من خارج البلد، فإن الاستيراد سيكون محليًا، والذي يخلق فرص عمل كثيرة، بالاضافة الى أنه يمنع تهريب العملة”.
ويؤكد المشهداني على أن “إعادة العمل بالمصانع كذلك سيؤثر على أسعار صرف الدولار، في الأسواق المحلية، أي أن قلة الطلب على الاستيراد الخارجي، سيعمل بدوره على تقليل الطلب على الدولار، وهذه علاقة طردية”.
ويستورد العراق من دول الجوار لاسيما إيران سنويًا بنحو 25 مليار دولار، وهو رقم يعادل لوحده نحو 40 بالمائة من اجمالي استيرادات العراق السنوية التي تبلغ نحو 60 مليار دولار.
ومن بين ناتج محلي إجمالي يفوق الـ260 مليار دولار سنويًا في العراق، لايساهم القطاع الصناعي سوى بـ3 بالمائة فقط من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وسط هيمنة الاستيراد على معظم احتياجات السوق.
وفي هذا السياق يقول الخبير في الشأن الاقتصادي أحمد التميمي، إن العراق بلا أي صناعة حقيقية لسد الحاجات في السوق المحلي.
وأضاف التميمي أن “الصناعة في العراق شبه متوقفة، وليس هناك صناعة حقيقية ممكن ان تسد حاجة السوق العراقي المحلي، بمختلف المواد سواء الغذائية او غيرها، وهذا ما يؤكد ضعف الاقتصاد العراقي، كونه يعتمد على الاستيراد في كل شيء”.
وبين أن “العراق يستورد مواد مختلفة بشكل كبير ويومي من إيران وتركيا، واكيد بقاء العراق بلا صناعة يصب في صالحهما وغيرهما من الدول التي يعتمد العراق عليها في سد حاجات السوق المحلي بالمواد الغذائية وغيرها من مواد البناء والأثاث”.

ويعاني القطاع الخاص أسوة بالقطاع الحكومي للصناعات من إهمال كبير ساهم بتراجع الإنتاج المحلي نتيجة قلة الدعم والرعاية وهيمنة الصناعات المستوردة على الأسواق ما تسبب في تعقيد مشاكل الصناعة وتدهورها في العراق.
ويرى الخبير الاقتصادي عمر الحلبوسي أن “القطاع الخاص في العراق، يشهد تدهورًا كبيرًا جرّاء غياب الخطط الحكومية للارتقاء به، مما جعله يستمر بالتراجع بشكل مستمر ومساهمته في الاقتصاد الوطني ضئيلة جدًا”.
وأضاف “أن الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 وحتى الآن ساهمت بتدمير القطاع الخاص ليضاف إلى باقي القطاعات التي تعرضت لتدمير ممنهج”.
وأكد على أن دخول الساسة إلى القطاع الخاص، جعل أغلب مجالاته محتكرة وحولوه إلى نافذة لزيادة ثراء فئة معينة من الساسة، الذين استغلوا القطاع الخاص لتكوين مؤسسات خاصة تكون نافذة لغسيل الأموال فضلًا عن واجهات اقتصادية.
ويؤشر الحلبوسي ذلك في العقوبات الأمريكية التي طالت القطاع الخاص العراقي، في ظل غياب التمويل من المصارف الخاصة والحكومية، واحتكار المبادرات الحكومية لجهات معينة دون غيرها من الشعب.
ويخلص بالقول إن “دولًا إقليمية عملت على تدمير القطاعات العراقية كافة من أجل أن يبقى العراق سوقًا لتصريف بضائعها، في ظل انعدام سيادة القرار والإرادة الوطنية للنهوض بالاقتصاد العراقي”.
وتشير بيانات حكومية سابقة إلى أن العراق كان من دول العالم المزدهرة صناعيًا في عقود الثمانينات والسبعينات والستينات والخمسينات من القرن الماضي، وكان حجم إنتاج القطاع الصناعي يلبي حاجة السوق المحلية، فضلًا عن التصدير إلى الخارج قبل أن يجهز التعطيل المتعمد والإهمال على العديد من المصانع التي عرفت بجودة منتجاتها.
ويشير نائب رئيس اتحاد نقابات العمال في العراق، رحيم الغانمي، إلى أن “الكثير من المصانع والمعامل والشركات معطلة، ومنها معمل الغزل والنسيج في الكوت وبابل، والقطاع المختلط، والقطاع الصناعي، والصناعات الخفيفة، فلا توجد صناعة محلية وحتى الخضار يتم استيراده، وما يعمل حاليًا المطاعم والفندقة فقط”.
وأوضح أن “القوانين التي تخص الطبقة العاملة معطلة، حيث إن العامل العراقي لا يلقى الحقوق كما أقرانه في الوطن العربي، على الرغم من أن العامل العراقي يمتاز بمهارات عدة”.