منشورات الاحتلال وقود فرن “خباز المخيم” في خان يونس لسد رمق النازحين
تبذل ريم الخور قصارى جهدها لتهدئة جوع أسرتها المكونة من 12 فردًا باستخدام القليل من الفول واللبن، لكي يستطيعوا الصيام في شهر رمضان المبارك، وسط أزمة إنسانية كارثية غير مسبوقة في غزة.
غزة – يجلس الخباز الفلسطيني سهيل قاسم على الأرض أمام فرنٍ مصنوعٍ من الطين، يوقد النار بداخله في مخيم للنزوح بمحيط المستشفى الأوروبي شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة المدمر.
قاسم الملقب بـ”خباز المخيم” يخبز العجين للنازحين الموجودين في الخيام المحيطة بخيمته، في ظل محدودية المخابز العاملة في قطاع غزة، جراء النقص الحاد في الوقود اللازم لتشغيل هذه المخابز.
وخرجت جميع المخابز الآلية العاملة في قطاع غزة عن الخدمة جراء تعرضها للقصف من جيش الاحتلال “الإسرائيلي”، فضلا عن غياب الكهرباء والوقود اللازمين لتشغيل مخابز جديدة في ظل قطع قوات الاحتلال كافة الإمدادات المانحة للحياة.
يتجمع النازحون حول خيمة قاسم، وهم يحملون العجين بانتظار دورهم في الخبز، في ظل نقص غاز الطهي وعدم قدرة النازحين على شراء الحطب والفحم.
ويقول قاسم النازح من مدينة غزة “كنت أعمل خبازا في أحد مخابز غزة لمدة 35 عامًا، ولكن مع بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع، اضطررت للنزوح إلى خان يونس”.
ويضيف “بعد اجتياح خان يونس توجهت إلى المستشفى الأوروبي جنوب شرق المدينة، واجهتني صعوبات في توفير الخبز للعائلة فقررت البحث عن حل جذري”.
ويوضح قاسم الذي يعيل 9 أفراد، أن الأوضاع المعيشية الصعبة وصعوبة الحصول على الخبز، دفعته لإنشاء فرن من الطين لصناعة الخبز لعائلته وكوسيلة رزق تعيله وأسرته مع استمرار الحرب الوحشية الإسرائيلية.
ويتابع قاسم وهو يخبز العجين للنازحين “كنت أعاني كما يعاني النازحون من صعوبة توفير الحطب أو غاز الطهي، فقررت صناعة الفرن والتخفيف عن الناس في الحصول على الخبز قدر المستطاع”.
ويستخدم “خباز المخيم” ما يتمكن من جمعه أو شرائه من الحطب وبقايا الأخشاب من المنازل المدمرة إضافة إلى الأوراق وحتى المنشورات الورقية التي يلقيها جيش الاحتلال على مناطق قطاع غزة.
ويحصل قاسم على مبلغ زهيد مقابل خبز كل عدد من الأرغفة ويختلف هذا المبلغ من شخص إلى آخر حسب الحالة المادية له، كما يقول الخباز.
ويضيف “هذا الفرن يوفر مصدر دخل لأفراد أسرتي مما أجمعه من مبالغ زهيدة مقابل الخبز رغم المعيقات والتحديات”.
ويبين أن أبرز التحديات التي تواجهه هي عدم توفر الأخشاب والحطب بشكل دائم، وهو ما يعيق عمله في بعض الأوقات، لكنه يؤكد مواصلة العمل للتخفيف عن سكان المخيم.
والأحد، أفادت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، بأن “الجوع في كل مكان بقطاع غزة” الذي تحاصره إسرائيل منذ 17 عامًا.
وقالت الوكالة الأممية على منصة إكس، إنه “مع دخول رمضان فإن وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والوقف الفوري لإطلاق النار ضروريان لإنقاذ الأرواح”.
أي وجع وجوع يعاني منه أطفال غزة؟
ويحل شهر رمضان هذا العام، بينما تواصل “إسرائيل” حربها المدمرة ضد قطاع غزة رغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم “إبادة جماعية” في حق الفلسطينيين.
وبالإضافة إلى الخسائر البشرية تسببت الحرب الوحشية بكارثة إنسانية غير مسبوقة وبدمار هائل في البنى التحتية والممتلكات، ونزوح نحو مليوني فلسطيني من أصل حوالي 2.3 مليون في غزة، بحسب بيانات فلسطينية وأممية.
وتشكو الأم الفلسطينية ريم الخور (44 عامًا) عجزها عن تأمين طعام السحور والفطور لأسرتها النازحة من مدينة غزة إلى خان يونس جنوبي القطاع.
وتكافح ريم وأسرتها لمواجهة نقص حاد في المواد الغذائية، فجراء الحرب وحصار قوات الاحتلال تعاني غزة شحًا شديدًا في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، ما أوجد مجاعة بدأت تحصد أرواح أطفال ومسنين في قطاع يقطنه نحو 2.3 مليون فلسطيني.
وتواجه ريم وأسرتها، المكونة من 12 فردًا بينهم أطفال، ظروفًا صعبة للغاية في مأواهم الراهن الذي يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة من فراش ومياه وغذاء، كما هو حال نحو مليوني نازح في القطاع الذي تحاصره إسرائيل منذ 17 عامًا.
ونزحت الأسرة من مدينة غزة إلى خان يونس دون أي أغراض، تحت وطأة ضربات صاروخية إسرائيلية عنيفة خلَّفت عشرات آلاف الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، وفقًا لبيانات فلسطينية وأممية.
وتبذل ريم قصارى جهدها لتهدئة جوع أسرتها باستخدام القليل من الفول واللبن، لكي يستطيعوا الصيام في شهر رمضان المبارك، الذي بدأ في الحادي عشر من آذار الجاري، وسط أزمة إنسانية كارثية غير مسبوقة في غزة.
وداخل أحد الصفوف في مدرسة، تتجمع الأسرة بوجوه عابسة تظهر عليها ملامح الجوع، في حين يبذل الوالدان جهدا مضاعفا في محاولة لتوفير أدنى سبل العيش للأسرة.
ومع استمرار الحرب للشهر السادس، تضاعفت معاناة الأسرة، إذ نفدت خلال الأيام الماضية أموال قليلة كانت بحوزتهم، ولا مصدر دخل لديهم في ظل الدمار الهائل الذي خلفته الحرب.
ووسط أجواء الصف المليئة بالهم والحزن، تجول ريم داخل المدرسة حاملة رضيعًا أنجبته خلال الحرب، لعله يتوقف عن البكاء من شح الحليب والطعام.
وعبَّرت ريم، في حديث لمراسل وكالة “الأناضول” عن حزن عميق ويأس لعجزها عن شراء الملوخية، وهو طبق تقليدي اعتاد أهالي غزة طهيه في أول أيام شهر رمضان. ووصفت وضع أسرتها داخل المدرسة بأنه “مأساوي”.
وقالت “لم نجد سوى القليل من الفول واللبن لإعداد السحور لأسرتي، وبعد يوم كامل من الصيام، سيكون الفطور حساء العدس”.
فيما قالت ابنتها وفاء (24 عامًا) “في هذه الظروف الصعبة، نزحنا من مدينة غزة إلى خان يونس. لا شيء لدينا سوى الملابس التي نرتديها، الوضع صعب ومأساوي، نحن مشرّدون ولا نملك حتى حليبًا أو خبزًا”.
وأضافت “نضطر إلى تناول القليل من الطعام بسبب عدم توفره، ولكن ما نحتاجه فعلا هو الغذاء المناسب لأبنائنا، الذين يعانون سوء التغذية”.
وأوضحت “نحن في شهر رمضان، نصوم طوال اليوم، ومن المفترض أن نتناول طعامًا صحيًا يمكننا من الوقوف والاستمرار في الحياة”.
وتتمنى أن تنتهي الحرب قريبًا، وتعود إلى منزلها، على أمل أن يتوفر الطعام المناسب والصحي لأسرتها.