أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العشوائيات السكنية تغزو مدن العراق

العراقيون يعانون من أزمة سكن مزمنة فاقمتها الحكومات المتعاقبة طوال 21 عامًا بعد عجزها عن استثمار المساحات الشاسعة وبناء المدن الحديثة والوحدات السكنية لاستيعاب الزيادة في السكان.

بغداد – الرافدين
أظهرت أرقام حديثة لأعداد التجمعات العشوائية في العراق العجز الواضح للحكومات المتعاقبة في حل ملف السكن ورسمت صورة سوداوية للبلاد في ظل ارتفاع عدد السكان وعجز السلطات عن بناء وحدات سكنية جديدة تخفف من أزمة السكن الآخذة بالاتساع.
وبحسب وزارة التخطيط فإن العاصمة بغداد تصدرت محافظات البلاد بعدد العشوائيات بعد أن بلغ العدد فيها ألف و73 تجمعًا عشوائيًا من أصل 4000 تجمع في عموم البلاد.
وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، أن عدد سكان هذه العشوائيات بلغ نحو 3 ملايين و60 ألف نسمة.
وأضاف الهنداوي أن “بغداد تحتل المرتبة الاولى بأكثر العشوائيات الموجودة تليها، البصرة، ونينوى بأكثر من 700 تجمع عشوائي، فيما جاءت النجف بين أقل المحافظات بالعشوائيات بوجود 89 تجمعًا عشوائيا فقط”.
وتابع المتحدث باسم وزارة التخطيط، القول إن “العشوائيات نشأت ونمت في مناطق مختلفة مرة تكون في بطون المدن أو في أطرافها ، وأخرى تكون في المناطق التجارية أو في المناطق الزراعية بحسب الظرف الذي يسمح بنمو ونشوء العشوائية في هذا المكان أو ذاك”.
وكانت وزارة الإعمار والإسكان قد قدرت في تشرين الثاني الماضي نسبة المواطنين الذين يقطنون بمساكن عشوائية في بغداد بنحو 9 في المائة من السكان، ما يعادل 5 ملايين مواطن ينتشر غالبيتهم في مناطق العاصمة المكتظة بالسكان، إلى جانب عدد من المحافظات الوسطى والجنوبية.
وتتسع ظاهرة السكن العشوائي في مختلف المدن العراقية مع استمرار أزمة السكن، وغلاء أسعار المنازل والأراضي وهي تتأثر أيضًا باستمرار تزايد عدد السكان في بلد يبلغ فيه معدل نمو السكان نحو 3 بالمائة سنويًا، والهجرة من القرى إلى المدن لأسباب أمنية واقتصادية وبيئية.
ويحمل الباحث بالشأن الاقتصادي، قاسم بلشان، الحكومة، لاسيما وزارتي التخطيط والاعمار والإسكان” مسؤولية تفاقم هذه الأزمة التي عدها “مشكلة حقيقية”.
ويبين بلشان، أن “العراق يعيش أزمة سكن حقيقية وفعلية، حيث يظهر بشكل واضح كيف أن العائلات تشطر نفسها، وتقسم المنزل الواحد إلى عدة منازل، في الوقت الذي تعيش بعض العائلات الأخرى في عشرة أمتار فقط”.
ويلفت إلى، أن “هذا المؤشر يدل على غياب الإرادة الحقيقية وعدم وجود تخطيط حقيقي فعلي لمعالجة أزمة السكن”.
وبين أن “هذه الأزمة لا تتحملها الحكومة الحالية فقط، بل جميع الحكومات السابقة ما بعد 2003”.
ويتابع الباحث بالشأن الاقتصادي “ليس من المعقول أن يقطن أكثر من 10 أفراد داخل 50 مترًا، فهذا أمر قريب من الخيال”.
وبشأن الحلول اللازمة لأزمة السكن يبين بلشان، أن “الحلول الترقيعية لابد من تجاوزها، فالكرة حاليًا في ملعب وزارة التخطيط، التي عليها أن تقدم إحصائيات دقيقة حول النمو السكني في العراق خلال كل سنة، لوضع خطة فعلية لحاجة السكان للسكن”.
ويستدرك بالقول إن “العراق يمتلك مساحات شاسعة كبيرة جدًا، بالوقت الذي يتوفر كل من المواد الأولية والأياد العاملة بصورة كبيرة، وتستطيع الحكومة كذلك الاستعانة بالشركات الاستثمارية الأجنبية، إلا إن كل هذه المقومات تنقصها الإرادة الحقيقية التي بوجودها بالإمكان معالجة أزمة السكن”.

أزمة السكن تتفاقم في العراق على وقع أزمات الفقر والبطالة وارتفاع أعداد العراقيين بشكل مطرد

وانتشرت العشوائيات أو المنازل العشوائية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وشيّد عشرات آلاف الفقراء منازل سكنية من الطوب والطين والصفيح في أراض تملكها الدولة قبل أن تفاقم الظروف الصعبة التي أفرزها الاحتلال من هذه الأزمة وتبعاتها.
ويقول الباحث في الشأن العراقي، سالم الأحمد، إن ” المساكن العشوائية ظهرت بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، وزادت مع تنامي الارتباك والعنف الذي شهدته البلاد عام 2007، وصولًا إلى سيطرة داعش على ثلث مساحة العراق ولا تزال مناطق كاملة بلا سكان على الرغم من استعادتها من تنظيم داعش، ولم يعد أهلها إليها بسبب سيطرة المليشيات عليها”.
وأضاف أن هشاشة الوضع الأمني في بعض المناطق التي تشهد خروقات أمنية من قبل تنظيم “داعش”، أو تسيطر عليها الميليشيات، ساهمت في شكل كبير في تنامي ظاهرة المساكن العشوائية خاصة في أطراف المدن.
وتابع أن “الأوضاع الأمنية دفعت السكان في بعض المناطق إلى النزوح إلى مناطق أكثر أمانًا، وهذا السبب ليس وليد اللحظة بل يتكرر منذ أكثر من 20 عامًا”.
ويشير إلى أن “الأسباب الاقتصادية كذلك تخلق دوافع كبيرة للجوء مواطنين إلى المساكن العشوائية بسبب غلاء أسعار قطع الأراضي والبيوت في عموم العراق، إلى جانب اكتظاظ المدن بالسكان كما فاقمت أسباب أخرى ظهرت أخيرًا أزمة السكن العشوائي”.
ويحذر مراقبون من تبعات مفزعة لتنامي مناطق السكن العشوائي في العراق لكونها تشكل ناقوس خطر يستدعي إقرار معالجات جذرية وعاجلة لهذا الملف النازف.
ويؤكد الكاتب والباحث علي البيدر، أن “هذه المناطق ومع الأسف تمثل عامة مسرحًا للجريمة وغياب القانون وتجارة المخدرات والممنوعات، حيث لا يمكن السيطرة عليها دون معالجات شاملة”.
ويضيف البيدر “لهذا يمكن للعراق الاستفادة من التجارب الدولية في معالجة ملف العشوائيات، كما الحال مثلًا في البرازيل وذلك عبر تشييد مدن عصرية جديدة ومتكاملة لاستيعاب سكان العشوائيات”.
ويتابع “المهم الآن هو وقف توسع العشوائيات أكثر والذهاب حتى لسن قوانين لمعالجة هذا الملف، وتوزيع قطع أراضي وسلف بناء لسكانها، لتعويضهم ومساعدتهم على شق طريقهم”.

عجز حكومي عن توفير سكن لملايين العراقيين في ظل نمو سنوي للسكان يبلغ 3 بالمائة

ولم يصادق البرلمان الحالي على قانون خاص بالعشوائيات منذ عام 2017، وجرى ترحيله إلى الدورة البرلمانية الحالية حيث عُرض في قراءة أولى خلال جلسة عادية عقدت في تشرين الأول الماضي، وأظهرت اعتراض غالبية الكتل على بنوده.
ويعاني العراق من أزمة سكن خانقة نظرًا لعجز المواطنين من شريحة الدخل المحدود عن امتلاك أو بناء وحدة سكنية خاصة بهم بسبب غلاء الأراضي والمواد الإنشائية.
وجاء العراق بالمرتبة 111 عالميًا من أصل 196 دولة بنسبة الملكية، حيث أن معدل ملكية المنازل فيه يبلغ نحو 74 بالمائة، أي أن 26 بالمائة أو أكثر من ربع العراقيين يسكنون في الإيجار ولا يمتلكون المنازل بحسب تصنيف دولي صدر حديثًا.
ويؤكد رئيس مؤسسة “أصول” للتطوير الاقتصادي والتنمية المستدامة، خالد الجابري، أن “العراق يعاني من أزمة سكن حادة، حيث يصل النقص في الوحدات السكنية إلى خمسة ملايين على مستوى البلاد”.
وبين الجابري أن “الأسباب تعود إلى سوء توزيع الأراضي وعدم استغلال وحدات السكن الشاغرة لتعويض هذا النقص”.
ويعزو الخبير في التطوير الاقتصادي هذا العجز إلى استمرار تفاقم مشكلة توزيع الأراضي، وغياب سياسة وستراتيجية منتظمة للسكن، مما يحث على الحاجة إلى نمو من خلال إنشاء مدن جديدة، وهنا يبرز ضعف دور هيئة الاستثمار في السنوات العشرين الماضية وعدم وضوح ستراتيجيتها في توفير السكن”.
وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة للسلطات الحكومية إلا أن الأخيرة لم تقدم حلًا جذريًا لأزمة السكن القديمة المتجددة، على الرغم من الإعلان عن مبادرات للإسكان على غرار مبادرة داري ومبادرات أخرى لم تبصر النور فيما بقيت الحلول المعلنة دون المستوى المطلوب.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى