اليونسكو: بلاد النهرين ستشح فيها المياه
الوعي الدولي بالمشاكل البيئية آخذ في الازدياد، كما يتزايد التحرك نحو الاقتصادات الأقل تلوثًا، وبالتالي سيفرض تراجعًا تدريجياً في مكانة الدول المنتجة للنفط، بما في ذلك العراق، في سوق الطاقة العالمية، ومع عقود من الإهمال البيئي، سيعاني العراق من انتكاسات اقتصادية وبيئية واجتماعية واسعة النطاق.
بغداد- الرافدين
رجح تقرير تنمية المياه حول العالم لسنة 2024 الصادر عن منظمة اليونسكو، أن يكون العراق من ضمن الدول العربية الأكثر تعرضًا لشح المياه بحلول العام 2050، فيما أشار إلى أن التوترات بشأن المياه تؤدي إلى تفاقم الصراعات في جميع أنحاء العالم.
وذكر التقرير الصادر عن منظمة اليونسكو، ولجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية، إلى بيانات صادرة عن معهد الموارد العالمية، إلى أن 25 دولة تتعرض حاليًا لإجهاد مائي مرتفع للغاية سنويًا من بينها العراق، مما يعني أنها تستخدم أكثر من 80 بالمائة من إمداداتها المائية المتجددة لأغراض الري وتربية الماشية والصناعة والاحتياجات المنزلية، وحتى الجفاف قصير الأمد يعرض هذه الأماكن لخطر نفاد المياه”.
وجاء العراق في المرتبة 12 بنسبة 4.74 وهي نسبة مرتفعة جدا، من حيث الدول الأكثر تعرضاً لنقص المياه بحلول 2050.
وقالت الأمم المتحدة إن موجة الجفاف الحالية هي الأسوأ منذ 40 عامًا والوضع “مقلق” على صعيد الأهوار التي خلا 70 بالمائة منها من المياه.
وتتلاشى أهوار وأنهار بلاد ما بين النهرين وسط الإهمال الحكومي والفساد الذي يكتنف بنية الدولة في العراق، وتتلاشى معها حضارة المعدان الذين يعيشون على صيد الأسماك والحيوانات وتمتدّ جذور حضارتهم في أرض الأهوار إلى 5 آلاف عام.
وتشير آخر التقديرات إلى أن مساحة الأهوار تبلغ اليوم حوالي 4 آلاف كيلومتر مربع، بتراجع عن 20 ألف كيلومتر مربع خلال تسعينات القرن الماضي. ولا يزال يقطنها نحو بضعة آلاف من المعدان فقط.
ويعود هذا التراجع خصوصًا إلى ارتفاع درجات الحرارة وشح الأمطار، ما دفع في السنوات الأربع الأخيرة الأهوار نحو الخراب، فيما كانت تعاني أصلاً بفعل سدود بنتها الجارتان تركيا وإيران على نهري دجلة والفرات، بالإضافة إلى إدارة تقليدية للمياه يرى الخبراء أنها غير مناسبة. وفشل حكومي في وضع استراتيجية مائية لأزمة وجودية تعاني منها بلاد النهرين.
وتصنّف الأمم المتحدة العراق من بين الدول الخمس الأكثر تضررًا من بعض تداعيات التغير المناخي، فالأمطار قليلة جدا، وبحلول العام 2050، من المتوقع أن يزداد معدّل الحرارة السنوي بدرجتين ونصف الدرجة المئوية، وفق البنك الدولي.
ويتراجع مستوى الأهوار الوسطى ونهر الفرات، مصدر تغذيتها الرئيسي، بمعدّل “نصف سنتمتر في اليوم”، يشرح المهندس جاسم الأسدي البالغ 66 عامًا والناشط البيئي المدافع عن الأهوار من خلال منظمة “طبيعة العراق” غير الحكومية.
ويضيف الأسدي الذي سبق وأن تم اختطافه من قبل ميليشيا تابعة للحشد الشعبي بسبب مطالباته السلطات بعمل جدي لإنقاذ الأهوار، “خلال شهرين، ستكون درجات الحرارة مرتفعة جدًا وسوف يزداد تبخّر المياه”.
ويواجه العراق أيضًا صعوبات في تأمين المياه للاحتياجات الزراعية واضطرت السلطات لذلك إلى خفض المساحات المزروعة بشكل كبير. فالأولوية هي تأمين المياه للشرب لسكان البلاد البالغ عددهم 42 مليون نسمة.
في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أكّد الرئيس الحالي عبد اللطيف رشيد أن الحكومة اتخذت “اجراءات هامة من أجل تحسين النظام المائي و(إطلاق) حوار مع الدول المجاورة”، بدون أن يعطي مزيداً من التفاصيل. إلا هذه المزاعم لا قيمة حقيقية لها على الأرض، فالحكومة بالأساس تفتقر إلى خطة واضحة لمعالجة الكارثة المائية التي حلت بالعراق، بينما الأحزاب الحاكمة منشغلة بالحصول على حصتها من غنيمة الدولة التي تتبوأ أعلى المراتب وفق التصنيفات الدولية للفساد.
ومع اعتراف وزير الموارد المائية الحالي عون ذياب بخطورة ملف الجفاف، وتأثيره المباشر على شحة المياه في البلاد، وأنه لا يقل خطرًا عن تنظيم داعش، إلا أنه لم يفصح عن خطط الحكومة لمواجهة هذا الخطر البيئي.
يأتي ذلك مع تأكيد تقارير دولية على ضعف الجهود الحكومية في التعامل مع أزمة الجفاف والتغير المناخي، وانشغال السياسيين والأحزاب الحاكمة في العراق بالصراع على المغانم والحصص من خزينة العراق وإنتاجه النفطي.
وأظهرت تقارير بيئية واقتصادية اعتماد الساسة في العراق على الحلول الدولية وغياب الاهتمام بالسياسات البيئية المحلية، التي من شأنها إحداث تحول في سلوك العراقيين تجاه البيئة وقضاياها.
وأكد الأكاديمي العراقي، دياري صالح مجيد على أن العراق بحاجة إلى اعتماد دبلوماسية فعالة في المجال البيئي، بدلًا من الاعتماد على المؤتمرات الدولية لمعالجة مشاكله البيئية، وهو ما كان ينبغي للرئيس الحالي عبد اللطيف رشيد أن يركز عليه في مؤتمر المناخ الأخير، COP28، الذي عقد في الإمارات العربية المتحدة.
وأوضح الباحث في الجغرافيا السياسية على أن رشيد سعى إلى إنتاج خطاب يقدم دول الخليج كفاعل أساسي في مواجهة الأزمات البيئية في المنطقة، وبهذا أراد أن يؤكد أن ظروف العراق لا تسمح له، ماليًا وسياسيًا، باتخاذ أي خطوة لتقويض التغير المناخي.
وقال الباحث العراقي، إن “رشيد لم يتمكن من تغيير قناعة القوى الدولية بتحركه البيئي، في حين أن حكومته تتهم بعدم القدرة على حماية الناشطين في مجال البيئة، والعمل على تقييد الدور الذي تمارسه المنظمات غير الحكومية المعنية بالتغير المناخي”.
وأضاف، إن كثيرًا من المشاركين في مؤتمر المناخ فهموا سعي الرئيس الحالي للعب دور الضحية بهدف واحد فقط، “الحصول على الدعم المالي بحجة معالجة أضرار المناخ”.
وبيّن أن، الوعي الدولي بالمشاكل البيئية آخذ في الازدياد، كما يتزايد التحرك نحو الاقتصادات الأقل تلوثًا، وبالتالي سيفرض تراجعًا تدريجياً في مكانة الدول المنتجة للنفط، بما في ذلك العراق، في سوق الطاقة العالمية، ومع عقود من الإهمال البيئي، سيعاني العراق من انتكاسات اقتصادية وبيئية واجتماعية واسعة النطاق.