شبح البطالة يلاحق مئات الآلاف من الخريجين في ظل انعدام فرص العمل
وزارة التخطيط في حكومة الإطار التنسيقي تؤكد وجود 250 ألف خريج من الجامعات والمعاهد سنويًا يصعب دخولهم إلى سوق العمل في العراق.
بغداد – الرافدين
يواجه الخريجون في العراق مصيرًا مجهولًا لاسيما بعد تنصل رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني عن وعوده التي اقتطعها سابقًا بتوفير فرص عمل للخريجين.
ومع اكتمال مهرجان الوعود الوهمية للسوداني تلاشت معه أحلام الخريجين بإيجاد فرص عمل ووظائف حسب اختصاصاتهم، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة بينهم، مما يجعل الحصول على فرص عمل أمرًا صعبًا للغاية.
ويقدر عدد الخريجين سنويًا من الجامعات والمعاهد بنحو 250 ألف خريج يصعب دخولهم إلى سوق العمل وفق وزارة التخطيط العراقية.
وأظهرت إحصائية نشرها موقع عالم الإحصاء تصدر العراق قائمة انتشار وتفشي البطالة على مستوى العالم.
وأكد الموقع أن العراق يصنف كثالث أعلى معدل بطالة على مستوى العالم وأعلى معدل في العالم العربي، موضحًا أن الجامعات والمعاهد في العراق تخرج سنويًا نحو 170 ألف شاب، دون أن يتم تعيينهم أو يحصلوا على فرص للعمل.
وكان البنك الدولي قد أكد في 2022، أن نسبة البطالة في العراق بلغت أعلى مستوياتها منذ ثلاثين عامًا بواقع 36 بالمائة، مشيرًا إلى وقوع الضرر الأكبر من التراجع الحاصل في الاقتصاد منذ 2003.
وجاءت موازنة عام 2024 خالية من الدرجات الوظيفية لتفند مزاعم حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن توفير فرص عمل للشباب، ليواجه هؤلاء الخريجين إضافة إلى الذين سبقوهم وغيرهم من العاطلين مصيرًا قاتمًا في ظل تعطيل القطاع الخاص لتشغيلهم فيه.
ويصف مراقبون الجامعات والكليات الرسمية والأهلية بأنها أصبحت بمثابة معامل تـفريخ تـقـذف للشارع العراقي البطالة بالآلاف المؤلفة من الخريجين العاطلين، في وقت لم تتخذ الحكومات المتعاقبة الحل لانتشال هذه الطاقات المعطلة من خلال امتصاصها بتشجيع القطاع الخاص او استعادة الكثير من المصانع المعطلة التي بإمكانها احتواء الكثير منهم.
ويعزو الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، خلو موازنة عام 2024 من الدرجات الوظيفية، إلى “تضخم أعداد الموظفين في القطاع الحكومي حتى أصبح هناك بطالة مقنعة أثقلت كاهل الموازنة برواتب كبيرة، خاصة بعد استخدام الأحزاب الدرجات الوظيفية كدعاية انتخابية، ما أضر بالموازنة وجعلها موازنة رواتب في ظل زيادة الانفاق التشغيلي وتخفيض الانفاق الاستثماري”.
ويؤكد الحلبوسي، أن “الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 كان عليها تنشيط القطاع الخاص وتنمية الاستثمار في مجالات صناعية وزراعية لاستيعاب أعداد الخريجين والشباب في القطاع الخاص والتقليل عن كاهل الدولة، لكن التدخلات الإقليمية وعلى رأسها إيران وغيرهما عطلت النهضة في القطاعات كافة ليبقى العراق سوقًا لتصريف بضائعها وتنمية اقتصاداتها على حساب تدمير الاقتصاد العراقي ويعود ذلك لغياب السيادة العراقية في القرار والتخطيط”.
ويوضح الباحث الاقتصادي، أن “استمرار تدمير ما بقي من القطاع الصناعي والزراعي وتعطيل الاستثمار والقطاع الخاص له انعكاسات سلبية على العراق اقتصاديًا وماليًا وسياسيًا واجتماعيًا وحتى أمنيًا، إذ إن الشباب المعطل عن العمل سيكون أداة سهلة تتلقفها الميليشيات وتجار المخدرات وعصابات الجريمة المنظمة، ولو تتبعنا أعداد متعاطي المخدرات لوجدنا العدد بتزايد ومن كلا الجنسين، وكذلك أعداد الجريمة المنظمة في تزايد مرعب ومن تنفيذ كلا الجنسين، وهو انعكاس للبطالة التي تضرب البلد وتعطيل القطاعات الحيوية كافة، وهو ما أدى إلى تدمير الاقتصاد والمجتمع وغياب فرص التنمية كافة في ظل التخبط وغياب الرؤية الاقتصادية”.
ويؤكد، أن “الحل يكمن في تنشيط الاستثمار الصناعي والزراعي القادر على توفير الآلاف من فرص العمل واستيعاب الشباب وتحقيق نهضة اقتصادية تنعش الخزينة العراقية وتقلل العبء عن كاهل الدولة، وإن كل خطة لا تتضمن ذلك تعد خطوة نحو الضياع والانهيار الاقتصادي”.
وكان صندوق النقد الدولي قد اشترط سابقًا لدعم العراق أن تذهب تلك الأموال إلى مشاريع بنى تحتية، وليس إلى الرواتب والموازنة التشغيلية.
ودعا صندوق النقد الدولي الحكومة في العراق إلى إجراء ضبط لأوضاع المالية العامة، وفاتورة أجور القطاع العام، وزيادة الإيرادات غير النفطية لتحقيق استقرار اقتصادي.
وأكد في بيان له أنه “على الحكومة السعي لتمكين القطاع الخاص من التطوّر والنماء، وإجراء عمليات إصلاح لسوق العمل، وتحديث القطاع المالي، وإعادة هيكلة المصارف المملوكة للدولة، وإصلاح قطاعي التقاعد والكهرباء، والحد من الفساد”.
ومن جانب آخر يشكل تزايد عدد العمالة الأجنبية في الشركات النفطية تحديًا آخر للخريجين والمهندسين الباحثين عن فرص عمل في هذا القطاع، حيث تستقدم الشركات الأجنبية آلاف العمال الأجانب ومن جنسيات مختلفة، وتمنحهم أجور كبيرة في وقت يعاني فيه المهندس والخريج العراقي من البطالة.
وتشكل العمالة الأجنبية غير الشرعية تحديًا آخر للاقتصاد العراقي، فهي تارة تقوض فرص العمل للشباب العاطلين والباحثين عنه في الأسواق المحلية والقطاع الخاص، الذي يُعد السبيل الوحيد بعد إيقاف التعيينات جراء الترهل الوظيفي في دوائر الدولة وقلة الإيرادات المالية التي تعيق خلق درجات وظيفية للكم الهائل من العاطلين والخريجين، وتارة تُعد العمالة الأجنبية الطريق الشرعي لتهريب العملة الصعبة إلى خارج البلاد.
ورغم محاولات الحكومة للسيطرة على هذا الملف من خلال تشكيل لجان لمتابعة مكاتب الشركات المرخصة، باستقدام وتشغيل العمالة الأجنبية، إلا أن وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي احمد الأسدي كشف، عن زيادة بعشرات الآلاف من العمالة البنغالية في البلاد وخصوصا “غير الشرعية”، الأمر الذي ينذر بفشل الاجراءات الحكومية في الحد من تنامي هذه الظاهرة.
وأظهرت تقارير حكومية رسمية، استنزاف العمالة الأجنبية في العراق لملايين الدولارات من العملة الأمريكية وإخراجها خارج البلاد، وتقدَّر الأموال الخارجة من العراق كتحويلات مالية للعمال الأجانب بأكثر من 8 مليارات دولار سنويًا، حسب تقديرات غير رسمية، فضلاً عن الرواتب العالية التي يتقاضاها معظم العاملين الأجانب في الشركات النفطية وغيرها من الشركات العاملة في العراق بشكل غير مبرر حسب تصريحات رسمية.
وكشف مصدر مطلع عن تورط موظفين عاملين في مكاتب بعض النواب باستغلال عناوينهم الوظيفية في تسهيل مهمة دخول هذه العمالة وتشغيلهم مقابل أموال بسوق العمل عبر شركات ترتبط بهؤلاء الموظفين.
وذكر المصدر، أن “شركات يديرها بعض الافراد المقربين من بعض النواب، يعملون على تسهيل إدخال العمال الأجانب خصوصًا من دول باكستان وبنغلادش وشرق اسيا وباستخدام عناوينهم الوظيفية”، لافتًا إلى أن “بعض النواب هم على دراية بما يحصل من استغلال بعض موظفي مكاتبهم لتسهيل مهمة دخول العمال الأجانب، مقابل زج هذه الفئة عبر شركات وساطة عائدة لهم، مهمتها تشغيل الوافدين الأجانب مقابل أموال ومبالغ تقدر بآلاف الدولارات، خصوصًا في قطاعات الفنادق والمراكز التجارية والمطاعم والمستشفيات الأهلية في بغداد ومحافظات أخرى”.
وقدر اتحاد نقابات العمال أعداد العمالة الأجنبية الموجودة في العراق بمليون و500 ألف عامل.
وقال رئيس الاتحاد وليد نعمة إن “عدد العمالة الأجنبية بحسب تقديرات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية 750 ألف عامل أجنبي، إلا أن العدد أكبر بكثير من المعلن، وقد يصل إلى مليون و500 ألف عامل، لا سيما بعد أن استقطبت الشركات النفطية الكثير”، مشيرًا إلى أن “ضعف القانون تسبب بارتفاع هذا العدد من العمالة”.