أهالي الهارثة: دماء أبنائنا التلاميذ في أعناق المسؤولين
أهالي الضحايا في محافظة البصرة يطالبون بمحاسبة المسؤولين عن فاجعة موتهم العبثي، وحماية أبنائهم من خلال توفير مجسرات للمشاة وصيانة الطرق والتي لا تكلف إلا القليل من أموال محافظة البصرة التي تطفو على النفط.
البصرة – الرافدين
أثارت حادثة دهس مجموعة من التلاميذ من قبل شاحنة لنقل بضائع بعد انتهاء الدوام الرسمي لمدرسة في منطقة الهارثة بمحافظة البصرة موجة كبيرة من الانتقادات للإهمال الحكومي.
وعلى الرغم من المناشدات التي أطلقها أهالي الهارثة قبل وقوع الفاجعة لإنقاذ أبنائهم من خطر حوداث المرور التي قد يتعرض لها الطلاب، لم تجد تلك المناشدات سوى التجاهل المستمر.
وكانت أبرز مطالب الأهالي وضع جسر للمشاة أو مطبات صناعية أو مفرزة للمرور تنظم عملية عبور الطلبة وضمان سلامتهم مؤكدين أن مديرية المرور كذبت عليهم بشأن بتوفيرها مفرزة لحماية التلاميذ.
وقالت وزارة الداخلية، في بيان، إن ستة تلاميذ بالمرحلة الابتدائية لقوا حتفهم وأصيب 14 آخرون في حادثة دهس شاحنة لمجموعة من تلاميذ أثناء خروجهم من بناية مدرسة زينب الابتدائية في منطقة المشان بقضاء الهارثة شمالي البصرة.
وقالت الشرطة وشهود إن “سائق الشاحنة فقد السيطرة عليها بعد عطل في المكابح، مما أدى إلى اصطدامه بمجموعة من تلاميذ الذين كانوا يسيرون على جانب الطريق”.
وذكرت مصادر طبية أن “بعض الأطفال المصابين في حالة حرجة ويعانون من إصابات خطيرة في الرأس”.
وطالبت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، مجلس محافظة البصرة بعقد جلسة طارئة بشأن حادث الدهس الذي تعرض له التلاميذ في منطقة الهارثة.
وشددت المفوضية على ضرورة إصلاح الطرق ووضع جسور للمشاة وضوابط وحلول جادة إزاء ذلك، مبينة أنها لا تكلف إلا القليل من عظيم أموال مدينة البصرة.
بدورها أعربت بعثة الاتحاد الاوروبي في العراق ومنظمة يونيسيف عن حزنهما الشديد إزاء الحادث المأساوي الذي وقع في منطقة الهارثة في البصرة.
يذكر أنه في عام 2022، لقي أكثر من 4 آلاف و900 شخص مصرعهم في حوادث سير بالعراق، أي بمعدل 13 حالة وفاة يوميًا، حسب أرقام وزارة الصحة.
وعادة ما تتراوح أسباب هذه الحوادث بين تجاهل سائقين لحدود السرعة، ولاسيما في المناطق السكنية، وتداعي البنية التحتية، خاصة الطرق والجسور، في البلد الغني بالنفط، حسب وسائل إعلام محلية.
وعلى الرغم من اختزانه احتياطيات نفطية هائلة، يعاني العراق من تداعي بناه التحتية لا سيما الطرق والجسور، من جراء النزاع والإهمال والفساد المستشري.
واعترف قائمقام قضاء الهارثة نذير الشاوي أن الجهات الحكومية في البصرة تتحمل المسؤولية عن حادث الهارثة.
وقال الشاوي في رسالة صوتية إنه طالب ببناء أربعة جسور لم تتم الموافقة عليها في عام 2019 وعام 2021، كما أن وضع المطبات لاقى اعتراضات كبيرة لأنه تسبب بحوادث مضاعفة في طريق بصرة – بغداد.
وطالب القائممقام رئاسة الوزراء ومحافظ البصرة بفتح تحقيق عاجل بالحادثة لمعرفة المقصرين.
وأكدت النائب زينب جمعة الموسوي، إن” حادثة الهارثة ليست الأولى من نوعها، بل حدثت حالات دهس عديدة لطلبة المرحلة الابتدائية وهذا نتيجة سوء إدارة محافظة البصرة”.
وقالت إن “حادثة الهارثة تكشف لنا حجم الفساد المالي في محافظة البصرة وعجز الجهات التنفيذي بدءًا من المحافظ أسعد العيداني وإلى مسؤولي البلديات في المحافظة عن تقاعس كبير في إدارة أهم محافظات العراق من الناحية النفطية إضافة إلى أنها بوابة العراق الاقتصادية”.
وطالبت الموسوي مجلس النواب بتخصيص جلسة طارئة لاستضافة العيداني ومسؤولي المحافظة وقائمقام الهارثة لمعرفة أسباب عدم بناء جسور عبور مشاة على الطريق السريع في الهارثة.
وخرج أهالي وأقرباء ضحايا حادث السير بمسيرة غاضبة، انطلقت من مكان وقوع الحادث في منطقة المشان إلى مقر القائممقامية في منطقة الماجدية، مطالبين بإقالة القائممقام نذير الشاوي، وبناء جسور مشاة للحد من الحوادث.
وأكدوا أن على أن هذه التظاهرة هي شرارة البداية فقط، وخلال الأيام القادمة ستكون هناك خطوات فعلية لأهالي قضاء الهارثة.
وحمل ذوو ضحايا حادثة الهارثة في محافظة البصرة محافظ البصرة وقائممقام القضاء مسؤولية مصرع أبنائهم.
وقالوا إننا “طالبنا بإنشاء جسور ومسارات خاصة للطلبة بدون جدوى والمسؤولين في المحافظة لا يلقون سمعًا، وأبناءنا في ثلاجات الموت وفي المستشفيات بسبب عجز الحكومة بناء جسر للمشاة وهو لا يكلف أكثر من مصروف يوم واحد لابن أحد النواب”.
ووصف المتظاهرون قضاء الهارثة بالمنكوب لانعدام البنى التحتية فيه موجهين سؤالًا للحكومة ما ذنبنا نتحمل فسادكم وإهمالكم؟
وأبدى مواطن من أهالي الهارثة، استغرابه الشديد، من إرسال قوات مكافحة الشغب للقضاء بعد حادثة الدهس.
وقال المواطن “لسنا مشاغبين حتى يرسلوا قوات شغب إلينا وهذه القائممقامية أمامنا ولم نتقرب إليها، ونحن كطلاب حقوق ننتظر المسؤول لا الشغب”.
وقال أحد ذوي ضحايا فاجعة الهارثة لمحافظ البصرة أسعد العيداني خلال لقائه بهم “لماذا هذا الإهمال منذ أن أصبحت محافظًا لم نعد نراك”.
وتساءلت إحدى المدرسات من يتحمل دماء تلاميذ الهارثة وهل يقبل هؤلاء المسؤولين أن تكون هذه الحوادث من نصيب أبنائهم، مشككة بالوقت ذاته بأعداد الوفيات الصادرة من قبل الجهات الحكومية.
وقالت سلمى البوبصيري مديرة مدرسة “الهارثة مهمشة، بل كل شمال البصرة مهمش ولا يوجد اهتمام من قبل الحكومة، وهذه ليست الحادثة الأولى، نحن نفقد كل سنة طالب أو طالبين بسبب حوادث الطريق السريع”.
وأضافت أن “التخطيط العمراني وضع المدارس في جهة والمناطق السكنية في جهة أخرى، مع عدم وجود جسور مشاة، وطالبنا من قبل 15 عامًا بوضع جسر للمشاة لطلاب مدرستي، ولكن لم تتم الاستجابة لنا”.
وصرح مدير مدرسة في الهارثة عقيل قاسم بأن “لدينا 650 طالبًا وهم معرضون لخطر الحوادث المميتة أثناء محاولتهم الوصول إلى منازلهم”.
وأكد على أن “المدرسة قد طالبت مرارًا وتكرارًا بإنشاء جسر لعبور الطلبة وكل الكتب مرفوع إلى التربية والقائممقامية ولكن لا حلول سوى تأميلهم بإنشائها”.
وطالب الجهات الحكومية بإيجاد حل عاجل وبناء مدرسة جديدة داخل الحي كي لا يضطر الطلاب لعبور الشارع السريع، فالتعازي لن تحل المشكلة التي من الممكن تكرارها إذا بقي الحال كما هو عليه.
وعبر عدد من المدونين والناشطين والمواطنين من خلال منصات التواصل الاجتماعي عن سخطهم من تكرار الحوادث المفجعة بسبب تقاعس الحكومة عن أداء واجباتها.
وقالوا إن “الإجراءات الحكومية غالبًا تنحصر في تشكيل لجان شكلية إضافة إلى حدادها على مواقع التواصل الاجتماعي وإعطاء عطلة بذكرى الحادث دون محاسبة المقصرين وتعويض ذوي الضحايا”.
وتهكم أحدهم بالقول “شكرًا للقائمين على البنى التحتية والطرق والجسور في العراق على جهودهم في نصب كاميرات السرعة والانشغال بمبالغ الغرامات التي أصبحت أهم من أرواح العراقيين”.
وأضاف أن “هذا حال البلد، كل شيء فيه متروك للصدفة، والمعالجة الصورية لا تأتي إلا بعد حصول الكارثة”.
وأكد على أن الحكومة تستعرض بمشاريع ثانوية لا أهمية لها، ويتركون الطرق الرئيسة التي من المفترض أن تكون بدون أي خلل وخصوصًا مثل هكذا أماكن، والسؤال يطرح نفسه أموال البصرة أين؟
وتساءل المدونون “إلى متى يبقى الشعب العراقي يدفع دمه حتى يحصل على جسر أو قطعة أرض أو بيت”.
ورأوا أنه “إذا كان المحافظ شجاعًا وعلى قدر المسؤولية الأولى أن يستقيل مع تقديم مدير البلديات إلى القضاء، فلا يوجد تفسير آخر لعجز الحكومة عن إنشاء جسر لعبور الطلبة سوى الفساد الناخر بين مسؤولي المحافظة”.
ويرى مراقبون أن الحكومة تتحمل كامل المسؤولية في استمرار الحوادث الدامية على الطرق.
وأضافوا أن “أغلبية طرق العراق غير مؤثثة بالعلامات المرورية التحذيرية أو الإرشادية، وهناك حفر ومطبات وانعدام للسياج الأمني على الطرق بعد سرقة أغلبه، وبعض الطرق لم تتم صيانتها منذ الغزو الأميركي للعراق 2003، وقسم منها بمسار واحد، لم تعد تستوعب العدد الكبير للسيارات، فضلًا عن النقص الكبير في جسور المشاة”.
وعلق الصحافي إياد الدليمي على الحادثة بالقول “مدرسة على طريق سريع لا تتوفر فيه جسر مشاة للعبور ولا حتى مفرزة مرورية وقت خروج الطلبة وهذه النتيجة، نتيجة أخرى من نتائج الفوضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله، خالص العزاء لأهلنا في البصرة”.
وكتب الصحافي عثمان المختار تدوينة له على مصنة إكس قائلًا إن “فاجعة البصرة تحصل يوميًا في العراق لكن بشكل متفرق طفل هنا وطفلة هناك يموتون بحوادث يومية”.
وأضاف “في حكومة المالكي 2006 ـ 2014 كان هناك 63 مليار دولار للشوارع والطرق لا يعرف أحد أين ذهبت”.
ونوه إلى أن “البصرة تعوم على بحر من النفط والغاز وعلى الرغم من ذلك شوارعها بائسة تحصد أرواح الناس يوميًا”.
وأثار الكاتب السياسي بهاء خليل عبر صفحته الرسمية في منصة إكس تساؤلًا أيهما الأكثر تكلفة جسر المشاة أم سيارة “التاهو”؟، مؤكدًا أن الحكومة لو التفتت إلى المناشدات بدلًا من ملاحقة المواطنين الذين ينشرون التقصير الحكومي بدوائره المختلفة لكانت البلاد تنعم الآن بالخير.