مساع حكومية متأخرة للحد من خطر الجفاف المحدق بالعراق
وزير الموارد المائية عون ذياب يؤكد قيام إيران بقطع أربعة روافد لنهر دجلة وتغيير مجرى الأنهر المغذية لنهر ديالى، ويكتفي بمطالبة طهران بضرورة التنسيق بشأن الروافد التي تغذي نهر دجلة.
بغداد – العراق
يواجه العراق أزمة كارثية قد تؤدي إلى نزوح الملايين من سكان الريف إلى المدينة نتيجة الجفاف الحاصل بنهري دجلة والفرات، بسبب قطع أغلب روافدها وإقامة سدود عليها من قبل دول المنبع.
وأكد وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب أن إيران قطعت 4 روافد لنهر دجلة، مشيرًا إلى أن طهران غيرت أيضًا مجرى بعض الأنهر المغذية لنهر ديالى، الذي يعد أحد روافد نهر دجلة.
وأضاف في مقابلة تلفزيونية أن السلطات في العراق أبلغت إيران بضرورة التنسيق بشأن الأنهار التي تغذي نهر دجلة.
وقال ذياب “أبلغنا إيران بضرورة التنسيق بشأن روافد المياه التي تغذي نهر دجلة، كما تمت مطالبة إيران بفتح مياه نهر الكارون لتحسين ظروف شط العرب” مؤكداً أنّ “حراكًا عراقيًا جديدًا لحلّ أزمة المياه مع تركيا وإيران، بدأ”.
وأشار إلى أن بغداد تحضر لمسودة مذكرة تفاهم مع تركيا بخصوص ملف المياه توقع خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان.
ووصف عضو لجنة الزراعة والمياه في البرلمان العراقي ثائر الجبوري “الحراك الجديد نحو تركيا وإيران” بأنه جاء متأخرًا في وقت يواجه به العراق خطرًا حقيقًا من جراء الجفاف الحاصل.
وحذر الجبوري من أن “استمرار أزمة الجفاف بلا حلول حقيقية وسريعة، سوف يدفع نحو مشكلات وأزمات أبرزها الهجرة من المناطق الريفية والقرى نحو المدن وكذلك الإضرار بالواقع الزراعي وزيادة مخاطر البيئة، ولهذا يجب أن يكون الحراك الحكومي على أعلى المستويات، فهذا الملف له تداعيات كثيرة وخطيرة”.
ولفت إلى أنّ “لجنة الزراعة والمياه البرلمانية ستعمل على استضافة وزير الموارد المائية لمعرفة تفاصيل الحراك نحو إيران وتركيا وما هي الاتفاقات الجديدة بشأن حصول العراق على حصته العادلة من المياه وجدية هذا الحراك في حل هذه الأزمة المستمرة منذ سنين”.

وتشهد “بلاد الرافدين” مؤخرًا انخفاضًا كبيرًا في مستوى مياه نهري دجلة والفرات، أثرت بشكل كبير على الحياة والزراعة فيه.
وشكا مزارعو محافظات الوسط والجنوب من شح المياه المتوفرة للزراعة مما دفع بعضهم لترك مساحات من هذه الأرض دون زراعة بينما يفكر آخرون في ترك مهنتهم واراضيهم.
وقال مزارعون من محافظة القادسية إن “الماء لا يكفي للزراعة وأنهم تكبدون خسائر كبيرة تكلفة السماد والوقود وأنهم يعملون بمهن أخرى من أجل الانفاق على مزارعهم”، فيما أكدوا أنه في حال استمرت أزمة المياه في المحافظة فانهم سيتركون مهنة الزراعة وسيجبرون على النزوح من مناطقهم الى المدينة للبحث عن عمل آخر.
ومن جانبها اكدت دائرة الزراعة في الديوانية أن المساحات المزروعة بالقمح والشعير في القادسية انخفضت بأكثر من خمسين بالمائة، عن المواسم السابقة بسبب شح المياه.
وقال علي كريم، مدير التخطيط في دائرة الزراعة بالديوانية إن “في المواسم السابقة كنا نزرع أكثر من 750 ألف دونم بالقمح والشعير في محافظة الديوانية. هذا الموسم انخفضت المساحات بأكثر من 50 بالمائة، وذلك بسبب شح المياه وقلة كميات الماء الواردة من وزارة الموارد المائية، وانخفاض الأمطار المتساقطة على الديوانية. أدى هذا لانخفاض المساحات المزروعة إلى ما يقارب 164 ألف دونم”.
وأشار إلى أن “السواد الأعظم من المزارعين ما زالوا يستخدمون أساليب الري التقليدية، بينما بدأت نسبة لا تتعدى 10 بالمائة من مزارعي محافظة الديوانية الاعتماد على أساليب حديثة في ري الأرض تعتمد على استخدام كميات أقل من المياه”.

ومن جهته، قال الخبير في الشأن المائي عادل المختار إنّ “العراق يدخل عامه الخامس على التوالي بأزمة مياه خانقة، نتيجة شح الأمطار وقلة الإيرادات من دول الجوار، فالإيرادات من تلك الدول قليلة جدًا وبمستويات متدنية في ظل أزمة الجفاف، خاصة أن تركيا بصدد إقامة سد آخر على نهر دجلة سيسبب ضررًا كبيرًا للعراق”.
وأضاف “في ما يخص إيران فهناك 42 نهرًا قُطعت بالكامل وأصبحت الإيرادات المائية صفرًا، ومن ضمن تلك الأنهر الكرخة والكارون اللذان يعتبران من الأنهر الكبيرة، فإيرادات الكرخة 4 مليارات متر مكعب، والكارون 11 مليار متر مكعب، أي هي تقارب نهري دجلة والفرات من حيث الأهمية وكلّ تلك الأنهر قُطعت بالكامل… ولهذا تستمر أزمة الجفاف في العراق بخطورتها الكبيرة للسنة الخامسة على التوالي”.
وأشار المختار إلى أنّ “لهذا الجفاف تداعيات خطيرة، ولهذا نرى هلاكًا في الثروة الحيوانية، وتقلصًا في الخطة الزراعية إلى مليوني دونم من أصل اثنين وثلاثين مليون دونم صالح للزراعة، وهذا التقليص ناشئ من أزمة الجفاف الخطيرة التي يمر بها العراق، خاصة أن الخزين المائي للبلاد يقدر بـ17 مليار متر مكعب، وهذا يعتبر خزينًا متدنيًا جدًا، ولهذا الوضع خطورة خاصة مع زيادة التلوث البيئي، فانخفاض المناسيب أدى إلى ارتفاع نسبة التلوث، خاصة في البصرة والمحافظات الجنوبية”.
وأضاف أن “أزمة الجفاف دفعت بعدد كبير من الفلاحين إلى الهجرة من الريف نحو المدينة، وقارب عدد المهجّرين سبعة ملايين مواطن بسبب أزمة الجفاف”، وشدد على أن “العراق مطالب بالعمل على تفعيل مذكرة التفاهم التي وقعت سنة 2014 وفعّلت في سنة 2019 والتي تؤكد تقاسم الضرر مع دول الجوار في الملف المائي مع توفير حصة عادلة من دول المنبع الى دول المصب وفق ما جاء في هذه المذكرة”.
ويأتي تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة لتزيد المعاناة على الفلاحين بشكل خاص والعراقيين بشكل عام وبات العراق بسبب الارتفاع

المستمر في درجات الحرارة وتزايد نقص المياه من عام لآخر، بين أكثر خمس دول في العالم عرضة لتأثيرات التغير المناخي، وفقا للأمم المتحدة.
وسلط المجلس الدنماركي للاجئين الضوء على أزمة العراق المائية قائلا إن “مستويات المياه في نهري الفرات ودجلة، اللذين يبدآن في تركيا ويمران عبر سوريا قبل أن يصلا إلى العراق، انخفضت بشكل كبير في السنوات الأخيرة”.
وصدرت نتيجة ذلك تحذيرات خطيرة بشأن تأثير تغير المناخ، بما في ذلك من قبل وزارة الموارد المائية، التي توقعت أنه ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، فإن النهرين الرئيسين في العراق سوف يجفان بحلول عام 2040.
وأكد المجلس الدنماركي للاجئين أن أسباب النزوح لم تعد مقتصرة على العمليات العسكرية والتهديدات الأمنية، فقد بات الجفاف سببا أساسيا للنزوح، فأكثر من 11 ألف عائلة نزحت في المحافظات الوسطى والجنوبية خلال السنوات الأخيرة بسبب الجفاف وتدهور الأراضي وارتفاع تراكيز الملوحة في عديد من الأنهار والروافد المهمة، وقد شكل هذا خطرًا كبيرًا يحيق بالثروة الحيوانية والزراعة و الصيد وحياة الفلاحين بشكل عام.
وسجلت المنظمة الدولية للهجرة خلال عام 2022 وحده ما يقرب من 20 ألف شخص نازح بسبب ندرة المياه في 10 محافظات فقط من أصل 18 محافظة عراقية ، وارتفاع الملوحة، وسوء نوعية المياه في جميع أنحاء العراق.
وذكر تقرير سابق للأمم المتحدة حول الأمن المائي أنّ “17 دولة في العالم العربي على خط الفقر المائي، من بينها 12 دولة ترزح بالفعل تحت خط الفقر المائي المدقع منها العراق”.
وكان مؤشر الإجهاد المائي توقع أن يكون العراق أرضاً بلا أنهار مع حلول 2040، وأنه في العام 2025، ستظهر ملامح الجفاف الشديد واضحة جداً في عموم العراق مع جفاف كُلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول دجلة إلى مجرد مجرى مائي صغير محدود الموارد.



