أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

تضاعف أعداد الموظفين يكبل موازنة العراق ويصيب البلاد بمرض البطالة المقنعة

خبراء اقتصاديون ومتابعون للشأن العراقي يحذرون من انهاك الاقتصاد العراقي بالمزيد من الوظائف في وقت تعاني منه مؤسسات الدولة من التخمة والترهل الوظيفي والبطالة المقنعة.

بغداد – الرافدين

حذرت أوساط اقتصادية من التبعات الكارثية للتوظيف على القطاع العام في ظل تضاعف أعداد الموظفين واستشراء البطالة المقنعة إلى جانب غياب التوزيع السليم والاستثمار الأمثل للموظفين في وزارات ومؤسسات الدولة.
وأجمع اقتصاديون على أن الأعداد الكبيرة للموظفين باتت تكبل الموازنات العامة وتستنزف الاقتصاد الريعي للبلاد الذي يعتمد على عائدات بيع النفط في ظل تراجع إنتاجية الموظفين وتردي القطاعات التنموية في البلاد.
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور نبيل المرسومي إن عدد الموظفين على الملاك الدائم وصل إلى نحو 4 ملايين و50 ألفًا وهذا العدد يمثل ما نسبته 9 بالمائة من السكان”.
وأشار المرسومي إلى أنَّ النسبة يمكن أن تصل إلى 25 بالمائة إذا ما أضفنا لهم من يتقاضون رواتب من الدولة من متقاعدين وعاملين في شركات التمويل الذاتي والحماية الاجتماعية، حيث يصل عددهم إلى نحو 10 ملايين.
وبين أنَّ هذه النسبة تعد الأكبر في العالم، إذ يتركز نحو 80 بالمائة من القوى العاملة في الدولة، في حين تكون نسبة العمالة في القطاع الخاص هي الأقل”.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنَّ هذا الترهل له انعكاسات سلبية على الموازنة العامة، إذ يستنزف الجزء الأكبر منها بما يصل إلى نحو 70 تريليون دينار”.
وحذر من أنَّ هذا الرقم قابل للزيادة إذا ما احتسبنا الرواتب التي ستتحملها الحكومة لموظفي كردستان العراق، أي أنَّ 70 بالمائة من إيرادات النفط العراقي تذهب إلى الرواتب.
ويرى أنَّ الترهل يعرقل العمل الاقتصادي في العراق ويثقل كاهل الدولة ويستنزف مواردها، لذا فهي بحاجة إلى ترشيق أكبر في مفاصل عدة لتستطيع أن تخفف العبء الملقى عليها وتنهض بمهامها الاقتصادية.
وسبق أن أطلق رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، خلال العام الماضي حزمة قرارات تضمّنت أوسع عملية توظيف في الدولة العراقية منذ عام 2009، إذ وجّه بتثبيت أكثر من 300 ألف شخص في وظائف حكومية ضمن ما يعرف محلياً بـ”المتعاقدين”، فضلاً عن تعيين الوجبة الأولى من الخريجين الأوائل وحملة الشهادات العليا وعددهم أكثر من 41 ألفًا.
وفي الربع الأول من عام 2024 أطلق مجلس الخدمة الاتحادي استمارة التعيين على 31 ألف درجة وظيفية للخريجين الجامعيين الأوائل وحملة الشهادات العليا.
ولاقت خطوات التوظيف في العراق اعتراضات واسعة من قبل مختصين، حذّروا من مشاكل واسعة قد تواجه العراق في تمويل مرتبات الموظفين والمتقاعدين والعاملين في القطاع العام وشبكة الحماية الاجتماعية، والذين تجاوز عددهم عتبة التسعة ملايين نسمة، بإجمالي مرتبات شهرية تبلغ نحو 6 مليارات دولار.

الدكتور رافع الفلاحي: الوظيفة الحكومية في العراق صارت مكرمة من قبل السلطة بينما هي مستحقة للشعب العراقي للعمل والعيش الكريم

وقال الباحث والكاتب العراقي الدكتور رافع الفلاحي إن “الفساد في العراق تحول إلى حالة مرضية تضرب الجانب السياسي والاجتماعي فضلًا عن الاقتصادي وبالتالي فإن السلطة تبدد الأموال الضخمة المرصودة للموازنات العامة في عمليات التوظيف والإعانات الاجتماعية وشراء الغاز من إيران ضمن عملية ممنهجة يجهز الفساد بموجبها على الموازنة التشغيلية للبلاد”.
وأضاف الفلاحي في مشاركة له في برنامج طاولة حوار الذي تبثه “قناة الرافدين” الفضائية أن “الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال حولت الوظيفة الحكومية إلى مكرمة تقدمها السلطة لكسب التأييد خلافًا لكونها مكتسب مستحق للعراقيين بهدف العمل والعيش الكريم”.
وأشار إلى أن “الحكومة كرست مفهوم استغلال السلطة والمنصب لتحقيق هيبة وهمية ومصالح شخصية تتعارض مع القانون والسياسات الاقتصادية الرصينة”.
ويتفق الخبير الاقتصادي علاء دعدوش ، مع ما ذهب إليه الفلاحي بالقول إن “التوسعة في أعداد الموظفين خلال السنوات الماضية كانت لأغراض سياسية وليست اقتصادية، إذ لم تقابلها توسعة في الطاقات الإنتاجية والخدمية في القطاع العام والإدارات الحكومية”.
ويشدد دعدوش على “عدم وجوب الاعتماد على النفط في عملية تمويل النفقات، وليس من الصحيح أن يتم التوظيف دون أن يكون هناك انتقال تدريجي من الاقتصاد الريعي إلى تشغيل المصانع والمعامل في القطاعين الحكومي والخاص”.
ويحث الخبير الاقتصادي “السلطات على تبني المقترحات الاقتصادية بشأن توظيف الخريجين للحد من الإنفاق الكبير والبطالة المقنعة في القطاع العام، ومنها الاهتمام بحاضنات الإعمال وتوفير الدعم المادي الذي سيقلل من التوظيف الحكومي”.
وتتجسد في بعض مؤسسات الدولة مشاهد درامية متكررة بسبب أعداد الموظفين الكثيرة، حيث أن بعض الموظفين لا يجدون مكانًا يجلسون فيه، وآخرون يتناوبون على الجلوس، في حين يضطر بعضهم إلى شراء المقاعد وجلبها للمؤسسة بعد تدوين أسمائهم عليها كي لا يشغلها سواهم.
وفي هذا الإطار، يقول الموظف إحسان جميل، أن إدارة المؤسسة الحكومية التي يعمل بها جمعت الموظفين الجدد البالغ عددهم 123 موظفا في قاعة كبيرة لا تحتوي إلا على عدد قليل من الكراسي وليس فيها أجهزة تدفئة وتبريد”.
ويتابع “اضطررنا إلى الاتفاق مع متعهد الدائرة لشراء مقاعد بلاستيكية للجلوس وحدد لنا المتعهد مبلغ 25 ألف دينار للمقعد الواحد، وجمعنا مبلغا لشراء ثلاجة، ولك أن تتصور كيف يحصل هذا العدد الكبير من الموظفين على الماء البارد من ثلاجة واحدة”.

إنتاجية الموظف في العراق لا تتجاوز الـ17 دقيقة يوميًا في ظل حاجة ملحة لقوانين ناظمة لضبط إيقاع العمل ورفع الإنتاج

وسبق أن بينت دراسة أجرتها كلية اقتصاديات الأعمال في جامعة النهرين، أن إنتاجية الموظف في العراق لا تتجاوز الـ17 دقيقة يوميا.
ورصدت الدراسة التخصصية حاجة ملحة لإقرار قانون لتنظيم العطل الرسمية التي تتسبب بهدر الوقت وتحول دون الإنتاج والتطور.
ومع تراجع إنتاجية الموظف الحكومي في العراق تبرز مفارقة حادة داخل مؤسسات الدولة تتعلق بأعداد الموظفين، ففي الوقت الذي تشتكي فيه وزارتي التربية والتعليم العالي من نقص ملاكاتها الوظيفية يزداد الترهل الكبير في الملاكات الوظيفية في وزارات أخرى فضلًا عن  الترهل الوظيفي في مراكز المدن مقابل نقص حاد بأعداد الموظفين في القرى والأرياف.
ويشير الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه، إلى أن “أعداد الموظفين الفائضة عن الحاجة في وزارتي الكهرباء والصناعة ومؤسسات الدولة غير المنتجة، تتطلب تشريع قانون لتوزيع الموظفين يتم بموجبه نقلهم بين الوزارات والمؤسسات التي تعاني من التخمة الوظيفية إلى أخرى فيها نقص ولها تماس مباشر مع المواطنين”.
وينوه عبد ربه، إلى “أهمية إعادة توزيع الملاكات الوظيفية ضمن خطة وقانون يتم من خلاله التساوي في الرواتب لتسهيل نقل الموظفين بحسب الحاجة الفعلية لهم”.
ويرى عبد ربه أن “الترهل الوظيفي هو بطالة مقنعة تحدث أضرارا بمؤسسات الدولة، كما أن هناك صعوبة في تنقل الموظفين بين الوزارات بسبب سلم الرواتب الذي يختلف من وزارة إلى أخرى”.
ويحذر الخبير الاقتصادي، من أن “الترهل الوظيفي يعرقل العمل الاقتصادي ويثقل كاهل الدولة ويستنزف مواردها، ومن المهم بمكان ترشيق مفاصل الدولة لتتمكن من القيام بمهامها الاقتصادية”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى