أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

بتفشي الجريمة بين أوساط المراهقين.. أي مستقبل ينتظر العراق؟

مختصون يشككون ببيانات وزارة الداخلية المتعلقة بانخفاض معدلات الجريمة الجنائية والجريمة المنظمة وسط تحذيرات من تنامي هذا النوع من الجرائم بين فئة المراهقين لأسباب اجتماعية وتربوية ونفسية وسياسية.

بغداد – الرافدين

عزا خبراء في الأمن وعلم الاجتماع أسباب ارتفاع معدلات الجريمة بين الأحداث في العراق إلى تراجع دور الأسرة والمدرسة في غرس القيم والأخلاق فضلًا عن غياب الوازع الديني.
وأشار الخبراء إلى وجود صلة وثيقة بين ارتفاع معدلات الجريمة بين المراهقين والأحداث وتفشي المخدرات وسيطرة مواقع التواصل ومحتواها الهابط على عقول المراهقين ومساهمتها في جنوحهم.
ويرى الخبير الأمني هيثم الخزعلي، أن “مسألة انتشار الجريمة المرتكبة من قبل مراهقين لم تتجاوز أعمارهم 15 عامًا يعود إلى جملة من الأسباب في مقدمتها سهولة الحصول على السلاح الذي بات منتشرا بشكل كبير ويمكن لأي شخص أن يقتني قطعة سلاح واحدة”.
ويضيف الخزعلي أن “انتشار مثل هكذا نوع من الجرائم يعود كذلك إلى انتشار المخدرات سواء على شكل حبوب أو أنواع أخرى يجري تداولها بين المراهقين، ولابد من معالجة هذه الآفة، إضافة إلى ضبط السلاح لاحتواء هكذا أفعال”.
ويتابع “هذه الظواهر منتشرة بشكل علني بعد الغزو الثقافي والفكري الذي تعرض له العراق ولم تعد تقتصر على السرقة أو العنف والاعتداء بل تجاوزتها إلى القتل وتجارة البشر”.
وتؤكد مصادر برلمانية تسجيل العراق، تحولات خطيرة في أرقام الجريمة، منذ بداية العام الجاري حيث سجّلت جرائم فظيعة حتى في نطاق الأسرة الواحدة.
وفي هذا الصدد يؤكد النائب عباس الجبوري، أنه “بين الحين والآخر تنقل مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى بيانات الجهات الأمنية قصصًا مؤلمة عن عمليات قتل بشعة جدًا داخل العائلة الواحدة أغلبها لأسباب تافهة، والأمر ليس محددًا بجريمة هنا أو هناك بل الأعداد في تزايد وما يظهر في وسائل الإعلام أقل من الحقيقة لأن بعضها لا يصل إلى المنابر الإعلامية وبعضها يكتشف بعد فترة”.
وأضاف الجبوري أن “مصادر التربية وهي البيئة والمحلة والمدرسة وصولًا إلى المساجد والخطباء وتفرغ الأباء كلها عوامل ترسم ملامح أي طفل منذ نعومة أظافره لحين وصوله إلى الشباب وجميعها للأسف بدأت بالضعف بل أن بعضها لم يعد مؤثرًا وهذه الطامة الكبرى”.
وأشار إلى أن الهاتف المحمول (الموبايل) هو المارد الكبير الذي يقف وراء الجرائم الشاذة في إشارة منه إلى القتل داخل الأسرة الواحدة لأنه يعطي لمن يملكه كل شيء في إشارة إلى السلبيات التي تزخر بها المواقع والمنصات التي تخالف البيئة والمجتمع وتدفع الكثيرين إلى مستنقع الانحلال.
وتابع النائب في البرلمان الحالي أن “دولًا إسلامية مثل ماليزيا وإندونيسيا وعلى الرغم من التطور التكنلوجي والاقتصادي فيها لكنها أدركت خطورة الموبايل ومنصات التواصل فسعت إلى تحديد ما يصل للأطفال والمراهقين وصولًا إلى الشباب أي تهذيب ما يشاهدونه لأنها تدرك خطورته عليهم وهذا الأمر لم يأت من فراغ بل عبر دراسات أكاديمية”.

انتشار المخدرات وفوضى السلاح يغرقان المراهقين بمستنقع الجريمة والانحلال في العراق

ويعدّ التطور السريع في أرقام الجريمة انعكاسًا لظروف أمنية واقتصادية واجتماعية أوجدتها الظروف السياسية في البلاد بعد أن أفضت تلك الحالة إلى تحولات أخلاقية ونفسية نتج عنها شروع المراهقين بارتكاب جرائم قتل تعددت أهدافها ووصلت إلى حد القتل من أجل سرقة دراجة نارية أو هاتف محمول وفق أخصائيين اجتماعيين.
ويشير الباحث الاجتماعي محمد المولى، إلى أن “معنى المراهقة هي المرحلة العمرية التي تسبق تمام العقل وقدرته على اتخاذ القرار المناسب الصحيح أو الاختيار الصحيح للسلوك المناسب، لذا تسعى الدول التي تريد أن تكون أجيالها القادمة بعيدة عن السلوكيات الخاطئة والمنحرفة، إلى أن تضع خططًا تربوية وتعليمية وتدريبية يمكن من خلالها إنتاج سلوكيات صحيحة”.
ويرى المولى أن “التسرب المدرسي وضعف الرقابة العائلية المجتمعية والحالة الاقتصادية المتدنية من جهة وكذلك الكم الكبير من ألعاب وأفلام الأكشن، سمحت أن يكون المراهقون أشد الفئات تأثرًا بالاتجاه السلبي من جهة أخرى، بغياب الضوابط الاجتماعية المجتمعية المختلفة، ما يعني دخولهم في منطقة الخطر الحقيقي”.
ويتابع “كل ما سبق سيجعل المراهق صيدًا ثمينًا لشخوص امتهنت السلوكيات الخاطئة والمنحرفة وتبحث عن شخوص لها استعداد للمضي بهذا الطريق، وهكذا يتم الإيقاع بالمراهقين واستغلالهم كأدوات لأفعال مخالفة للقانون ومنها السرقة والنصب والاحتيال وقد يصل الأمر للقتل بعد فترة من الترغيب والإكراه بمختلف المغريات ومنها المال والتحرر الماجن والفسوق والفجور”.
ويكمل الباحث الاجتماعي “هذه الأفعال والسلوكيات وجدت لها مساحة عمل أوسع بظل انتشار السلاح وسهولة الحصول عليه وقصور بالرقابة الأمنية الاستخبارية للأجهزة المختلفة، لننتهي عند الأكشن وتنظيم الساعة البيولوجية للعائلة والمراهق التي تحتاج إلى تعاون مجتمعي بين المدرسة والبيت والمجتمع برعاية الجهات الدينية والعشائرية والشخوص المثقفة والمنظمات ذات العلاقة، وهذا ما يتطلب وقفة جادة من الجميع يمكن من خلالها إنقاذ هؤلاء المراهقين من براثن وشباك من يؤثر عليهم أو يستغلهم كأداة للسلوكيات الخاطئة”.

وزارة الداخلية في حكومة الإطار تتحدث عن انخفاص نسب الجريمة بينما تشير الوقائع لارتفاع معدلاتها بين المراهقين

ومنذ مطلع العام الحالي 2024، شهدت البلاد تزايدًا بأحداث القتل الجنائية، ولاتزال بعض الحوادث ماكثة في الذاكرة، من بينها حادثة سوق مريدي شرقي بغداد والطريقة السينمائية التي تم الاشتباك بها والتي انتهت بمقتل شخص على الفور.
وبنفس الطريقة شهدت محافظات مختلفة حوادث مماثلة في ديالى وميسان، وكذلك من بين الحوادث الأخيرة ما شهدته محافظة البصرة من عملية سرقة لدراجة نارية، من قبل مجموعة كانت تستقل دراجة نارية ثانية، وشهدت العملية إطلاق نار من قبل الجهة التي كانت تريد القيام بالسرقة ما أدى إلى مقتل أحد الشباب الذين كانوا يستقلون الدراجة الأولى.
ولم تكن هذه الاحداث ومدى تسارعها وتزايدها ملحوظًا فقط، بل أن إحصائها يكشف بالفعل عن ارتفاع حالات القتل الجنائية في العراق خلال الأشهر الماضية، مقارنة بآخر شهرين من عام 2023.
حيث بلغ عدد حوادث القتل في شهر كانون الثاني 2024، 46 حالة قتل، أما في شباط أي الشهر الذي بعده، بلغت حوادث القتل 44 حالة، وفقًا لبيانات تم تجميعها من مواقع عالمية مختصة.
وتأتي هذه الأرقام مقارنة بـ34 حالة قتل فقط في تشرين الثاني 2023، و28 حالة قتل فقط في كانون الأول 2023. ما يعني أن عدد حوادث القتل في أول شهرين من العام الحالي بلغ مجموعها 90 حالة، مقارنة بـ62 حالة فقط مع الشهرين السابقين لهما، أي آخر شهرين في 2023، وهذا يعني أن نسبة حوادث القتل ارتفعت بنحو 45 بالمائة.
في المقابل تحاول وزارة الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني رسم صورة وردية للواقع الأمني المتردي في بغداد وعموم المحافظات عبر نشرها بيانات تتحدث فيها عن تراجع نسب الجرائم في المجتمع.
ومن بين هذه الإحصائيات المثيرة التي أصدرتها الداخلية، هو انخفاض نسبة الجريمة بالعراق بنسبة 20 بالمائة، وانخفاض الحوادث الجنائية إلى 40 بالمائة خلال عام 2023 فضلًا عن الادعاء بقطع شوط كبير في مجال مكافحة المتاجرة بالمخدرات.
ومن أهم المؤشرات والملاحظات ونقاط الضعف في هذه الإحصائيات هو أنها جاءت كإحصائيات “مجردة”، أي انها ادعاءات لم تقترن بالدليل، فوفقًا لأدبيات علم الإحصاء والبيانات، يتوجب على وزارة الداخلية إعلان الأرقام المتعلقة بعام 2022 وعام 2023، لتتم المقارنة بين العامين والتحقق من حقيقة نسبة الانخفاض المذكورة.
ويؤكد مختص في علم الإحصاء أن “لغة الإحصاء، لاتعد لغة أرقام فقط، بل أن استخدام حرف واحد في غير موضعه، قد يؤثر على النتيجة الرقمية بالكامل”.
ويضرب المختص الذي فضل عدم الكشف عن هويته مثالًا على ذلك بعد أن “استخدمت وزارة الداخلية تعبيرًا في إحدى الاحصائيات بالقول إن نسبة الجريمة انخفضت 20 بالمائة، لكن لم توضح ما المقصود بالجريمة؟”.
وأضاف انه “من المتعارف عليه أن الجريمة هي السرقة والقتل أو غيرها من الحوادث التي تمثل جرائم، أو أن يكون التعبير عن الجريمة هو الجريمة المنظمة، التي تضم القتل وتهريب البشر والمخدرات وغيرها من الجرائم العابرة للحدود، لكن الداخلية اكتفت بالقول بانخفاض الجريمة بنسبة 20 بالمائة دون إيضاح تعريف الجريمة وأعدادها في 2022 و2023 للتحقق من حقيقة انخفاضها”.
ويشير المختص في علم الإحصاء إلى أن “التعبير اللغوي المحير الآخر، هو قول الداخلية بانخفاض الحوادث الجنائية إلى 40 بالمائة حيث أن القول إن الحوادث انخفضت بنسبة 40 بالمائة يختلف تمامًا عن القول بأنها انخفضت إلى 40 بالمائة”.
ويتابع “فالانخفاض بنسبة 40 بالمائة معناه أنها فقدت 40 بالمائة من أرقامها، أما الانخفاض إلى 40 بالمائة، فهذا يعني أنها فقدت 60 بالمائة من أرقامها، ومن غير المعروف ماذا تقصد الداخلية، هل أن الحوادث الجنائية انخفضت 40% أم 60%؟”.
وسبق أن أظهر مؤشر الجريمة المنظمة العالمي، ارتفاع تصنيف العراق في مؤشر الجريمة خلال عام 2023 مقارنة بعام 2021، حيث جاء العراق في المرتبة الثامنة عالميًا والمرتبة الثانية في قارة آسيا في مؤشر آخر يتناقض مع بيانات وزارة الداخلية.
وبحسب المؤشر فإن درجة الإجرام في العراق خلال عام 2023 بلغت 7.13 درجة، مقارنة بعام 2021 التي بلغت حينها 7.05 درجة.
ويظهر المؤشر أن العراق في المرتبة الثامنة من بين 193 دولة عالميًا في مؤشر الجريمة، كما جاء في المرتبة الثانية من بين 46 دولة في قارة آسيا، وفي المرتبة الأولى من أصل 14 دولة بمنطقة غرب آسيا.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى