أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

البنك المركزي يدير منصة فساد تتخذ من المسافرين وبياناتهم ذريعة لتهريب الدولار

تقرير لديوان الرقابة يكشف عن تفاصيل اختلاس أكثر من 600 مليون دولار في عمليات بيع الدولار للمسافرين فضلًا عن الآليات التي جرى بموجبها سحب هذه المبالغ من نافذة بيع العملة وضخها في السوق الموازي.

بغداد – الرافدين
عدت أوساط اقتصادية الكشف عن مخالفات جسيمة في عمليات بيع الدولار للمواطنين المسافرين إلى خارج العراق أمرًا غير مستغرب في منظومة اقتصادية ينخرها الفساد وتديرها حيتان تقتنص الفرص لتأمين حاجتها من الدولار بشتى الطرق بهدف تهريبه إلى إيران وميليشيا حزب الله في لبنان.
واستغرب خبراء اقتصاديون من صمت البنك المركزي حيال التحقيق الذي أجراه ديوان الرقابة المالية في العراق والذي تضمن مخالفات جسيمة من بينها حصول ما يزيد على 151 ألف مواطن على الدولار بسعر الدولة الرسمي لأغراض السفر دون أن يغادروا البلاد، وهو ما يعني بيع تلك المبالغ في السوق السوداء بهدف الربح.
وتخصص السلطات الحكومية مبلغ 3000 دولار شهريًا لكل مسافر بسعر الصرف الرسمي (1320 دينار مقابل كل دولار) إلا أن معاملة الحصول على هذا المبلغ معقدة للغاية بسبب اعتمادها على الحجز المسبق عبر روابط إلكترونية لعدد من المصارف وشركات الصرافة فضلا عن بيع سماسرة للحصص مقابل مبالغ مالية.
وتجاوز إجمالي المبلغ المتحقق من عملية “الاحتيال” هذه 600 مليون دولار تم شراؤها لأغراض السفر بحسب وثائق التحقيق لديوان الرقابة المالية.
وأسدلت عمليات التدقيق التي أجراها الديوان الستار عن “حجم المبيعات النقدية للبنك المركزي العراقي من العملة الأجنبية للمسافرين في الفترة من الأول من شباط إلى الثامن من تموز 2023 والتي بينت أن عدد المسافرين وفقًا للمنصة الإلكترونية بلغ 1.481.186 مسافرًا، بينما عدد المسافرين الفعليين عبر المنافذ الحدودية بلغ 1.329.246 مسافرًا وبالتالي، فإن هناك زيادة قدرها 151.940 مسافرًا في عدد المسافرين المثبتين في المنصة الإلكترونية.
وكشفت عمليات التدقيق للديوان أن “إجمالي المبالغ المصروفة بلغت حوالي 607.76 مليون دولار، مما يشير إلى أن الدولار تم بيعه للزبائن بالسعر الرسمي دون أن يتم تحقق سفرهم، وهذا يعني استفادة المتورطين من فرق السعر في السوق الموازية”.
وبينت عمليات التدقيق أيضًا “شراء بعض موظفي البنك المركزي للدولار بغرض السفر مرتين خلال نفس الشهر، الأولى عن طريق البنك المركزي بشكل مباشر خارج المنصة، والثانية عن طريق منصة البيع النقدي وهذا يتعارض مع تعليمات دائرة الاستثمارات والتحويلات الخارجية في حين لم يضمن البنك المركزي بيع الدولار للموظفين ضمن قاعدة بيانات بيع العملة الأجنبية، مما يشير إلى عدم صحة الرقم الإجمالي المعلن لكمية الدولار المباع نقدًا”.

وثائق حديثة لديوان الرقابة المالية تتضمن مخالفات جسيمة تتعلق بعمليات بيع الدولار للمسافرين إلى خارج البلاد

وعلق الباحث في الشأن الاقتصادي منار العبيدي على تقرير ديوان الرقابة بالقول إن “هذا التقرير أوضح عدم الكفاءة في النظام المتبع لبيع الدولار بعد أن أثبت التلاعب بهدف الاستفادة من المسافرين”.
وأضاف العبيدي أن “تقرير ديوان الرقابة يوضح عدم استطاعة بعض الدوائر في البنك المركزي من مقاطعة البيانات الموجودة في منصة بيع الدولار للمسافرين مع البيانات الحقيقية”.
وتابع “نعم هناك بعض العقوبات المفروضة على شركات الصيرفة، لكن عندما تصل الأرقام إلى هذا المستوى فهذه أرقام كبيرة”.
وخلص الباحث في الشأن الاقتصادي بالقول إنه “لطالما أن الطلب متزايد على الدولار، مقابل عدم قدرة الدولة على توفير الدولار للسوق المحلي، ستكون هناك أكثر من طريقة للاستفادة من هذا الموضوع، ولا ننكر أن الفرق بين السعر الرسمي والسوق الموازي يغري أي جهة، فالـ 10 آلاف دولار يمكن أن تربح 500 دولار بسبب فرق العملة”.
ويلتزم البنك المركزي والمحافظ علي العلاق المقرب من حزب الدعوة الصمت حيال التقارير الأخيرة إلا أن مصدرًا مطلعًا في البنك كشف عن حرمان مصارف الرافدين والرشيد والتجارة الحكومية من حصص المسافرين بعد الكشف عن عمليات فساد في بيع وشراء حصص المسافرين.
وأشار المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته إلى أن هذا الحرمان تسبب بإيقاف العمل في روابط الحجز الإلكتروني للمصارف الحكومية منذ أشهر وحال دون تقديم خدمات الحجز المسبق لحصة المسافرين.
وأكد المصدر أن قرار الحرمان جرى بشكل ارتجالي وتحول إلى عقوبة جماعية يعاني منها المواطن بالدرجة الأساس في وقت كان من المفترض فيه معاقبة المتورطين وتحرير عقوبات إدارية بحقهم دون إيقاف الخدمة وإلحاق الضرر بالمواطنين.
وختم المصدر الذي يعمل في البنك المركزي قوله إن “استمرار منح شركات خاصة متهمة بالمضاربة بالعملة الصعبة واستغلال بيانات المواطنين إمكانية الحصول على الدولار مقابل منع المصارف الحكومية فقط عن تقديم حصة المسافرين ينم عن تواطؤ مع شركات الصرافة المقربة من الأحزاب والميليشيات من قبل محافظ البنك ومن يعمل بمعيته من متنفذين”.
وسبق أن حددت إدارة مطار بغداد الدولي، أربعة منافذ لبيع الدولار للمسافرين في صالة المغادرة إلى جانب فروع مصارف الرافدين والرشيد ومصرف التجارة العراقي.
وبينت إدارة المطار في بيانها، أن إيداع المسافرين يتم خارج المطار لدى مكاتب شركات الصرافة المحددة وهي كل من (شركة سما بغداد، وشركة القند، وشركتي الريان والفنجان) المسجلة رسميًا لدى البنك المركزي العراقي، وأن الاستلام يتم داخل صالة الترانزيت قبل المغادرة باتجاه الطائرة بعد إكمال إجراءات المغادرة.

مضاربون وشركات تتبع المكاتب الاقتصادية للميليشيات وراء الاستفادة من استغلال بيانات المسافرين في الحصول على العملة الصعبة

ويرى مختصون أن هذه الخطوة فتحت أبوابًا جديدة للفساد وتهريب العملة بشكل لا يمكن السيطرة عليه، مع وجود إجراءات وأبواب تحايل جديدة على إمكان حصول المسافرين الحقيقيين على الدولار، خاصة وأن شركات الصرافة التي مُنحت حق وتصريح البيع داخل المطار تعود لمكاتب اقتصادية للميليشيات وجهات متنفذة.
وأكد الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، أن هناك شركات صرافة خُوِّل إليها بيع الدولار في مطار بغداد الدولي تعود لجهات متنفذة في الدولة، ولديها نفوذ وقرار لدى البنك المركزي العراقي، وأنها تحتكر الدولار لبيعه بالسوق الموازي.
وأضاف أن عددًا كبيرا من المسافرين لا يتمكن من الحصول على الدولار لغرض السفر أو العلاج أو الدراسة خارج العراق، بسبب قيام هذه الشركات بعرقلة حصول المسافر الحقيقي على الدولار.
وأشار إلى أن هذه الشركات هي نفسها التي احتالت على عدد كبير من المواطنين من خلال شراء الدولار بأوراق عملاء غير حقيقيين، ومن ثم المضاربة في سوق الدولار، ما يعني أنها ستستمر في بيع الدولار لمسافرين غير حقيقيين، بالوقت الذي يمنع عن أغلب المسافرين الحقيقيين.
وبيّن أن المستفيد الأكبر من تخويل الشركات هم المضاربون في السوق، والمهربون للدولار إلى إيران ودول أخرى، لتحقيق أكبر قدر من الأرباح، في عمليات تحايل منظمة.
ولطالما عبر عراقيون عن امتعاضهم من إجراءات البنك المركزي بعد إخفاقهم في الحصول على حصة المسافرين من الدولار بالسعر الرسمي واضطرارهم إلى شراء الدولار من السوق الموازي بسعر أعلى لتأمين نفقات سفرهم لأغراض السياحة والعلاج فضلًا عن الدراسة.
ويحمل العديد من المسافرين محافظ البنك المركزي مسؤولية فشل منصة حجز الدولار في تأمين الحصص الكافية للمسافرين وتحول العملية إلى مهمة عسيرة على الراغبين بشراء الدولار بالرغم من تأكيدات البنك المركزي تسهيل إجراءات الحصول عليه.
وجاء الحديث عن فضيحة الفساد المتعلقة ببيع الدولار للمسافرين بعد يوم واحد من عودة رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني من واشنطن وإخفاقه في الحصول على وعد برفع البنوك العراقية من قائمة العقوبات الأمريكية خلال لقائه مع مسؤولين في وزارة الخزانة الأمريكية وبعض البنوك بحضور محافظ البنك المركزي علي العلاق.
وخلال لقاء السوداني مع وكيل وزارة الخزانة الأمريكية والي أدييمو، ونائب رئيس بنك “جي بي مورغان” دانييل زيليكو، بحضور العلاق، حاول السوداني تقديم صورة عن سيطرة حكومته على تهريب الدولار إلى إيران.
ولم يقتنع المسؤولون الأمريكيون بالذرائع التي قدمها السوداني، حيث استمع إلى جملة تكررت كثيرًا من قبل المسؤولين الأمريكيين بأن “على حكومته فعل الكثير من أجل إيقاف تهريب الدولار إلى إيران” وفقًا لصحفيين عراقيين حضروا الاجتماع.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى