التحذيرات من تلوث أجواء العراق لا تقابلها أي استراتيجية حكومية للحد من الأضرار
مجلة أمريكية متخصصة في التصنيفات العالمية تضع العراق أكثر الدول العربية تلوثًا للهواء وفي المرتبة ما قبل الأخيرة في التصنيف العالمي.
بغداد ــ الرافدين
جدد ناشطون في مجال البيئة التحذير من اتساع الاختلال البيئي في العراق نتيجة لتظافر مؤثرات التلوث المناخي أمام عجز الاستجابة الحكومية وغياب أدوات التفكير والتخطيط المسبق لإدارة المخاطر المحدقة بالبلاد جراء تلوث الهواء.
وتتصاعد معدلات تلوث الهواء في العراق بالوقت الذي تواصل فيه حكومة الإطار التنسيقي إطلاق وعودها الزائفة بشأن إجراءات الحد من التلوث البيئي.
ويحتل العراق مراتب متدنية تجعله من بين أكثر دول العالم تضررًا بالتغير المناخي بحسب المنظمات الدولية والمحلية المعنية بشؤون البيئة.
وصنف تقرير أمريكي جديد العراق كأكثر الدول العربية تلوثًا للهواء وفي المرتبة ما قبل الأخيرة في التصنيف العالمي.
وأشار التقرير الذي نشرته مجلة “ceoworld” الأمريكية المتخصصة في التصنيفات العالمية إلى تباينات كبيرة في مستويات تلوث الهواء والتي تؤدي إلى تفاقم مشاكل المناخ.
وسبق أن احتل العراق المرتبة الثانية من بين أكثر دول العالم تلوثًا وفقًا لمسح أجرته شركة “آي كيو آر” السويسرية.
وأوضح المسح أن العراق الذي يسكنه 43.5 مليون شخص تدهورت جودة الهواء فيه إلى 80.1 ميكروغرامًا من جزيئات “بي إم 2.5” لكل متر مكعب، بعدما كانت 49.7 ميكروغرامًا لكل متر مكعب عام 2021، وجاءت العاصمة بغداد في المرتبة 13 من بين مدن العالم.
وتشير التقارير الأممية منذ سنوات إلى أن الغبار في العراق يحتوي على 37 نوعًا من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، إضافة إلى 147 نوعًا مختلفًا من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض.
وكشف مؤشر قياس الأداء البيئي عن تأثر العراق بتغير المناخ وتدهور الصحة البيئية وحيوية النظام البيئي.
وأشار المؤشر الذي أنجز من قبل جامعتي بيل وكولومبيا الأمريكتين وبتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى أن العراق يحتل من حيث حيوية النظام البيئي المرتبة 102 من أصل 180 دولة ومن حيث الصحة البيئة المرتبة 105 ومن حيث سياسة المناخ المرتبة 180 أي الأخيرة.
بدورها انتقدت المراصد المحلية المعنية بشؤون البيئة عدم وجود أي تخصيصات مالية خاصة بمعالجة مشاكل البيئة في العراق، مشيرة إلى أن حكومة السوداني تخالف برنامجها في القضايا البيئية التي لها تأثير مباشر على صحة الناس.
فيما تواصل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني التستر على إعلان الإحصاءات الرسمية لحجم التلوث البيئي، لكن تصريحات سابقة لوزارة البيئة ومتخصصين أكدت أن الملف يواجه صعوبات كثيرة وأن نسب التلوث كبيرة داخل المدن وخارجها بسبب الحروب السابقة ومخلفاتها ووجود مصانع داخل المدن وشح المياه والزحف السكاني ومكبات الطمر الصحي وغيرها.
وتكتفي وزارة البيئة بالتحذير من خطورة ارتفاع نسب التلوث البيئي دون أن تضع علاجًا واقعيًا لهذا الملف الخطير.
وأكدت الوزارة أن التلوث يشمل الهواء والمياه والتربة كما أشارت إلى أن تلوث الهواء ينتج من عمليات استخراج النفط في محافظات عدة، والأعداد الكبيرة للسيارات وعدم التزام معامل ومصانع قريبة من المدن بإجراءات الحفاظ على البيئة.
وقال وكيل وزارة البيئة جاسم الفلاحي، إن تلوث الهواء يثير مخاوف حقيقية في محافظات عدة بينها بغداد والبصرة.
ويشكل التلوث البيئي في العراق خطرًا كبيرًا على حياة المواطنين في ظل الافتقار لمستشفيات متخصصة بأمراض السرطان ونقص الأدوية والأجهزة الطبية، حيث تشهد محافظة البصرة تزايد أعداد المصابين بالأمراض السرطانية بسبب التلوث النفطي وإحراق الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط.
وسبق أن كشف تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، عن تعرض المجتمعات التي تعيش قرب حقول النفط في العراق لخطر الإصابة بسرطان الدم، بسبب حرق الغاز في الهواء الطلق.
واتهم تقرير “بي بي سي” شركة بريتيش بتروليوم البريطانية بالتسبب في انتشار مرض السرطان في المنطقة، بسبب حرقها للغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط في الحقل الذي تعمل فيه، وعدم التزامها بأفضل الممارسات الدولية.
وإلى جانب تداعيات ظاهرة التغير المناخي العامة التي تعصف بالعراق والذي يصنف وفق منظمة الأمم المتحدة كخامس أكثر دول العالم تضررًا من هذه الظاهرة الآخذة في التفاقم، فإن خبراء يشيرون كذلك إلى تضافر جملة عوامل وراء ارتفاع نسب تلوث الهواء في العديد من المدن العراقية ولا سيما الكبرى منها وعلى رأسها العاصمة بغداد.
ولفت الخبراء إلى تداعيات محارق النفايات وعمليات استخراج النفط وحرق الغاز المصاحب والاكتظاظ السكاني بفعل الهجرة الواسعة من الأرياف وانتشار العشوائيات في أطراف المدن، وتقلص المساحات الخضراء وتهالك البنى التحتية والخدمية فيها جراء ذلك وتدهور واقعه البيئي والمائي.
كما أكد عدد من الناشطين في مجال البيئة بأن حكومة السوداني لا تملك المعلومات الكاملة عن الوضع البيئي في العراق، وأنها تتحدث عن مشكلة المناخ في المؤتمرات والملتقيات لكنها لا تتخذ أي إجراءات واقعية.
وأضافوا أن الأيام القادمة ستفضح الإجراءات الورقية التي تحدثت عنها الحكومة بشأن المعالجات الداخلية لمخاطر أزمة البيئة والمناخ، محذرين من تداعيات الارتفاع الخطير لمعدلات التلوث البيئي بالبلاد.
وقال الناشط البيئي حميد العراقي، إن العراق يمر بأشد مراحل التدهور البيئي نتيجة ارتفاع معدلات تلوث الهواء، مشددًا على ضرورة التوجه نحو تقليل الانبعاثات الناجمة عن الوقود الاحفوري وتشجيع وتطوير القطاع الزراعي، والاعتماد على محاصيل يتطلب سقيها كميات قليلة من المياه.
وأشار الناشط إلى عجز الحكومات المتعاقبة ومجالس النواب التي تشكلت طوال العقدين الماضيين في تقديم ما يلزم لتقليل آثار التغير المناخي.
وطالب بوضع خطة شاملة لمواجهة هذا التدهور الخطير ولاحتواء الأضرار الناجمة من تدهور البيئة، فضلًا عن إجراء الإصلاحات الحقيقية كتقليل استخراج النفط، وتعزيز النقل الجماعي واستيراد السيارات الكهربائية، وتفعيل قانون البيئة المعطل وإدراج تشريعات جديدة تتوافق مع أهداف وقرارات مؤتمرات المناخ الدولية.
ولمواجهة تلوث الهواء وللحد من آثاره الخطيرة، أجمع مراقبون ومختصون على ضرورة زيادة المساحات والأحزمة الخضراء داخل العاصمة وما حولها، وتشديد الرقابة على مخلفات الغازات والأبخرة المضرة بالبيئة والملوثة للهواء من مصانع ومعامل ومركبات والعمل على تنظيم التوسع والتخطيط العمراني والسكاني داخل المدن بشكل يضمن عدم الضغط الكبير على منظومات البنى التحتية التي تعاني أصلًا من التقادم والاستهلاك والتي هي بحاجة لتحديث وإعادة ترميم وبناء.
فيما تتنصل الجهات المعنية عن مسؤولية الحفاظ على البيئة ومعالجة عوامل التلوث، بل تعمل حكومة الإطار التنسيقي على نشر ثقافة تدمير البيئة من خلال تجريف البساتين والأحزمة الخضراء واقتلاع الأشجار على جوانب الطرق بذريعة الإعمار والاستثمار دون الاكتراث لتحذير المنظمات والأفراد بشأن تداعيات التدهور البيئي المتفاقم في العراق.