أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

الزراعة في العراق تترنح على وقع الإهمال الحكومي وتغير المناخ

مزارعون يؤكدون استنزاف متنفذين لمصادر المياه الجوفية في مشاريع ممولة حكوميًا في وقت تتجاهل فيه وزارة الزراعة الحالية أصواتهم المطالبة بتوفير الدعم للفلاح لتجاوز عقبات التغير المناخي.

النجف – الرافدين

حمل مزارعون من محافظات الفرات الأوسط وجنوبي العراق الحكومة مسؤولية تدهور الزراعة وتراجع الإنتاج المحلي جراء السياسات الخاطئة في استثمار المياه تزامنًا مع تراجع الأمطار وهيمنة متنفذين على مصادر المياه الجوفية.
وألقى المزارعون باللوم على وزارة الزراعة في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بعد الادعاء بنجاح الموسم الزراعي الشتوي في وقت ترتفع فيه مستويات الجفاف وتزداد فيه نسب تصحر الأراضي الصالحة للزراعة.
ويؤكد باسم العرداوي وهو أحد وجهاء قضاء المشخاب بمحافظة النجف أن “الفلاح في المشخاب يعاني من عدة معوقات تقوض الزراعة في محافظة النجف التي لا يختلف الواقع الزراعي فيها عن باقي المحافظات، وعلى رأسها شحة المياه”.
وأشار العرداوي إلى أن “الموسم المطري لهذه السنة كان وفيرا، ولكن بالمقابل الحكومة لم تنهض بواجبها في مساعدة الفلاح ومراعاة هذا الإنتاج الوفير ومساندة المزارعين، وخاصة دعمهم بالبذور والمبيدات الحشرية والأسمدة “.
بدوره قال المزارع شهيد عبد الأمير من أهالي المشخاب إن “منطقتهم الزراعية تتكون من 3000 دونم، وكانت تزرع فيها سابقا الحنطة والشلب، ولكن الآن وبسبب شح المياه تزرع فيها الحنطة فقط”.
ونوه عبد الأمير إلى أن “شح المياه دفعنا إلى الاعتماد على المطر فقط، بالإضافة إلى غلاء أسعار الأسمدة والمبيدات التي يقع شرائها على عاتق الفلاح في ظل غياب الدعم الحكومي  الذي أدى إلى تقليص المساحات المزروعة”.
وفي السياق ذاته أوضح المزارع ضياء الفتلاوي أن “الفلاح يعاني مشاكل كثيرة منها أن محافظة النجف تفتقر إلى سايلو لمحصول الشعير، وأن الحكومة لا تستلم منا الشعير، لذلك نرى أن سعره دائما يكون منخفضا، حيث نزل سعر طن الشعير الواحد من 700 إلى 350 ألف دينار، وهذا السعر لا يغطي تكاليف الحصاد والسماد والمبيدات”.
وناشد الفتلاوي الحكومة بدعم الفلاحين وتوفير متطلباتهم وتعويضهم نتيجة الأضرار التي لحقت بهم في السنوات السابقة”.

حفر الآبار العشوائي وسيطرة المتنفذين على مصادر المياه الجوفية يتسبب بعملية استنزاف غير عملية لها

وفي بادية السماوة إلى الجنوب من محافظة النجف يكشف المزارع أبو غانم عن عجزه في الاستثمار بأرضه الصالحة للزراعة التي تبلغ مساحتها نحو ألف دونم في بادية السماوة، بسبب غياب دعم الدولة، سواء بتوفير البذور والأسمدة والوقود أو آليات الري.
ويؤكد أبو غانم (57 سنة) الذي لا يجيد غير مهنة الزراعة، أن الحكومة اشترطت على المزارعين أمثاله، استخدام المرشات المحورية مقابل دعمهم بالبذور والأسمدة، وهذا أمر يصعب تحقيقه؛ إذ يبلغ سعر المرشة الواحدة أكثر من 50 ألف دولار أمريكي.
وقال المزارع الذي بدت عليه علامات الغضب والألم إننا “نقدم الطلبات منذ عشر سنوات للحصول على المرشات لكن الحكومة تتجاهل طلباتنا”.
وأضاف “نشعر أن الحكومة تحارب الزراعة في المثنى، وأن موارد الدولة تذهب إلى مستثمرين وهميين أحيانًا على حسابنا نحن المزارعين الحقيقيين، فمن لديه واسطة يحصل على ما يريد”.
ويتابع أبو غانم أن “المرشات توزع عبر الوساطات، وليس عبر القرعة كما يدعون ونحن لا نملك المال ولا المعارف، فكيف يمكن إدامة عملنا؟”.
ويشكك مزارعون بادعاء السلطات الحكومية المتعلقة بإحالة 96 مشروعًا في القطاعين الزراعي والصناعي كفرص استثمارية في بادية المثنى الجنوبية.
ويؤكد المزارعون أن بعض تلك المشاريع تستنزف كميات كبيرة من المياه، في حين أن عددًا كبيرًا منها مجرد حبر على ورق، وهي تمثل بابًا من أبواب الفساد.
ويشير مزارع محلي من السماوة إلى أن “بعض المستثمرين يحصلون على الأراضي، ويكتفون بوضع مشيدات لا تكلف سوى مبالغ قليلة، بينما يستلمون من المصرف الزراعي مبالغ كبيرة كقروض استثمارية”.
ويتابع المزارع الذي فضل عدم الكشف عن هويته “وحين يتأكد فشل المشروع أو عدم تنفيذه تبدأ الجهات الحكومية بتحريك دعاوى على المستثمرين، فيما تبقى الأراضي متروكة دون أي فائدة”.
ويصنف العراق ضمن العديد من التقارير الدوليّة، بأنه خامس الدول الأكثر تضررًا من التدهور المناخي، ناهيك عن الجفاف الذي تعيشه البلاد.
ففي تقرير حديث أكد معهد (الولايات المتحدة للسلام)، أن العراق من بين الدول الخمس الأكثر تضررًا من تأثير تغير المناخ في العالم.
وحذر المعهد من أن التغير المناخي يهدد الأمن المائي والغذائي لأكثر من (43) مليون عراقي، في ظل الإهمال الحكومي المستمر وغياب الحلول لمشكلة الجفاف والتصحر.
ولفت التقرير إلى أن العراق مازال بحاجة إلى التكنولوجيا والخبرة للتخفيف والتكيف مع التغير المناخي.
وسبق أن كشف رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، في آذار الماضي، عن تضرر سبعة ملايين عراقي بسبب التغير المناخي.
ونتيجة لهذه الظروف مجتمعة، اضطرت الحكومة والأهالي إلى اللجوء للمياه الجوفية بغية سد النقص الحاصل في مياه الشرب والسقي.
ويمتلك العراق 5 ملايين متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة أي التي يمكن تعويضها من الأمطار، فضلًا عن الخزين الاستراتيجي غير المعلوم الكمية إلا أنه عند استخدامه لا يمكن تعويضه.
وتستخدم هذه المياه – التي تعد بديلاً عن المياه السطحية – للأنشطة الزراعية أو الصناعية أو حتى للاستخدامات البشرية، حسب الاحتياج الفعلي في تلك المناطق.

التغير المناخي يهدد الأمن المائي والغذائي لأكثر من (43) مليون عراقي وفقًا لتقارير دوليّة

وبينما يحذر متخصصون من الاعتماد على المياه الجوفية في الزراعة، لما لها من آثار خطيرة على المستوى القريب فضلًا عن البعيد، يطالب آخرون بوضع شروط لاستخدامها وأن يكون للطوارئ وحسب الاحتياج الفعلي للمياه، وعبر استخدام طرق الري الحديثة لترشيد الاستهلاك.
وينوه الخبير في الموارد المائية، تحسين الموسوي، إلى أن الخطأ الكبير باستخدام المياه الجوفية أنها غير مستدامة، لذلك ينبغي عدم استخدامها بهذه الطريقة العشوائية، التي أدت إلى فقدان متر منها في الموسم الماضي، ويبدو أن الضغط على وزارة الموارد المائية الخارجي والداخلي دفعها إلى هذا الأمر الذي ستكون له تداعيات كبيرة في المستقبل.
وأكد الموسوي أن طريقة سحب المياه الجوفية بهذه الكميات لها آثار خطرة على المستوى القريب فضلًا عن البعيد، وحاليًا وصلت البلاد إلى مرحلة الجفاف بعد أربعة مواسم متتالية، ومنذ موسمين يتم استخدام الخزين الميت وهذا يحدث لأول مرة في التاريخ.
ولفت إلى أن ما يزيد الأزمة بعد عام 2003، اعتماد الحلول الترقيعية كخطة استراتيجية، فلا يدرك صانع القرار في البلاد خطورة وضع المياه في المستقبل.
ويتفق مدير دائرة المياه الجوفية السابق في محافظة المثنى أحمد سرداح الزبيدي مع ما ذهب إليه الموسوي بالقول إن “المياه الجوفية في بادية السماوة تتعرض للاستنزاف جراء الآبار التي تحفر دون موافقات رسمية”.
ويؤكد الزبيدي أن المياه الجوفية وخلافًا لما يشاع عن وفرتها إلا إنها محدودة، وتتقلص باستمرار جراء تراجع الأمطار وزيادة الاستخدام ويضرب مثالًا في هذا الصدد هو الأوضح كما يقول “جفاف بحيرة ساوة”.
ويشير إلى “التراجع الحاد في المياه الجوفية بجنوب وغرب المثنى وتحديدًا بناحية السلمان”.
ويرجع الموظف السابق أسباب تراجع المياه وتردي نوعيتها، إلى النشاط الصناعي المتمثل بمعامل الإسمنت والحفر المفرط للآبار، فضلًا عن العمليات التي تستنزف طبقات الصخور الجيرية لأغراض صناعية، والتي تترك آثارًا سلبية على البيئة المحيطة بما فيه النباتات الطبيعية في المنطقة.
ويؤكد أن طبيعة الخزان الجوفي وخصائصه تحدد أعداد الآبار العاملة بمنطقة البادية الجنوبية التي ينبغي أن تحفر بعدد معين، وتعمل ضمن ساعات إنتاج محددة.
وينوه إلى أن الأبحاث العلمية تحدد عمل بـ “8 ساعات في اليوم الواحد وبإنتاجية لا تزيد عن 5 لترات بالثانية” لكن الفلاحين وأصحاب المشاريع كما يقول “يشغلون البئر 24 ساعة باليوم وبإنتاجية تصل إلى 20 لترًا بالثانية، وهكذا يقل عمر البئر، وينخفض المخزون الجوفي”.
ويتابع مدير دائرة المياه الجوفية السابق في المثنى “ونتيجة لذلك وعلى سبيل المثال فإن منسوب المياه الجوفية في منطقة الرحاب كان يبلغ 20 مترًا وعمق الآبار من 50 – إلى 80 مترًا، بينما وصل عمق البئر الآن إلى 150 مترًا ومنسوب المياه إلى 50 مترًا”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى