أخبار الرافدين
تقارير الرافدينطوفان الأقصى: القضية الفلسطينية في الواجهة الدوليةعربية

العالم يتخلى عن أطفال غزة تحت وطأة مشقة الحرب والمعيشة

لم تقدر مها السرسك على مسك دموعها التي انهمرت عندما قالت: هذه الحرب حرمتنا من طفولتنا وأبسط حقوقنا، ودفعتنا للعمل في أعمال شاقة وصعبة في ظل ظروف معقدة وخطيرة.

غزة- كل صباح، تخرج الفتاة مها السرسك (15 عامًا) بحثًا عن مصدر لتعبئة غالونات المياه، لتستطيع ممارسة عملها في غسل ملابس وأواني مواطنين نازحين في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة وفي المنطقة المحيطة.
وتقطع السرسك النازحة لوسط القطاع، من حي الشجاعية شرقي بغزة، مسافة طويلة يوميًا سيرًا على الأقدام للوقوف في طابور طويل، بانتظار دورها لتعبئة المياه.
وتحمل الطفلة بيديها الصغيرتين غالونين من المياه، وتقطع ذات المسافة عودةً وصولاً إلى خيمتها في مشفى شهداء الأقصى، حيث تقوم بممارسة عملها اليومي في غسل الملابس مقابل أجر بسيط، لإعالة أسرتها التي تضم 10 أفراد، في ظل الحرب “الإسرائيلية” المستمرة على قطاع غزة منذ نحو سبعة أشهر.
ولا تكترث الفتاة لصغر سنها أثناء العمل والمجهود الكبير الذي يحتاجه، فكل ما ترديه توفير قوت لعائلتها النازحة في ظل عدم تواجد والدها معهم والظروف الصعبة التي تعيشها.
ويعاني أكثر من مليون نازح من إجمالي عدد 2.3 مليون فلسطيني، والذين يشكلون سكان قطاع غزة، من نقص كبير في المياه، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، نتيجة قطع قوات الاحتلال لإمدادات المياه والوقود والكهرباء منذ بداية الحرب في السابع من تشرين الأول الماضي.
وتقول السرسك “نزحنا من منزلنا في حي الشجاعية قبل ستة أشهر، إلى خيمة صغيرة في مستشفى شهداء الأقصى، بسبب القصف الإسرائيلي والاجتياح البري للمدينة”.
وتعاني أسرة السرسك من ظروف معيشية ومادية صعبة للغاية، حيث لا يوجد معيل للعائلة، مما اضطرها للبحث عن عمل يوفر دخلاً بسيطاً يساعدهم على العيش في ظل الأوضاع الصعبة وظروف الحرب المستمرة.
وتضيف “أنا الأكبر سناً بين إخوتي، لذا اضطر للعمل من أجل توفير دخل للعائلة”.


أنا لم أعمل بخاطري لكن الظروف الصعبة وعدم وجود دخل ثابت اضطرني للعمل من أجل إيجاد مصدر دخل لعائلتي
في بداية نزوحها إلى مدينة دير البلح، كانت السرسك تقف لساعات طويلة في طوابير لشراء الخبز من المخابز، ثم تبيعه لأولئك الذين لا يرغبون في الوقوف في تلك الطوابير، وتحصل على أجر لذلك.
لكن هذا العمل الشاق كان يستغرق وقتًا طويلاً ولم يكن يلبي احتياجات العائلة، لذا اضطرت إلى البحث عن عمل آخر.
وجدت السرسك، في غسل الملابس والأواني للنازحين فرصة لجلب دخل لأسرتها التي تعاني ظروفًا مأساوية ناتجة عن الحرب.
لكن كانت تواجه تلك صعوبات في بداية الأمر للعثور على الماء ومسحوق غسل الملابس والأواني.
وتضيف “بحثت عن مصادر عدة للحصول على المياه داخل المستشفى وخارجه، وهناك بدائل لتعبئة المياه وإن كانت متعبة، لكنها تؤدي الغرض”.
وتمكنت السرسك، بحسب قولها، من توفير المعدات اللازمة من أوان وجرادل وغالونات مياه وغيرها، بالإضافة إلى مكان لنشر الملابس بعد غسلها.
وتتابع الفتاة ذات الملامح البريئة “مشكلة المياه هي الأكبر، أحيانًا أضطر إلى السير لمسافات طويلة، وأحيانًا قد لا يتوفر الماء وأضطر إلى الوقوف في طوابير طويلة لفترات زمنية طويلة أيضًا”.
وأشارت إلى أنها في بعض الأحيان لا تجد الماء في المستشفى فتدفع نفسها للمشي مسافات بعيدة للحصول على كميات قليلة.
ولم تقدر السرسك على مسك دموعها التي انهمرت عندما قالت “هذه الحرب حرمتنا من طفولتنا وأبسط حقوقنا، ودفعتنا للعمل في أعمال شاقة وصعبة في ظل ظروف معقدة وخطيرة”.
وتضيف “هذا ما استطعت فعله في هذا الواقع الصعب، أنا لم أعمل بخاطري لكن الظروف الصعبة وعدم وجود دخل ثابت اضطرني للعمل من أجل إيجاد مصدر دخل لعائلتي”.
وتتمنى مها السرسك أن تنتهي الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة، التي جعلتها تعيش في خوف وتوتر، وأن تعود إلى منزلها في حي الشجاعية الذي لا تزال وعائلتها يجهلون مصيره.
وتشن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي، حربًا مدمرة على قطاع غزة خلفت أكثر من 100 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، ودمارًا هائلاً، ومجاعة حقيقية أودت بحياة أطفال ومسنين، بحسب بيانات فلسطينية وأممية.
وسبق أن دعت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، إلى عدم التخلي عن أطفال غزة، قائلة إن وضعهم “يزداد قتامة يوما بعد آخر”. فيما قدرت المنظمة الدولية وجود 17 ألف طفل فلسطيني في غزة بدون ذويهم أو انفصلوا عن عائلاتهم.
وقالت راسل في تدوينة على منصة “إكس”، الجمعة، إن “وضع الأطفال في غزة يزداد قتامة يوما بعد يوم”، وأضافت “لا يمكن للعالم أن يتخلى عنهم”.
ونشرت مديرة “يونيسف” مع التدوينة بيانًا للجنة الدائمة المشتركة بين وكالات الأمم المتحدة، بتاريخ 31 كانون الثاني الماضي، والذي وصف تعليق بعض الدول دعمها المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” بأنه يقود إلى “كارثة” على سكان قطاع غزة.
وحذر البيان الذي حمل عنوان “لا يمكننا التخلي عن سكان غزة”، من أن تعليق الدعم المالي للأونروا “أمر خطير وسيؤدي إلى انهيار النظام الإنساني في غزة، وسيكون لذلك عواقب بعيدة المدى على الصعيد الإنساني وحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي جميع أنحاء المنطقة”.

المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” كاثرين راسل: وضع أطفال غزة، يزداد قتامة يوما بعد آخر
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى