أخبار الرافدين
طلعت رميح

انحسار تأثير القوة الأمريكية الناعمة

تحتشد الآن وتتجمع مشاهد الجرائم الأمريكية في فيتنام وأفغانستان والعراق، وتتكثف نتائجها، لتعيد إنتاج الصورة الحقيقية للولايات المتحدة والفضل يعود لغزة التي بصمودها وتضحياتها وصبرها، أعادت إيقاظ الوعي الإنساني.
وغزة هي الشاهد الأهم على انحسار- وربما نهاية- مفاعيل القوة الناعمة للولايات المتحدة، إذ أعادت تذكير الرأي العام الدولي بكل الجرائم التي ارتكبتها ضد مختلف شعوب العالم، بما أيقظ المشاعر الإنسانية الرافضة لتلك الجرائم، وثبت ضرورة الالتزام بالقانون الإنساني، ومواجهة السلوك الإجرامي لحكام الولايات المتحدة. وذلك ما يفسر هذا الانقلاب الشامل في مواقف الرأي العام العالمي وفي الداخل الأمريكي، ضد إدارة جو بايدن، وضد نخب الحكم الأمريكية –التي يسميها الرئيس الأمريكي السابق ترامب، نخب واشنطن – بل حتى ضد أجهزة القمع الأمريكية.
لم تكن المشاهد التي تناقلتها الشاشات وتابعها العالم للجرائم التي ارتكبت ضد البشر والحجر في غزة، وما تبعها من مشاهد اعتداء الشرطة الأمريكية على طلاب الجامعات، مجرد أحداث عابرة. سيكون لتلك المشاهد تداعيات مستديمة على صورة الولايات المتحدة وعلى دورها ومكانتها الدولية.
لقد فضحت الشاشات خلال تغطياتها للجرائم التي ارتكبها الجيش الصهيوني في غزة، طبيعة وحقيقة المواقف الأمريكية المساندة والمتناهية –بل حتى القائدة –لأعمال القتل والإبادة والتطهير الديني والعرقي. كما كشفت عن درجة انحطاط أصابت القدرة الأمريكية على ممارسة الأكاذيب المحركة للسيطرة على الرأي العام.
كما فضحت الشاشات طبيعة وحقيقة بناء ودور أجهزة الدولة الأمريكية، إذ تابع العالم على الهواء تلك الجرائم التي ارتكبتها الشرطة بحق طلاب الجامعات خلال فض اعتصاماتهم الرافضة للجرائم الصهيونية ولمواقف إدارة بايدن المؤيدة لارتكابها. وهي اعتصامات طالبت بإنهاء الصلات بين الجامعات الأمريكية والمؤسسات الصهيونية، ورفعت شعارات تشدد على ضرورة سحب الاستثمارات المالية للجامعات الأمريكية من الكيان الصهيوني. وهي مشاهد أعادت التذكير بجرائم الشرطة الأمريكية ضد المتظاهرين الرافضين لحرب فيتنام، وبجرائم تلك الشرطة ضد مواطنين أمريكيين من أصول إفريقية…
لقد انكشف مدى زيف ادعاءات القادة الأمريكيين بشأن الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، ومدى خداع أحاديثهم عن أن الولايات المتحدة هي البلد الذي يحافظ على القانون الإنساني الدولي، وأنها المؤهلة وحدها لقيادة النظام العالمي، إذ الدول الأخرى غير ديموقراطية ولا تحترم حقوق الإنسان.
لقد اقتحمت الشرطة الجامعات وفضت الاعتصامات بالقوة واستخدمت مختلف وسائل القمع لمجرد أن أعلن الطلاب احتجاجهم على السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية.
وخلال الأحداث بدى واضحا أن الشرطة الأمريكية تعتمد نفس الألاعيب الدعائية والإعلامية التي تعتمدها الشرطة في ما يوصف بالعالم الثالث، إذ جرى فض الاعتصامات وممارسة الاعتداء الجسدية على الطلاب وجرى اعتقال المئات منهم بذريعة وجود مندسين ومحرضين من خارج الجامعة.
لقد أصابت تلك الأحداث صورة الولايات المتحدة في مقتل، كما كشفت كيف جرت وتجري أعمال السيطرة على الحكم والإدارة من قبل مواليين ممولين من اللوبي الصهيوني.
وبذلك بات جليًا أن غزة بصمودها وتضحياتها باتت تلعب دورا حتى في تحرير المجتمع الأمريكي من حكم ديكتاتوري الجوهر، كما حررت عقول شعوب العالم من أوهام الشعارات الأمريكية.
ودور غزة الآن هو دور غير مسبوق، إذ لم تفلح الدعاية الأمريكية والصهيونية في شيطنتها عبر الترويج لأكاذيب “محبوكة” تنطلي على الرأي العام، كما حدث في مناسبات وأحداث وحروب سابقه.
فغزة بقعه محاصرة لسنوات طوال من جيش احتلال يمارس جرائمه منذ أكثر من 70 عامًا. ومقاومتها كانت قد أعدت نفسها لمواجهة كل الدعايات والأكاذيب التي جرت في حروب واعتداءات سابقه. وهي صنعت سلاحها بأسنانها، ولا تملك لا طائرات ولا دبابات ولا يمكن الادعاء بامتلاكها أسلحه نووية أو كيماوية، بما أظهر التفوق الحاسم للطرف المعتدي. كما هي حركة مقاومة تحاول تحرير أرضها وشعبها.
وغزة قدمت آلاف الشهداء وتحملت أعمال قصف تفوق ما أستخدم في القصف النووي. ومشاهد قتل الاطفال والنساء تهز القلوب ولا يمكن تبريرها. كل ذلك ساهم في إفشال مخططات شيطنتها.
وكذلك، فالزمن قد تغير، إذ وسائل التواصل الاجتماعي تختلف آلياتها عن الإعلام المتلفز القديم، إذ تقوم فلسفتها على تعبير الأفراد وعلى التواصل بين الفرد والآخر على اتساع المجتمع الإنساني الذي اضمحلت فيه تأثيرات فوارق اللغات بشكل حاسم، بعد ظهور الترجمة الآلية.
غزة باتت عنوانًا لانحسار مفاعيل القوة الناعمة الأمريكية في العالم وفى الداخل الأمريكي أيضا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى