أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

كذبة سمجة أسمها حرية الصحافة في العراق

منظمة مراسلون بلا حدود تصنف العراق في ذيل قائمة حرية الصحافة والتعبير على مستوى العالم لعام 2024.

بغداد ــ الرافدين
حذر عاملون في مجال الصحافة بالعراق من تصاعد الانتهاكات التي تطالهم خلال عملهم اليومي نتيجة النهج العدواني المتبع لدى حكومات ما بعد الاحتلال المتعاقبة والميليشيات تجاه حرية التعبير عن الرأي.
وأكدوا بمناسبة اليوم الدولي لحرية الصحافة في الثالث من أيار، على أنه لا يمكن مقارنة حرية الصحافي في العراق برفاقه في العالم، بدليل أن النظام الحاكم يحاول شرعنة القوانين التي تضمن مواد مقيدة للحريات ووضع العراقيل أمام التعبير عن الرأي، لتقمع حقًا يكفله الدستور والقوانين المتعلقة بحرية الصحافة وهو حق الحصول على المعلومة للمتابع والصحافي بالدرجة الأولى.
وتحتفي دول العالم بمناسبة العالمي لحرية الصحافة بالوقت الذي تتعرض فيه حرية الصحافة في العراق إلى تهديد صارخ من قبل السلطات السياسية بالبلاد.
وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993 الثالث من أيار من كل عام يومًا عالميا لحرية الصحافة، ليكون فرصة للاحتفاء بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، وتقييمها في كل أنحاء العالم، والدفاع عن وسائط الإعلام أمام الهجمات التي تشن على حريتها، والإشادة بالصحفيين الذين فقدوا أرواحهم في أثناء أداء واجبهم.
وبحسب تقارير دولية ومحلية فإن الصحافيين والصحافيات في العراق يعانون من مضايقات مستمرة وعدم إصغاء الحكومة لمعوقات العمل الصحافي، وكذلك عدم اتخاذها أية إجراءات تسهم ولو قليلاً في الحد من هذه الانتهاكات، التي باتت جزءًا من حياة الصحافيين والصحافيات.
وتحدثت التقارير عن وجود أنماط سياسية غير منسجمة مع روح وجوهر الدستور الذي يزعم حماية العمل الصحفي مما أدى إلى عدم الاكتراث بارتفاع مؤشرات الانتهاكات ضد الصحافيين.
ووثقت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق وهي منظمة عراقية غير حكومية أوضاع الصحفيين وحرية العمل الصحفي بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة.
ورصدت الجمعية “ارتفاعًا مخيفًا” في حالات الاعتداء بالضرب ومنع التغطية وعرقلتها من قبل الجهات الأمنية والحمايات الخاصة والشركات الأمنية الأمر الذي يشكل قلقا مضاعفًا إزاء مستوى حرية العمل الصحفي المتدهور في العراق.
ولاحظت أن هذا النوع من الاعتداءات بات يسجل بشكل يومي، ولم تخل محافظة عراقية من عملية منع التغطية أو الاعتداء بالضرب.
ووثقت الجمعية في تقريرها وجود 333 انتهاكًا للعاملين في المجال الصحفي، توزعت بين الاحتجاز والاعتقال والإصابات، فضلًا عن مداهمة أو اقتحام أو هجوم مسلح ضد منازل الصحفيين ومقار وسائل الإعلام، واعتداء بالضرب ومنع أو عرقلة العمل ورفع دعاوى قضائية، حيث نال صحفيو بغداد وأربيل والبصرة القسم الأكبر منها.
وأوصت بضرورة إيقاف محاولات هيئة الإعلام والاتصالات لقمع حرية العمل الصحافي بناء على أمزجة سياسية واضحة على حد تعبيرها.
ويكشف التدهور الخطير في الحريات بشكل عام بالعراق حقيقة حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، التي تفاقم القلق المتصاعد جراء ارتفاع وتيرة الاحكام القضائية وأوامر القبض والاستقدام والحكم الغيابي ضد الصحفيين وفقًا للقوانين التعسفية.
وحل العراق بالمرتبة 169 عالميًا بحرية الصحافة من أصل 180 دولة في حرية الصحافة بحسب تصنيف لمنظمة مراسلون بلا حدود في تصنيفها لحرية الصحافة للعام 2024، متراجعًا بدرجتين عن العام 2023.
ونددت المنظمة غير الحكومية خصوصًا “بغياب واضح للإرادة السياسية من جانب المجتمع الدولي لإنفاذ المبادئ المتعلقة بحماية الصحافيين.”
وتشير البيانات التي اعتمد عليها تقرير المنظمة إلى تراجع نقاط العراق في المؤشر السياسي من 39.2 الى 20.6، وتراجع المؤشر الاقتصادي من 28 الى 22.1، وتراجع المؤشر الاجتماعي من 36 الى 29.4 نقاط، وتراجع مؤشر الأمان من 29.9 الى 28.6.
ويصف تقرير مراسلون بلا حدود العراق بأنه يعيش بين الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي والاحتجاجات، حيث يواجه الصحفيون تهديدات من جميع الجهات في ظل ضعف الدولة التي تفشل في واجبها في حمايتهم.
وسبق أن وثقت بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” حالات المضايقة والترهيب الجارية وكذلك حالات الانتقام التي تتم سواء بالوسائل القانونية أو بالعنف ضد أولئك الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير.
وطالبت السلطات في العراق بإيجاد آلية لحماية الصحفيين العراقيين من آلة القمع التي تهدد حياتهم.

ياسر السالم: الصحفيون في العراق يواجهون صعوبات بالغة من أجل الوصول إلى المعلومة، مع انعدام تام لشفافية المعلومات المقدمة لهم

وتتردد كذبة كبيرة بهيئة مزحة اسمها “حرية الإعلام” بصفتها بندًا مضمونًا في تقاليد الدولة وجزءًا من ديمقراطيتها، فإذا كانت الصحافة بالعالم تعيش زمنًا ليس عادلًا بحقها فإنها في العراق تتحول إلى مجرد اسم بمضمون هش.
ويصعب أن نجد مفهوم دولة في العراق كي نتحدث بعدها عن صحافة وفق الحكمة التاريخية التي تتضمنها الدساتير في العالم التي تفضل دولة بلا حكومة على دولة بلا صحافة، فحتى الذين يدافعون عن فكرة الدولة بشكل رسمي أمام وسائل الإعلام والضيوف الزائرين للعراق، يعجزون عن إيجاد مسوغ واحد أمام أنفسهم يجعلهم يصدقون وجود دولة منذ احتلال العراق عام 2003، يبدو أن هذا العجز سيبقى متصاعدًا ومستمرًا.
ودخل “العراقيون” عصر التلفزيون الفضائي من باب الرداءة الرثة بعد عام 2003، فحين أوقف التلفزيون الرسمي للدولة المنهارة بعد الاحتلال وظلت شبكات البث معلقة لم يتقدم أحد لالتقاط موجة تشغيلها حتى جاء حفارو القبور وتجار الدعارة والطائفة لصوص الدولة، ليكون التلفزيون بيدهم بلا قيمة معرفية أو فائدة أو صناعة رأي على درجة من المنطق المقبول. بينما تمت محاصرة القنوات الفضائية المستقلة التي تتبنى الخطاب الوطني الرافض للاحتلال الأمريكي وخطف الدولة من قبل أحزاب وميليشيات إيران في العراق.
وتساءل الكاتب العراقي كرم نعمة “كيف يمكن إنقاذ الإعلام العراقي”.
ويرى نعمة الذي أصدر كتابًا بعنوان “السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي” ذلك لن يكون متاحًا من دون الوصول بالعراق إلى المعادلة الصفرية، لأن العملية السياسية بنيت على فرضية غير وطنية، وذلك ما ترتب عليه إعلام غير مخلص لجوهر الصحافة، وتعليم وثقافة وفن.
وقال “ذلك لا يعني أن نبقى مكتوفي الأيادي بذريعة أننا لا نستطيع عمل شيء، لا أبدًا، علينا أن نصنع خطابنا البديل كما يحدث الآن في مساحات وسائل التواصل، ومثالنا شباب ثورة تشرين جيل لم يمنح الفرصة الطبيعية لحياة طبيعية رفع أحد أهم وأعمق الشعارات “نريد وطنًا” وغير كل الأفكار والتوقعات أن الشخصية العراقية خاملة لأحزاب وميليشيات طائفية.
وتؤشر الانتهاكات المنهجية والعدوانية التي تستخدمها السلطات الحاكمة في ملاحقة الصحفيين، إلى خفض سقف حرية العمل الصحفي الذي يواصل التدهور بعد فرض القوى الحاكمة سيطرة شبه مطلقة على جميع الهيئات المستقلة والكيانات التي ضمن دستور ما بعد الاحتلال المزعوم استقلالية القرار بهذه المنظمات.
وتبرز الهيئات المستقلة الحكومية والنقابات الصحفية هي الأخرى كأدوات ساندة لمنهجية الترهيب والقمع بحق الصحفيين، وتعرضها لوصايات خارج سياقات عملها، فضلًا عن حجب مواقع خبرية ومجموعات صحفية لإرضاء النافذين في السلطة، حيث ينال بعض الصحفيين جزاء إطلاق رأيه “المكفول دستوريًا”، عقوبات الفصل والنقل، فضلًا عن تهميش وإقصاء من قبل رؤساء بعض المؤسسات الصحفية.
وحذر الصحفي والناشط في مجال حرية الصحافة ياسر السالم، من استمرار تصنيف العراق ضمن الدول عالية الخطورة على الصحافيين بسبب غياب الاستقرار السياسي والأمني، وبسبب منظومة القوانين المتعلقة بحرية العمل الصحافي.
وأضاف أن الصحفيين يواجهون صعوبات بالغة من أجل الوصول إلى المعلومات، أما بالنسبة إلى شفافية المعلومات المقدمة فالمسألة شبه منعدمة، وإن حصل وتوافرت المعلومات فقد ينطوي نشرها على أخطار كبيرة تصل في بعض الأحيان إلى التهديد والمضايقات، وصولًا إلى التصفية الجسدية التي بسببها خسرنا كثيرًا من الصحفيين المؤثرين.
وأشار إلى أن بيئة العمل الصحفي في العراق لا توفر الحماية للصحفيين، سواء من خلال مؤسساتهم أو المؤسسات المعنية في الدولة.
وتتنافى المنهجية الميليشياوية والملاحقات غير القانونية وعمليات إقصاء الصحفيين مع وعود رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني الذي تعهد بحماية حرية الإعلام وترسيم الديمقراطية مما يجعله موضع اتهام بسبب العديد من الانتهاكات المسجلة والموثقة لدى الكثير من المنظمات المعنية بحقوق الصحفيين بالعراق.
ويرافق عمليات الترهيب والتنكيل حالات بث الرعب في نفوس الصحفيين بهدف إخضاعهم إلى ما تسعى له حكومة السوداني في تمجيدها ونفخ منجزاتها الهشة وإيقاف معارضتها.

التدهور الخطير في حرية التعبير يكشف حقيقة حكومة الإطار التنسيقي
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى