الإهمال يقصي الثروات الطبيعية من الخطط الاستثمارية في العراق
أوساط اقتصادية تؤكد عجز الحكومات المتعاقبة بعد 2003 عن استثمار الموارد الطبيعية المتنوعة تحت باطن الأرض ما تسبب بضياع فرصة مميزة في تحقيق قفزة تنموية بمختلف القطاعات إلى جانب الخروج من عباءة الاعتماد على النفط والاقتصاد الريعي.
بغداد – الرافدين
حث خبراء اقتصاديون وجيولوجيون على استثمار الثروات الطبيعَية الهائلة التي يمتلكها العراق بشكل علمي ومنهجي لإخراج البلد من دوامة الاقتصاد “الريعي أحادي الاتجاه” المتمثل بالنفط لانتشال العراقيين من دوامة الفقر والبطالة عبر تنويع الواردات وتحقيق التنمية المستدامة.
وأجمع الخبراء على تحميل السلطات الحكومية مسؤولية تأخر العراق في استثمار موارده وثرواته الطبيعية المتنوعة التي من شأنها تحقيق قفزة في التكامل بمختلف القطاعات لاسيما الصناعيَّة والزراعيَّة والتجاريَّة.
ووفق تصنيف المؤسسات الاقتصادية الدولية، فإنَّ العراق يأتي في المرتبة التاسعة عالميًا من حيث امتلاكه للثروات الطبيعية الخام بقرابة 16 تريليون دولار.
وأظهرت تقديرات موقع (Statist) الدولي الاقتصادي المتخصص، امتلاك العراق 15.9 تريليون دولار من الموارد الطبيعية، نظرًا لما تحتويه تضاريسه الصحراوية على النفط والغاز الطبيعي والفوسفات والكبريت.
وبحسب الموقع المتخصص فإن الموارد الطبيعية هي المدخلات الخام المستخدمة في صنع كل ما يستخدم، من السلع الوسيطة إلى المنتجات النهائية، وتوجد هذه الموارد في الأرض بين الاحتياطيات التي لم يتم استخراجها بعد إضافة إلى الخزين النفطي الهائل الذي يمتلكه العراق.

ويرى رئيس “المركز الإقليمي للدراسات” علي الصاحب أنَّ “العراق يمتلك الكثير من الموارد الطبيعية المهمة، وخاصة المواد غالية الثمن كالكبريت والزئبق إضافة إلى الغاز والفحم وغيرها، وبالتالي كان من الممكن أن يغادر العراق ما يسمى (العلّة الهولندية) من حيث اعتماده على النفط وحده، إضافة إلى إمكانية تحقيق زيادة كبيرة في مدخولاته المالية التي من شأنها رفع القدرة الشرائية للفرد العراقي”.
ونوّه الصاحب إلى أن “استثمار العراق لهذه المعادن والغاز بالإضافة إلى البترول- وهو يمتلك ثاني احتياطي نفط بالعالم- يؤهله لأن يكون من البلدان الغنية، بالرغم من أنَّ الواقع المعيشي للفرد العراقي يشهد انعكاسات سلبية لوجود منظومة فساد تنخر الجسد العراقي وتضرب مؤسساته”.
وأضاف أنَّ “العراق لا يمتلك- خاصة بعد 2003- الأجهزة والمعدات القادرة على استخراج تلك الثروات المدفونة في باطن الأرض، لكن باستطاعته التعاقد مع كبريات الشركات العالمية المختصة بهذا الشأن كي تحقق له قفزة نوعية في المجالات الاقتصادية وحتى الصناعية، وبهذا الإجراء يكون قد ابتعد ولو جزئيًا عن الاعتماد على الريع النفطي”.
بدوره يؤكد خبير الطاقة كوفند شيرواني، أن “الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية جعل العراق يهمل الثروات الأخرى، علما أن هذه الثروات مشخصة وفيها مسوحات مثبتة في دائرة المسح الجيولوجي التابعة لوزارة الصناعة، لكن النفط، هو الطاقة المكتشفة منذ العشرينات من القرن الماضي والعائدات الكبيرة لها، جعل الاهتمام ينصب عليها دون غيرها”.
وأضاف شيرواني، أن “العراق أهمل الغاز الطبيعي أيضا، وهو جزء من الثروة الهيدروكربونية، فهذه الثروة لم تر الاهتمام الكافي إلا مؤخرًا على الرغم من أنها مكملة للنفط”.
وأشار إلى أن “المعادن في العراق كثيرة ومثبتة أماكنها في المسوحات لذا يجب أن تخصص لها برامج وموازنات إلى جانب الاستعانة بالخبرات لاستثمارها”.
وينوه خبير الطاقة إلى أن “القيم الاقتصادية لهذه المعادن ارتفعت كثيرًا خلال الفترة السابقة، وسابقًا كان التركيز على عناصر معينة كالحديد والنحاس والفضة وغيرها، لكن الآن ظهرت مواد أخرى لا تقل قيمة عنها بل تتجاوزها كاليورانيوم والمواد المشعة، ومؤخرا برز الليثيوم الذي بدأ يدخل في صناعة البطاريات والسيارات وغيرها من الصناعات”.
ويؤكد شيرواني، الحاجة إلى “مسوحات مكثفة لتقصي وجود هذه الثروات والمعادن التي ارتفعت قيمتها في ظل وجود الخبرات التي من الممكن رفدها أيضًا بالخبرات الأجنبية والشركات المتخصصة بالتنقيب والاستخراج”.

ويمتلك العراق إلى جانب الاحتياطي النفطي المقدر بنحو 150 مليار برميل واحتياطي الغاز الطبيعي الذي يصل إلى 1.9 بالمائة من الاحتياط العالمي معادن ومواد خام كالكبريت الحر، ومخزون صناعي ضخم للفوسفات يؤهل العراق ليكون في المرتبة الثانية عالميًا، إضافة إلى ثروات طبيعية أخرى مثل الملح وكبريتات الصوديوم وحجر “الكلس” و”الدولومايت”، إلى جانب رمال السيليكا “الكوارتزايت” ومئات المواقع الهيدروكربونية التي لم يتم التنقيب فيها.
ويشير الخبير الجيولوجي الدكتور خلدون صبحي البصام إلى إن العراق يمتلك كميات تبلغ 600 مليون طن من الكبريت الحر، 60 بالمائة منه قابل للاستخراج، حيث لم يتجاوز الإنتاج مليون طن سنويًا ولا يوجد تحرك جدي لإعادة تنشيط حقول المشراق واللزاكة في محافظة نينوى.
وتابع البصام أن “العراق يملك أيضًا ثروة للفوسفات في منطقة عكاشات بمحافظة الأنبار، حيث تقدر الاحتياطيات الصناعية المتوفرة بكمية 10 آلاف مليون طن بينما لم يتجاوز الإنتاج في أحسن الظروف مليوني طن سنويًا ومن موقع واحد متوقف منذ أعوام عن العمل”.
وبيَّن أن “العراق يأتي بعد المغرب بخزين الفوسفات، ولكن هذا ليس كل الاحتياطي، ففي حال استمرار أعمال الاستكشاف من الممكن العثور على كميات أكبر”.
وذكر الخبير الجيولوجي أن “هناك عناصر ومصادر طبيعية يملك العراق كميات وفيرة منها وتدخل في صناعات مهمة منها الحديد الرسوبي بكمية 60 مليون طن والذي يستعمل في صناعة الإسمنت، وكبريتات الصوديوم بكمية 22 مليون طن وتدخل في صناعة الزيوت النباتية والزجاج، لكن معملها متوقف عن الخدمة، كما أن التحريات تشير إلى وجود 8 آلاف مليون طن من حجر الكلس غير مستثمرة في محافظات الأنبار والمثنى والنجف وكردستان العراق”.
وأشار إلى احتواء صحراء الأنبار غربي العراق على كمية 7 آلاف مليون طن من رمال السليكا التي تدخل في صناعة الزجاج والسيراميك والحراريات والصناعات السلكونية الحديثة في حين لم يتجاوز الإنتاج 50 ألف طن سنويًا إلى جانب 16 مليون طن من الكوارتز في الأنبار كذلك وكميات من الرصاص والنحاس في دهوك والسليمانية غير المستغلة لحد الآن”.
بدوره يؤكد الخبير البيئي والجيولوجي حمزة رمضان “وجود دول تعيش انتعاشًا اقتصاديًا لامتلاكها موردًا طبيعيا أو اثنين، لكن العراق لا يصل إلى إمكانياتها مع امتلاكه موارد طبيعية تحتوي على الوفرة والتنوع، إلى جانب الخزين النفطي الهائل من النفط”.
وإزاء هذه الوفرة من الموارد اكتفى العراق، بحسب الخبير الجيولوجي، بـ”دراسات جيولوجية أولية لم تكتمل بسبب عدم الاستقرار السياسي على مدى العقود الماضية، وهذه الدراسات لم تعط نتائج كافية”.
ويشدد رمضان على ضرورة الاهتمام بـ”التعدين وفتح الأقسام العلمية والكليات الخاصة بذلك إضافة إلى دعم الاستكشاف ومنحه اللازم، فهناك الكثير من أصحاب الأراضي يمنعون الاستكشاف بسبب ضعف الدولة والقانون ويهددون أي نشاط استكشافي في أراضيهم”.
ويشير متخصصون في الشأن الاقتصادي إلى أن هذه الثروات الطبيعية التي تقدر بتريليونات الدولارات تؤهل العراق لأن يكون لديه اقتصاد قوي من خلال تبني أهداف استراتيجية، وصولًا إلى تحقيق الرخاء الشعبي، بعد أن بلغت القيمة السوقية للثروات العراقية مراتب كبيرة في حين لم ينعكس ذلك على واقع المواطن.
وفي هذا السياق يشير الباحث الاقتصادي بسام رعد إلى أن “الثروات الطبيعية تعد مفتاح التقدم الاقتصادي والاجتماعي في حال وضع استراتيجية طويلة الأمد لسياسة الاستثمار المعدني لهذه الثروات”.
وأوضح أن “هذه الثروات الطبيعية العراقية التي تقدر بتريليونات الدولارات تؤهل بغداد لأن تكون اقتصادًا قويًا من خلال تبني أهداف استراتيجية كسرعة وزيادة الإنتاج والتصدير وكفاءة إدارة وإنفاق العائدات والنجاح في الاستثمار في البنية التحتية وصولًا إلى تحقيق الرخاء الشعبي”.