أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

ارتفاع عدد المصابين بـ “الإيدز” في العراق إلى 21 ضعفًا خلال العقد الأخير

مختصون في علم الأوبئة يعزون أسباب انتشار الإيدز في العراق إلى انتشار مراكز التجميل والعلاقات غير الشرعية لمسافرين يقصدون بلدانًا يتفشى فيها المرض فضلًا عن غياب شروط النظافة والتعقيم في المراكز الطبية التخصصية.

بغداد – الرافدين
حذرت أوساط طبية من تداعيات ارتفاع نسب الإصابة بمرض العوز المناعي “الإيدز” في العراق خلال الربع الأول من عام 2024 بالمقارنة مع الأرقام المسجلة خلال السنوات العشر الماضية وسط حديث عن علاقة بين ارتفاع معدلات الإصابة بالمرض وانتشار المراكز التجميلية.
وأكدت مصادر طبية تسجيل 2638 حالة بينها 470 حالة وفاة في المرض خلال الأعوام الماضية بالتزامن مع الإعلان عن تسجيل محافظة بابل وحدها 27 إصابة بالمرض خلال أربعة أشهر فقط بمعدل إصابات يبلغ 6.7 إصابة بالإيدز كل شهر، وبمجموع إجمالي قد يصل إلى 80 إصابة سنويًا.
وقالت المصادر إنه إذا ما تمت مقارنة هذا الرقم من الإصابات، بعدد الإصابات المكتشفة سنويًا في العراق، فإن معدل إصابات الايدز خلال السنوات القليلة الماضية يظهر تصاعدًا مستمرًا يصل إلى عتبة 400 إصابة سنويًا في عموم العراق بالمقارنة بثمانين إصابة متوقعة خلال عام واحد في بابل وحدها.
وأضافت أن إجمالي ما سجلته محافظة بابل من إصابات بمرض الإيدز خلال عام 2022 بلغ 19 إصابة بالمقارنة مع 27 إصابة خلال أربعة أشهر فقط من العام الحالي وهو رقم يستوجب الانتباه والريبة.
وتابعت أن هذه المقارنة مقلقة وتعكس فعليًا مدى انتشار الإيدز ربما خلال العام 2024 الذي قد يكون “عام الإيدز في العراق”، بسبب تواتر البيانات والمؤشرات والأرقام عن وجود حركة تفشٍ من نوع ما للإيدز في أكثر من محافظة منذ مطلع العام الحالي.
ولفتت المصادر الطبية إلى أن تصاعد الحديث عن تفشي الإيدز في المحافظات العراقية منذ مطلع العام الحالي، يرتبط بمدى مراقبة الأرقام وتصاعدها بعد ارتفاع نسبة الإصابات بالمرض إلى 21 ضعفًا خلال عقد واحد، أي خلال السنوات العشر الماضية بين 2012 و2022.
وسجل العراق 10 إصابات فقط خلال عام 2010 قبل ارتفاعها تدريجيًا حتى وصل معدل الإصابات السنوي بين 2013 و2015 إلى 20 و29 إصابة سنويًا.
ثم عاد المعدل ليرتفع في 2016 ويتم تسجيل 55 إصابة، بينما جرى تسجيل 96 إصابة في عام 2017، في حين شهد عام 2018 تسجيل 124 إصابة، بينما جرى تسجيل 157 إصابة خلال عام 2019.
وفي 2020 جرى تسجيل 200 إصابة بعموم العراق، بينما جرى تسجيل 329 إصابة في 2021 وكان إجمالي الإصابات 430 إصابة خلال العام 2022.

مختصون يحذرون من تحول مراكز التجميل في العراق إلى بيئة خصبة لانتقال عدوى الإيدز

وكان مصدر طبي مطلع بمحافظة ذي قار، كشف في السادس والعشرين من كانون الثاني 2024، أن “إصابات الإيدز الموثقة في سجلات دائرة صحة ذي قار تبلغ 200 إصابة غالبيتها لأشخاص أعمارهم دون الـ45 عامًا، أي ضمن فئة الشباب”.
ولفت المصدر الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه ومنصبه الوظيفي إلى أن “هذا الرقم يضرب بمائة للأشخاص غير المسجلين بشكل رسمي ما يعني وجود 2000 مصاب بمرض الإيدز يتجول في المحافظة دون أي علاج”.
وكشف إن “غالبية الإصابات كانت لأشخاص زاروا جمهورية أذربيجان في وقت سابق، حيث تعد هذه الدولة مصدرًا للمرض”.
وأوضح أن “ذي قار كانت لديها إصابتين فقط مسجلة بشكل رسمي قبل 15 عامًا، إلا أن الانفتاح على بقية الدول والسفر أدى لهذا الارتفاع المرعب بأعداد المصابين بهذا المرض الخطير”.
ويعلق رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية النائب ماجد شنكالي على ارتفاع أعداد المصابين بمرض النقص المناعي بالقول إن “الأرقام المعلنة تشمل أعداد المسجلين فقط بينما عدد غير المسجلين أكثر بكثير، فمرض الإيدز ينظر إليه مجتمعيًا على أنه وصمة عار”.
وأضاف “لكن على الرغم من ذلك فإن العراق ضمن الإصابات الأقل في العالم، إذ إن عدد سكانه 42 مليونًا وأن نسب الإصابات فيه قليلة جدًا مقارنة بالنسب العالمية”.
ولفت إلى أن فحص الإيدز متاح في المختبرات الحكومية والأهلية، إلا أن المصابين حتى ولو أُثبتت إصابتهم لا يسجلون لدى الجهات الحكومية لتلقي العلاج خوفًا من العرف الاجتماعي فضلًا عن أن أعراض المرض غير معروفة عند العراقيين ونحتاج إلى توعية بها”.
وشدد رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية على ضرورة أن تكون هناك إلزامية في الفحوصات كما كان معمولاً به زمن النظام السابق ويجب أن نلجأ إلى الوقاية لأن غالبية الإصابات المسجلة من المسافرين خارج العراق، فأسباب انتقال المرض واضحة.
بدوره يتحدث المختبري أيمن سعد عن أن “فحوصات الإيدز متوافرة في المختبرات الخاصة، إلا أنها تفتقد إلى الدقة وأن الفحص الدقيق للكشف عن الفيروس موجود في المختبرات الحكومية، لا سيما مختبر الصحة المركزي في بغداد”.
وأشار إلى صعوبة تبليغ المصاب بإصابته بالفيروس بسب رد فعله الهستيري حين يعلم.

العلاقات غير الشرعية والسفر لبلدان يتفشى فيها الإيدز وراء ارتفاع معدلات الإصابة بمرض النقص المناعي في العراق

ويرجع مختصون أسباب ارتفاع معدلات الإصابة بالإيدز إلى انتشار مراكز التجميل والوشم بشكل كبير بين النساء والرجال، فضلًا عن ممارسة العلاقات الجنسية غير الشرعية إلى جانب غياب الوقاية عند أطباء الأسنان الذين باتوا كذلك في دائرة المتهمين بالتسبب بتفشي المرض.
ويعزو المختص بالأمراض الفايروسية الدكتور زهير النجار ارتفاع الإصابات بمرض الإيدز إلى “ازدياد مراكز التجميل غير المرخصة التي تعمل على تقديم (الوشوم) ضمن خدماتها”.
وتابع أن “هذه المراكز غالبًا ما تستعمل أجهزة غير معقمة ولا تستبدل رؤوس الأجهزة (الإبر) فتستعملها على أكثر من شخص”.
ويتفق أخصائي الأمراض الانتقالية والوبائية، الدكتور حيدر علي حنتوش مع ما ذهب إليه النجار بالقول إن “الإيدز قد ينتقل من الدم سواء من خلال تدخلات جراحية أو عند استقبال الدم من مصاب، فضلًا عن محلات الأوشام وقبل ذلك قد ينتقل من الأم إلى المولود عن طريق المشيمة في الرحم أثناء الحمل ويسمى هذا (الانتقال العمودي) أو قد ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي”.
وأضاف أن “أكثر الأعمار المعرّضة للإصابة بمرض الإيدز هي من 25 إلى 40 عامًا، ويتميز الفيروس بفترة حضانته الطويلة جدًا التي تصل إلى 10 سنوات”.
وتابع “قد لا يعلم الشخص المصاب بإصابته في البداية إلا بعد ضُعف جهازه المناعي، إذ إن الفيروس يستهدف الجهاز المناعي للجسم (الخلايا الدفاعية) وعندها يكون الشخص معرضًا للوفاة عند الإصابة بأي التهاب ومرض، حتى الإنفلونزا قد تكون قاتلة له”.
وبحسب الجهات الصحية العراقية الرسمية، فإن “مرض الإيدز ظهر للمرة الأولى في البلاد عام 1986 نتيجة تسلم عدد من المواطنين المصابين بنزف الدم الوراثي للعامل الثامن المستورد من فرنسا، وكانت الوجبة المستوردة ملوّثة بهذا الفايروس وأصيب في حينها 286 شخصاً”.
وتعاقدت وزارة الصحة العراقية في ثمانينات القرن الماضي مع شركة “ماريو” الفرنسية لتوريد فاكتر 8 وفاكتر 9، اللذان يعملان على تخثر الدم لمرضى الهيموفيليا.
وفي العام 1986 دخل المصابون بمرض الهيموفيليا إلى مستشفيات بغداد لتلقي العلاج الفرنسي الذي استوردته وزارة الصحة من شركة ماريو المنتجة لهذه الأمصال، لكن سرعان ما تحوّلت إصاباتهم إلى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، فبدأوا يموتون الواحد تلو الآخر.
واتضح فيما بعد أن الشحنة التي أرسلتها الشركة الفرنسية كانت مُحمّلة بدم ملوّث بفايروس الإيدز، فسجل العراق في العام نفسه أول إصابة بهذا المرض، في وقت لم يكن يمتلك حينها أي برنامج خاص بعلاج هذا المرض، فتفشت العدوى بين المرضى الذين نقل إليهم الدم الملوّث.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى