أدوية فاسدة تدخل عبر المعابر ويزّور تاريخ صلاحيتها داخل العراق
محافظة ديالى المحاذية لإيران تحولت إلى ممر رئيس لتجارة سوداء أدوية مجهولة المصدر بعد ضبط 200 طن خلال ثمانية أشهر
بغداد – الرافدين
أقرت نقابة الصيادلة أن الأدوية الفاسدة تدخل عبر المعابر وبأن تاريخ الصلاحية يتم تزويره داخل العراق.
وقال النائب الثاني لنقيب الصيادلة أنيس الجبوري أن مشكلة الأدوية مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية يعاني منها العراق منذ فترة طويلة وهي نتيجة تراكمات كبيرة وهناك عدة أسباب لذلك وبما يخص انتهاء الصلاحية فإن التاريخ يزور داخل البلاد.
وأضاف الجبوري أن “السبب الأول لوجود الأدوية منتهية الصلاحية هو دخولها وتهريبها عبر الحدود وهي لا تنتج داخل العراق وتدخل عبر المنافذ الحدودية حيث لا توجد سيطرة كاملة عليها، وضعاف النفوس يتاجرون بهذه الأدوية ويدخلوها للبلاد بشكل أو بآخر وهناك من يستقبل ويبيع هذه الأدوية في بعض الصيدليات”.
وبين أن “هناك دخلاء على مهنة الصيدلة الذين لا يمتلكون شرف المهنة وهمهم الأساسي هو تحقيق الربح ولو كان على حساب حياة وصحة المرضى من المواطنين الذين يستخدمون العلاجات لشفاء أمراضهم وأوجاعهم وهم لا يعرفون بأنه منتهي الصلاحية وأنه غالبًا يكون غير فعال ولا يحقق لهم النتيجة المرجوة من العلاج”.
وكشفت دائرة صحة ديالى عن حجم ما أسمتها بـ “الشحنات السوداء” التي ضبطت خلال ثمانية أشهر من الأدوية المهربة.
وقال مدير إعلام صحة ديالى فارس العزاوي إنه “خلال ثمانية أشهر تم ضبط شحنات أدوية مهربة غير مفحوصة وأغلبها من مناشئ مجهولة تزيد عن 200 طن”.
وأشار العزاوي إلى أن “الشحنات السوداء في إشارة إلى تهريب الأدوية بات أشبه بتجارة تستغل من قبل بعض ضعاف النفوس من أجل كسب مضاعف للمال دون الاكتراث لخطورتها على حياة المرضى خاصة وأن أغلبها غير مفحوصة والبعض الآخر نافذ الصلاحية والأخطر هناك أدوية مجهولة المنشأ”.
وأقرت رئيسة لجنة الصحة في مجلس ديالى السابق نجاة الطائي، بأن “تهريب الأدوية تقوده مافيات متنفذة، للدرجة التي تحولت فيه المحافظة إلى ممر رئيس للتجارة السوداء”.
وأضافت أن “تهريب الأدوية لا يقل خطورة عن تهريب المخدرات”، مبينة أن “جزءًا كبيرًا من هذه الأدوية مجهول المنشأ، ما يعني بأننا أمام أدوية غير معروفة التأثير ويمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على المرضى”.
وأشارت أن “هذه المافيات تحصد الملايين من هذه التجارة غير الشرعية”.
وبحسب الخبير الأمني أحمد التميمي أن موضوع تهريب الأدوية هو “أحد حلقات الفساد المتراكم، والذي يعطي الأوكسجين الذي يبقي هكذا ظواهر سلبية مستمرة منذ سنوات”.
وأوضح أن “عملية التهريب معقدة وهناك جهات عدة متورطة فيها”، مبينًا أن “معرفة من يقف وراء تهريب الأدوية يكمن من خلالها كشف من يهرب المخدرات وباقي الجرائم الأخرى، لأنها خيوط مرتبطة ببعضها البعض”.
وحمل عضو نقابة الصيادلة العراقيين حسن الفيلي وزارة الصحة مسؤولية إهمال ملف الأدوية الداخلة إلى البلاد، والتي تسبب مخاوف لدى المرضى، فضلًا عن مخاطرها الصحية، مؤكدًا أن “الوزارة تهمل الجانب الرقابي على الأدوية الداخلة، والتي تشكل نسب التهريب كميات كبيرة منها”.
وأوضح أن “المذاخر الطبية زاخرة بتلك الأدوية، وكثير من المواطنين يجبرون على شرائها بسبب الفارق الكبير بين أسعارها وأسعار الأدوية ذات المناشئ الرصينة والموثوقة”.
ويتفق عضو نقابة الأطباء العراقيين، ماهر الزيدي إلى ما ذهب إليه عضو نقابة الصيادلة حسن الفيلي أن وزارة الصحة تتحمل مسؤولية استمرار عمليات تهريب الأدوية، مؤكدًا خطورة تلك الأدوية على حياة المرضى.
وبين أنه “على مدى سنوات طويلة تنفذ الأجهزة الأمنية عمليات ملاحقة لمافيات تهريب الأدوية إلى العراق، وأن تلك العمليات لم تقض عليها”.
ولفت أن “قوة تلك المافيات في ارتباطاتها المعروفة للجميع بأحزاب وجهات متنفذة”، مشددًا على أنه “يجب على الحكومة أن تزيد من اهتمامها بالملف لما له من مخاطر صحية كبيرة، وأن تطبق القانون على تلك المافيات من دون أي مجاملات”.
ودعا وزارة الصحة إلى تشكيل فرق ميدانية تقوم بفحص الأدوية في المستشفيات والمذاخر والصيدليات ومنع استخدام غير الصالح منها.
وبدورهم حمل مواطنون وزارة الصحة في حكومة الإطار التنسيقي مسؤولية ارتفاع معدلات تهريب الدواء وانتشاره في الصيدليات.
وقالوا إن “الوزارة تشتري منذ فترات طويلة الأدوية من شركات بسعر مرتفع عما تشتريه دول الجوار بذريعة الأسباب الأمنية وبالتالي تختلف أسعار الأدوية من صيدليه إلى أخرى التي تشتري من المهربين ممن يشتري من دول الجوار”.
وتساءلوا لماذا لا تتوقف الوزارة عن التعامل مع هذه الشركات وتلتف إلى تأهيل شركات الأدوية الوطنية.
وطرحوا سؤالًا آخر قائلين: إذا لم يكن لنقابة الصيادلة القدرة على ضغط أصحاب الصيدليات والمذاخر ودوائر الصحة على منع أي واحد يعمل كمندوب علمي ليس من ضمن الاختصاص فما هو عملها؟.
ولفت آخرون أن المرضى يعانون من فقدان الكثير من الأدوية في المذاخر والصيدليات تحت ذريعة أنها غير مسجلة في العراق ومفحوصة، مشيرين أن أغلب تلك الأدوية لا بديل لها وإن وجد يكون من مناشئ رديئة جدًا.
وبينوا أن الإجراءات الحكومية تتسم بالفوضوية ما شجعت على زيادة معدلات تهريب الأدوية وبات يباع بسعر أغلى من السابق.
وأشاروا أن الامر لا يقتصر على الأدوية المهربة عبر الحدود، بل إن الأدوية المخصصة للمستشفيات تتسرب بدورها إلى بعض الصيدليات لتباع بسعر مضاعف.
وقال صيدلي اشترط عدم ذكر اسمه، أن هناك بعض الصيادلة يتعاملون مع عصابات تهريب الأدوية، التي تدخل البلاد بطرق قانونية كمساعدات خارجية عبر الحدود، مؤكدًا أن جهات متنفذة في وزارة الصحة ونقابة الصيادلة على علم بالأمر.
وألمح الصيدلي إلى طرق أخرى مختلفة يتبعها بعض موظفي المستشفيات الفاسدين لتحقيق أرباح، كتزوير وصولات تشير لنفاد الدواء، كذلك فإن كميات أخرى تخرج من مستودعات وزارة الصحة أو المستشفيات بقصد الإتلاف لانتهاء الصلاحية، لتصل في نهاية المطاف إلى الصيدليات، وقد تمر بعدة حلقات لتصل إلى المستهلك بأضعاف سعرها.