أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

موسم حصاد القمح يجهض آمال الاكتفاء الذاتي ويفند مزاعم السوداني بدعم الفلاحين

الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية في العراق يحمل "أياد خبيثة" مسؤولية استمرار حرائق الحقول الزراعية مع موسم الحصاد، بالتواطؤ مع عملاء لدول الجوار من أجل بقاء السوق رائجة لبضاعتهم المستوردة.

بغداد ــ الرافدين
أجمع مراقبون اقتصاديون ومراكز دراسات معنية بالقطاع الزراعي في العراق على التحذير من مخاطر الإضرار بمحاصيل الحنطة في ظل تجاهل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني لواقع الزراعة المتدهور في البلاد.
وشدد مراقبون على أن حالة السجال القائمة بين مزارعي الحنطة والحكومة لها مردود سلبي على المخزون الاستراتيجي بسبب صعوبة التحديد الدقيق لحاجات البلاد.
وحذروا من استمرار إهمال الحكومة لواقع الفلاحين المتدهور وغياب الرؤى المستقبلية الواضحة وهي عوامل تصيب الإنتاج الزراعي المحلي بالشلل.
وتنتهج حكومات ما بعد 2003 سياسة التجاهل المتعمد للفلاح العراقي فضلًا عن تقليص المساحات الأراضية خدمة لصفقات فاسدة تعمل على الاستيراد بدلًا من الاعتماد على المحاصيل المحلية.
وقال عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي الدكتور يحيى السنبل، إن الإهمال الذي يعاني منه الفلاح العراقي وعدم توفير الدعم اللازم يسري وفق خطط ممنهجة تقوم بها عصابات إجرامية لإرهاب الفلاحين في العراق.
وأكد السنبل في تصريح لقناة “الرافدين” أن الفلاح في العراق يعتمد على نفسه بشكل كامل في زراعة المحاصيل وحصادها ويعاني بشكل كبير في توفير المياه لها ومع ذلك فأن الحكومة لا توفر الحماية لهم وتجعلهم عرضة للمساومات من قبل المتنفذين.
ويعاني الفلاح العراقي من كوارث طبيعية واندلاع للحرائق بالتزامن مع بداية كل موسم حصاد لمحصول القمح لتكلف المزارعين مبالغ طائلة، والتي عادة ما تنسبها الجهات الحكومية إلى أسباب روتينية غير مقنعة كالتماس الكهربائي أو الانبعاثات الغازية وغيرها، فيما ينسبها مراقبون إلى فعل فاعل يريد إلحاق المزيد من الضرر بالمزارعين.
واندلع حريق كبير خلال أيام الحصاد الأولى في حقل لمحصول القمح مساحته 25 دونمًا في ناحية الحرية بمحافظة النجف، ولم تتمكن فرق الدفاع المدني من السيطرة على النيران بشكل كامل مما أدى إلى خسائر كبيرة بثلاثة دوانم زراعية.

الدكتور يحيى السنبل: الفلاحون يعتمدون على أنفسهم بشكل كامل في زراعة المحاصيل وحصادها ولا توفر لهم الحكومة الحماية وتتركهم عرضة للمساومات من قبل المتنفذين

وقال الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن، أن هناك تضارب بشأن حرائق محصول القمح وحجم الخسائر فالبعض يرى أنها بفعل فاعل، كما لم يتم التوصل لحد الآن إلى أن حرارة الطقس هي السبب باندلاع الحرائق.
وعزا أسباب الخسائر الكبيرة إلى الوصول المتأخر من قبل فرق الدفاع المدني إلى الحقول المحترقة.
وأشار إلى أن الجهات الحكومية لا تقوم بتعويض المزارعين المتضررين من الحرائق ما يضاعف من الخسارة.
ويرى الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية في العراق أن استمرار الحرائق مع بداية الصيف ومواسم الحصاد يقف وراء ذلك من يسميها “الأيادي الخبيثة” التي لا تريد لاقتصاد العراق النمو، سواء كانت من دول الجوار أو من يصفهم بـ”العملاء” من أجل بقائه سوقًا رائجة لبضاعتهم.
ووصف الاتحاد إهمال السلطات الحكومية للقطاع الزراعي بالحرب الجديدة، مبينًا أن الأزمات التي تواجه شريحة الفلاحين تهدد بفقدان إعمالهم ومصادرهم الاقتصادية.
وبالتزامن مع استمرار هذه الظاهرة فإن أكثر ما يثير القلق هو أن يواجه البلد أزمة اقتصادية بارتفاع أسعار الخبز المحلي وما يتعلق بالقمح والشعير، في ظل انخفاض المساحات الزراعية بسبب شح المياه والجفاف الذي يضرب العراق.
فيما تواصل وزارة التجارة الحالية بالهروب إلى الأمام من خلال حديثها امتلاك البلاد لكميات من القمح تكفي البلاد لهذا العام.
وقال وزير التجارة أثير داود سلمان الغريري، إن بلاده لا تخطط لاستيراد القمح في 2024 مع وجود مخزونات كبيرة في العراق تكفي لسبعة أشهر، مع توقعات بمحصول وفير خلال فترة الحصاد.
فيما خالفت السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانوفسكي هذا التوقع من خلال تصريح لها بشأن استيراد العراق من الحنطة لعام 2024.
وقالت في منشور في حسابها على منصة “إكس” هل تعلم أن العراق سيستورد 3.8 مليون طن متري من القمح لتلبية كافة متطلبات العراقيين من الخبز؟
وكشف نواب في البرلمان الحالي عن عدم جدية الحكومة بتوفير خزين استراتيجي من القمح، وخصوصًا أن المؤشرات الأولية كانت واضحة من خلال ضعف تنفيذ الخطة الزراعية بسبب الجفاف وشح الأمطار.
وأوضحوا أنه لا توجد خطوات عملية توازي حجم وخطورة المشكلة سوى الرهان على ما يسوقه الفلاحون خلال موسم الحصاد دون توفير الدعم اللازم لهم.
وحمل النائب أحمد الربيعي الحكومة مسؤولية إيجاد بدائل سريعة لتكوين خزين استراتيجي للبلاد يكفي فترات طويلة على غرار دول أخرى.
وأضاف أن الاقتصاد العراقي هش وليس بمستوى التحديات التي يشهدها العالم، فضلًا عن وجود الكثير من المشاكل التي تواجهه داخليًا وخارجيًا، مشيرًا إلى أن المؤسسات الاقتصادية الوطنية تحتاج إلى إصلاح وإعادة نظر في خططها لمواجهة التحديات المحلية والإقليمية.

الفلاح العراقي عرضة للاستغلال من قبل أصحاب النفوذ السياسي

ويعاني المزارعون العراقيون من مشاكل في توريد الحنطة بسبب الضغط على مخازن التوريد (السايلوات) وعدم قدرتها على استيعاب القمح المسوق مما يهدد المحصول بالتلف ويفقد المزارع العراقي اهتمامه بالزراعة مستقبلًا.
وتتيح الحكومة الفرصة لأصحاب النفوذ باستغلال معاناة الفلاحين من خلال شراء القمح بأسعار أقل بكثير من المزارعين، ويقومون هم بتسويقها باستخدام نفوذهم السياسي والمناطقي وتحقيق أرباح طائلة على حساب المزارع العراقي.
وسبق أن طالبت منظمات مختصة الجهات الحكومية بضرورة وضع استراتيجية استثمارية لزيادة سعات أماكن الخزن (السايلوات) والمطاحن حتى تتلاءم مع حجم القمح المسوق سنويًا في خطوة للتخفيف على الفلاح العراقي.
وحذرت مؤسسة “عراق المستقبل” للدراسات والاستشارات والاقتصادية، من عمليات تهريب القمح إلى العراق بعد تراجع سعر الطن الواحد في الأسواق العالمية مقارنة مع ما حددته الحكومة من تسعيرة لتسويق هذه المادة الغذائية الاساسية من المزارعين المحليين خلال الموسم الزراعي الحالي.
وقالت المؤسسة في تقرير لها إن المتابع لأسعار الحنطة العالمية يجد أن أسعار القمح العالمية حاليًا تتراوح بين 250-300 دولار للطن وبالتالي فإن معدل الطن الواحد من القمح عالميًا يبلغ بالدينار العراقي ما بين 360 ألف الى 450 ألف دينار.
وأضافت أن الحكومة قامت بتثبيت سعر الحنطة المسوقة محليًا بمقدار 850 ألف دينار للطن الواحد ما يمثل بحدود 90 بالمائة زيادة عن السعر العالمي.
وأشار التقرير إلى أن هذا التخوف يأتي في ظل ضعف السيطرة على المنافذ الحدودية مما يزيد من مخاوف استغلال الفجوة السعرية الكبيرة من قبل المهربين لتهريب القمح وبيعها داخل البلاد وتسويقها للحكومة.
ويرى مختصون في مجال الزراعة وجود إخفاق واضح في السياسات الحكومية الاقتصادية والزراعية والتقصير في دعم الفلاح والمنتج المحلي كتوفير الأراضي الملائمة وحصص المياه والأسمدة فضلًا عن التمويل المالي لإقامة مشروعات زراعية بمنحها قروضا ميسرة.
وطالب المختصون الحكومة بدعم الفلاح العراقي عن طريق تأمين معدات الري من أجل توسيع المساحات المزروعة للمحاصيل الاستراتيجية.
وقال الخبير بالشأن الاقتصادي ضرغام محمد، إن الخزين الاستراتيجي من القمح غير مؤمن بشكل كامل، بسبب عدم وجود السيولة المالية التي تغطي نفقات شراء القمح، فضلًا عن عدم قدرة السعة المخزنية للدولة لاستيعاب كميات كبيرة من المحصول.
وأضاف أن ما ينتجه العراق من محصول القمح لا يسد الحاجة المحلية وخاصة أن المنطقة تشهد منذ سنوات مواسم جفاف أثرت بشكل كبير على إنتاجه الزراعي.
وأجمع مراقبون على أن مواجهة النقص الحالي في احتياجات المجتمع العراقي من القمح يحتاج إلى قرار سياسي وإجراءات مزدوجة من خلال تقديم المزيد من الدعم والحوافز الفنية والمالية للمزارعين، مع التركيز على تشجيع ودعم استخدام التقنيات الحديثة في الري في الموسم الزراعي.
يذكر أن القطاع الزراعي في العراق يعاني من تدهور حاد وفقًا للمنظمات دولية ومحلية تحذر من خروج غالبية الأراضي الزراعية عن الخدمة فضلًا عن الهجرة الكبيرة للفلاحين نحو المدينة وتداعياتها.
وتشير التقارير المحلية والدولية على أن هناك جهات مستفيدة من استمرار تدهور قطاع الزراعة بسبب انتفاعها ماديًا من تزايد الاستيراد الخارجي، وأن هذه الجهات مرتبطة بمسؤولين حكوميين وميليشيات متنفذة.

غياب التخطيط الحكومي لدعم الفلاحين يهدد الكثير منهم بترك مهنة الزراعة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى