مساع حكومية لإنهاء عمل يونامي في العراق بعد تنحي بلاسخارت
المخاوف من تولي شخصية مهنية زمام الأمور في يونامي خلفًا لجينين بلاسخارت المعروفة بميولها للأحزاب وميليشياتها يدفع حكومة السوداني إلى طلب إنهاء بعثة الأمم المتحدة لتفادي أي حرج حيال الإخفاقات الحقوقية والإنسانية في العراق.
بغداد – الرافدين
عد مراقبون مطالبة حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني الأمم المتحدة إنهاء مهمة بعثتها في العراق بحلول نهاية 2025 محاولة للتملص من الإحراج الذي قد تتسبب به إحاطات البعثة مستقبلًا عقب تنحي ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت التي عرفت بتزييف الوقائع على الأرض لغايات سياسية.
وأجمع المراقبون على أن خطوة الحكومة تمثل محاولة استباقية لتفادي الحرج المترتب على إخفاقها على الصعيد الإنساني والحقوقي فضلًا عن الاقتصادي في ظل الفساد المستشري في البلاد بعد أن حرصت الممثلة الأممية السابقة على التغطية عليه بإحاطاتها الدورية.
ونشرت وسائل إعلام مقربة من الحكومة رسالة نصية بتوقيع رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، يطالب فيها بإنهاء عمل البعثة الأممية في العراق بعد أكثر من عقدين على عملها.
وعبرت مضامين الرسالة عن مخاوف حكومية تتعلق بمسار عمل البعثة الأممية في العراق بعد تنحي بلاسخارت على الرغم من عدم إعلان الأمم المتحدة اسم بديلها في الفترة القادمة بعد أن طالب السوادني بحصر عمل البعثة في الجانب التنموي فقط في محاولة لإبعادها عن تقييم الجوانب الأخرى المتعلقة بالحريات والانتهاكات والملف الحقوقي والإنساني عمومًا.
وأكد السوداني في الرسالة المنسوبة له أن “مسوغات وجود بعثة سياسية في العراق لم تعد متوافرة بعد الآن، بعد الأخذ بالاعتبار التطورات الإيجابية والإنجازات التي حققتها الحكومات المتعاقبة بمساعدة الدول الصديقة والأمم المتحدة وبعثاتها ووكالاتها المتخصصة والممثل الخاص للأمين العام، وإنجاز (يونامي) مهامها وولايتها بالشكل السياسي بالتحديد، وبعد مرور أكثر من (20) عامًا على التحول الديمقراطي والتغلب على تحديات كبيرة ومتنوعة”.
وقال “أوضحنا للفريق (الأممي) موقف الحكومة العراقية بشأن عدم الحاجة لاستمرار بعثة يونامي، مع التأكيد على أهمية التعاون مع الوكالات الدولية المتخصصة العاملة في العراق، والبالغة 22 وكالة دولية، وفق آلية المنسق المقيم”.
وتابع “استنادًا للحق السيادي لجمهورية العراق (بصفتها الدولة المستضيفة) وبعد الأخذ بنظر الاعتبار حجم بعثة يونامي وعدد موظفيها وحاجتها إلى وقت كاف لغرض تصفية أعمالها ونقل ملفاتها إلى المؤسسات العراقية والوكالات الأممية، ندعو إلى إنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بشكل نهائي بتاريخ 31 ديسمبر/ كانون الأول 2025”.
وشدد على ضرورة أن تقتصر بعثة الأمم المتحدة في العراق “خلال الوقت المتبقي هذا العام” على “استكمال أعمالها (فقط) في ملفات (الإصلاح الاقتصادي، تقديم الخدمات، التنمية المستدامة، التغيير المناخي وغيرها من الجوانب التنموية) وإنجاز التصفية وإجراءات الغلق خلال عام 2025”.

ويرى عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي عبد القادر النايل إن “الهدف من إنهاء بعثة الأمم المتحدة في العراق يكمن في استفراد الإطار التنسيقي بالحكم والاستمرار بانتهاكات حقوق الإنسان بشكل أبشع”.
وقال النايل في لقاء متلفز إن “بلاسخارت هي من نصحت حكومة السوداني بطلب إنهاء البعثة الأممية حتى لا يأتي بديلها و يحرج السلطات الحكومية في العراق”.
وأضاف أن “هناك معلومات خاصة تشير إلى حث بلاسخارت الحكومة على إنهاء مهام البعثة الأممية كونها لن تتمكن من شراء من سيأتي بعدها لا سيما وأن بلاسخارت سبق وأن استفادت ماليًا من منصبها كونها وزيرة دفاع سابقة عبر جلب شركات السلاح لوزارتي الدفاع والداخلية فضلًا عن تلطخ يدها بدماء العراقيين”.
ولا يتردّد الكثير على غرار النايل في اتهام البعثة الأممية بالانخراط في عملية تمضية وظيفية للوقت مرتبطة برغبة بعض الأطراف العاملة ضمنها في إطالة أمد الصراعات والمشاكل خدمة لجهات مستفيدة منها.
ويعزز تلك المعلومات المتداولة مؤخرًا ما تضمنته تقارير صحفية كشفت بدورها ضلوع أعضاء من المنظمة في عمليات فساد تتعلق بمشاريع إعادة إعمار المناطق المدمرة في المدن المنكوبة قبل أن تتحول هذه المعلومات مجتمعة إلى حجر عثرة كبيرة أمام عمل البعثة الأممية في العراق.
واسدل تحقيق أجرته صحيفة الغارديان البريطانية الستار عن قيام موظفين عاملين لدى الأمم المتحدة في العراق بالمطالبة برشى مقابل مساعدة رجال الأعمال في الفوز بعقود في مشاريع البناء.
ووجدت الصحيفة أن موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي طالبوا برشى تصل إلى 15 بالمائة من قيمة العقد، وفقًا لثلاثة موظفين وأربعة مقاولين مقابل مساعدة الموظف المقاول على التنقل في نظام العطاءات المعقد التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لضمان اجتياز عملية التدقيق.
ويوُصِف الفساد والعمولات على أنها “شريان الحياة للسياسة في العراق”، ولهذا السبب تنفذ الأمم المتحدة مشاريع بشكل مباشر، وتعد بمزيد من الشفافية مقارنة بالمؤسسات المحلية.
ولطالما أثارت البعثة الأممية الجدل حول طبيعة عملها فضلًا عن إثارة مطالبة الحكومة الحالية إنهاء عملها ردود فعل مختلفة، بعضها حمل جانبًا قانونيًا بشأن صحة مخاطبة الأمم المتحدة في هذا الأمر.
وقال الخبير القانوني والأستاذ في جامعة بابل، أسامة شهاب الجعفري إن “بعثة الأمم المتحدة تشكلت بقرار من مجلس الأمن ذي الرقم 1500 / 2003 لا بقرار الأمين العام للأمم المتحدة”.
وأضاف الجعفري في منشور عبر منصة إكس إنه “كان الأحرى على رئاسة مجلس الوزراء أن توجه طلبها بإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق إلى مجلس الأمن لا إلى الأمين العام للأمم المتحدة”.
بدوره ألمح الخبير بالشأن السياسي العراقي، منقذ داغر، إلى وجود خلاف بين وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ورئيس الوزراء حول الملف.
وقال في منشور على منصة إكس إن “إرسال طلب إنهاء بعثة يونامي من قبل ممثلية العراق في الأمم المتحدة بدلًا من إرسالها عن طريق وزير الخارجية يوحي بوجود موقف مختلف لوزير خارجيتنا من هذا الطلب”.

وتعمل البعثة الأممية لمساعدة العراق، المعروفة اختصارًا بـ (يونامي)، ضمن نطاق مهام سياسية واجتماعية وتنموية وأمنية مختلفة، ولطالما واجهت انتقادات واسعة خلال السنوات الماضية، بسبب دورها الخجول والمحابي لقوى سياسية متهمة بالفساد وميليشيات مسلحة متورطة بانتهاكات حقوقية واسعة في البلاد لاسيما خلال تولي بلاسخارت مسؤولية رئاسة البعثة في السنوات التي أعقبت العمليات العسكرية في المدن المنكوبة وإبان ثورة تشرين.
وخلال التجديد الأخير لتفويض البعثة الأممية في أيار عام 2023 التي سبق وأنشأها مجلس الأمن عام 2003 بطلب من السلطات التي نصبها الاحتلال وقتها، طلب المجلس الذي من المقرر أن يناقش هذه القضية الأسبوع المقبل، من الأمين العام للأمم المتحدة إطلاق مراجعة استراتيجية للمهمة الموكلة إلى الدبلوماسي الألماني، فولكر بيرث الذي عين رئيسًا للمراجعة الاستراتيجية المستقلة للبعثة الأممية إلى العراق في تشرين أول الماضي.
وفي استنتاجاته، التي قدمها في شهر آذار الماضي، أشار بيرث إلى أنه “نظرًا للتهديدات والتحديات الحالية التي تواجه السلام والأمن في العراق فإن المهمات السياسية الأساسية لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق… تظل ذات أهمية”.
وقال الدبلوماسي الألماني إن البعثة التي كانت تضم أكثر من 700 شخص في نهاية عام 2023 تبدو “بشكلها الحالي مهمة جدا”.
وأضاف أن “فترة السنتين التي حددتها الحكومة لانسحاب البعثة يمكن أن تكون فترة زمنية كافية لإحراز مزيد من التقدم وطمأنة (الجهات) الأكثر تشكيكا في المشهد السياسي والمجتمعي العراقي”.
وطالب بالبدء في “نقل مهمات البعثة الأممية إلى السلطات الوطنية المختصة والى هيئات أممية أخرى “بطريقة مسؤولة ومنظمة وتدريجية”.



