أيادي المتنفذين تحول دون التحقيق في فساد ينخر البنك المركزي العراقي
مسؤول كبير بالبنك المركزي العراقي يعمل على تسويف قضية الفساد في ملف القروض الكبيرة والتي منحت لمصارف خاصة تابعة لأحزاب ومتنفذين واستخدمت لشراء الدولار من مزاد العملة والاستفادة من الأرباح.
بغداد – الرافدين
يعمل مسؤول كبير في البنك المركزي على تسويف ملف فساد القروض الكبيرة في البنك، من خلال عدم الرد على مطالبات هيئة النزاهة بتشكيل لجنة للتحقيق، والاكتفاء بلجنة من صغار الموظفين، كونه متورط بمنح تلك القروض لمصارف خاصة استخدمتها بعيدا عن غرضها الأساس.
وكانت وثيقة صادرة عن هيئة النزاهة في شهر نيسان الماضي، كشفت عن عملية فساد تتعلق بمنح البنك المركزي العراقي قروضًا كبيرة لأصحاب المصارف الخاصة، تم استغلالها من قبلهم لشراء الدولار من مزاد العملة، وليس لإنشاء مشاريع استثمارية، كانت مقررة كسبب لحصولهم على القروض، في ظل تجاهل البنك المركزي لقرار محكمة تحقيق الرصافة المختصة بقضايا النزاهة وغسل الأموال والجريمة الاقتصادية، القاضي بإجراء التحقيق الإداري وتحديد الضرر بالمال العام.
وبحسب الوثيقة فإن هيئة النزاهة طالبت البنك المركزي في كانون الأول 2023 إعلامها حول اللجنة التي تتولى إجراء التحقيق الإداري وتحديد الضرر بالمال العام عن القروض الممنوحة لأصحاب المشاريع، كاشفة عن صدور كتاب في تشرين الثاني 2023 يطالب بفتح تحقيق في منح أصحاب المصارف الأهلية، قروضا ضمن مبادرة القروض الاستثمارية، مع ذهاب تلك الأموال لشراء الدولار من مزاد العملة والاستفادة من الأرباح.
وتناقلت وسائل اعلام محلية عن مصدر داخل البنك المركزي العراقي قوله إن “عمليات التسويف لملف الفساد المتعلق ببيع الدولار في البنك المركزي مستمرة، جراء عدم متابعة تشكيل اللجان التحقيقية المطلوب تشكيلها من قبل القضاء وهيئة النزاهة للتحقيق في هذا الملف”.
وأضاف أن “مسؤولا كبيرًا بالبنك المركزي -لم يسمه- متورط بتسويف تلك القضية وعدم المتابعة أو إجراء أي تحقيق حقيقي يخص هذا الملف”، لافتا إلى أنه “اكتفى بلجنة من صغار الموظفين لا تملك القدرة أو الصلاحيات للقيام بتحقيق شفاف وعادل”.
ونوه إلى أنه بعد التقصي، اتضح أن معظم عمليات نافذة بيع العملة الأجنبية، ومنها بيع الدولار للمسافرين الذي أشارت إليه الوثيقة تتم بتوقيع من هذا المسؤول، وبالتالي فهو المسؤول عن ضياع هذه الأموال.
وتعد دائرة العمليات المالية الملغاة من قبل رئيس البنك الحالي علي العلاق مسؤولة عن معظم القروض الممنوحة للمصارف والتي تصل لمئات المليارات.

ولفت المصدر إلى أن هذه الدائرة كان يشرف عليها نفس المسؤول المتهم بضياع الأموال بصفته مشرفًا على عدد من الدوائر، وبالتالي فهو المسؤول عن ترويج ومنح القروض لتلك المصارف.
ورصدت لجنة الخدمات النيابية، ما وصفتها بالمفارقات المضحكة والمبكية في سياسات البنك المركزي العراقي نتج عنها هدر بمليارات الدنانير بسبب فروقات تحويل العملة الأجنبية والتي يستفيد منها مافيات الفساد دون أي منفعة للصالح العام.
وقالت اللجنة إنها تستغرب الازدواجية في قرارات البنك المركزي وسياسة هدر المال العام الذي ينتهجه، ومن ثم تحقيق التخمة لعدد قليل من المستفيدين.
وأشارت إلى أن واحدة من المفارقات هي تحقيق المصارف الأجنبية أرباحًا بمليارات الدنانير من التحويلات للخارج دون تقديم اي خدمة او منفعة للصالح العام.
وكان الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، قد أكد وقت سابق أن “هذه القروض كان من المفترض أن تموّل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لكن ما حصل أن المقترض عندما يقدم معاملته إلى أحد المصارف التجارية يتم سحب أموال القرض من البنك المركزي، ثم تحصل عراقيل متعمدة من هذه المصارف في إنجاز معاملات المقترضين وأصحاب المشاريع قد تستمر أسابيع أو أشهر”.
وأشار إلى أن هذه الأموال التي استحصلت من البنك المركزي يتم استخدامها من قبل المصارف لشراء العملات الأجنبية وتحقيق هامش من الربح بسبب فرق العملة.
وأوضح “هذا الأمر واضح ومؤشر إذ تأخر تنفيذ هذه المبادرات طويلا، وكان من المفترض أن تصرف أموال القروض خلال سنة واحدة لكنها تأخرت سنوات عدة”.
وتشير مصادر صحفية إلى أن البنك المركزي العراقي قام ببيع وشراء الدولار لمصارف تابعة لسياسيين وأحزاب متنفذة خلال شهر نيسان بمبلغ يصل إلى 4 مليارات و348 مليوناً و889 ألفاً و811 دولار.
وتحققت هذه الصفقات بوتيرة يومية وصلت إلى 241 مليوناً و604 ألفاً و989 دولاراً. وبجانب ذلك، بلغت مبيعات الحوالات الخارجية خلال الشهر الماضي 4 مليارات و39 مليوناً و874 ألفاً و811 دولاراً، مسجلة ارتفاعا بنسبة 92 بالمائة عن المبيعات النقدية التي كانت قد بلغت 309 مليوناً و874 ألفاً و811 دولاراً.
بينما تشير المصادر إلى أن البنك المركزي باع خلال الأسبوع الأول من شهر أيار الجاري خلال الأيام التي فتح بها المزاد إلى نفس المصارف مليارا، و395 مليونا، و25 الفا، و507 دولارات.
ومنذ مطلع العام 2023 دخلت واشنطن على خط أزمة تهريب الدولار لخارج العراق، وفرضت شروطًا على البنك المركزي، أبرزها خضوعه لنظام سويفت العالمي، وتقليل مزاد العملة، حيث تراجعت مبيعاته من 300 مليون دولار يوميًا إلى نحو 30 مليون دولار فقط في بداية الأزمة، قبل أن تعاود الارتفاع بعد أشهر قليلة.
وجرى فرض عقوبات على نحو 14 مصرفًا عراقيًا، ومنعها من التعامل بالدولار وحجب دخولها لمزاد العملة، بسبب تورطها بتهريب الدولار، وهذا الأمر أدى لارتفاع نسبة استحواذ المصارف العربية العاملة في العراق على الدولار في مزاد العملة.