سيدة عاشت أيام النكبة: فلسطين بلادنا ولن نتركها
رسمت سنوات العمر، تجاعيد على وجه فوزية أبو لبدة التي قالت بصوت تعلوه بحة حزينة: هُجرنا مرة واحدة عام 1948، ولن نقبل أن نهجر مرة أخرى من قطاع غزة، الاحتلال أخرجنا من منازلنا بالقصف والتخويف والمجازر، فما ذنب الأطفال والنساء أن يعيشوا هذه المجازر.
غزة- تعيد أحداث ومجريات الحرب الإسرائيلية الوحشية المدمرة على قطاع غزة، ذكريات التهجير المؤلمة عام 1948، إلى ذاكرة المسنة الفلسطينية فوزية أبو لبدة، بالتزامن مع مرور الذكرى الـ76 للنكبة الفلسطينية.
وتسترجع المسنة أبو لبدة، البالغ عمرها 85 عامًا، ذكرياتها القديمة بألم وحزن، مع نزوح عائلتها من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بسبب العملية العسكرية البرية التي انطلقت هناك.
ورغم التحذيرات الدولية المتصاعدة تجاه توسيع العمليات العسكرية في رفح، دعا جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى تهجير سكان أحياء في قلب المدينة بشكل فوري، ليوسع بذلك عملياته التي بدأت في السادس من أيار الجاري، شرقي المدينة.
ونزح آلاف الفلسطينيين من وسط مدينة رفح إلى مناطق غربي القطاع، واضطر الكثير منهم إلى نصب خيامٍ من مواد ومعدات بسيطة من الخشب وأكياس النايلون على الأرصفة وعلى جانبي الطريق وفي الأزقة في دير البلح وسط قطاع غزة وفي منطقة المواصي غربًا.
وتقول أبو لبدة إن الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة “أشد قسوة وأفظع من النكبة الفلسطينية على الفلسطينيين”، لكنها تؤكد في الوقت ذاته رفضها لسياسة التهجير وتمسكها بأرضها.
و”النكبة” مصطلح يطلقه الفلسطينيون على اليوم الذي أُعلن فيه قيام “إسرائيل” على معظم أراضيهم بتاريخ الخامس عشر من أيار عام 1948.
وبلغ عدد الفلسطينيين الإجمالي في العالم 14.63 مليون نسمة في نهاية عام 2023، بزيادة بلغت 10 أضعاف عدد الفلسطينيين منذ أحداث نكبة 1948، وفق جهاز الإحصاء الفلسطيني.
وُلِدت المسنة أبو لبدة في مدينة يبنا وسط فلسطين التاريخية، وكانت عندما طالتها نكبة عام 1948، لا تزال في أولى سنوات عمرها، حيث تذكر كيف تركت بيتها وأرضها وهي في السادسة من عمرها.
“ما أشبه اليوم بالبارحة”، وفق أبو لبدة، فقد “كانت بيوتنا كبيرة، وكان والدي يعمل بجد في الزراعة، زرعنا أراضينا بكل ما هو ضروري للبقاء، ولكن اليهود جاءوا واستولوا على كل شيء، حتى البيارات التي كانت تعني الحياة بالنسبة لنا، اضطررنا لتركها والمغادرة”.
وتنقلت أبو لبدة برفقة عائلتها من مكان إلى آخر فترة التهجير، عاشت معاناة بعد معاناة، حتى وصلوا أخيرًا إلى قطاع غزة، حيث عاشوا في مدينة اسدود لفترة وفي المجدل فترة أخرى، لكن الحرب والاعتداءات لم تتوقف فاضطروا للانتقال إلى غزة أخيرًا.
ورسمت سنوات العمر، تجاعيد على وجه أبو لبدة التي قالت بصوت تعلوه بحة حزينة: “هُجرنا مرة واحدة عام 1948، ولن نقبل أن نهجر مرة أخرى من قطاع غزة، إسرائيل أخرجتنا من منازلنا بالقصف والتخويف والمجازر، فما ذنب الأطفال والنساء أن يعيشوا هذه المجازر”.
وتبدي حزنها الشديد وألمها على ما حل بالمدنيين من “مجازر وجرائم إسرائيلية بشعة”، ولا سيما بحق النساء والأطفال، كما حدث أثناء الهجرة من إطلاق نار وقصف من الطائرات
وتقول أبو لبدة “ذكريات الحروب والهجمات لا تزال حية في ذاكرتي، كنا نعيش في الخوف المستمر، وحتى الآن، لا أزال أتذكر تلك اللحظات بكل تفاصيلها”.
وتتابع “إسرائيل قتلت شبابنا ونساءنا، ويتمت أطفالنا، لم ترحم كبيرًا أو صغيرًا، مللنا الحروب، في كل عام تشن إسرائيل حربا وقبل أن نشفى من آلامها تشن حربًا أخرى أقسى”.
وتستهجن “التقاعس العربي والإسلامي والدولي تجاه جرائم الإبادة” المرتكبة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، مطالبة بوقف عاجل للحرب الإسرائيلية وإغاثة الفلسطينيين.
وعلى الرغم من كل الصعاب، إلا أن فوزية ابو لبدة لم تفقد الأمل، وتعمل جاهدة على إعطاء الحياة معنى جديدًا، خاصة بالتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في العيش بسلام على أراضيه.
وقبل 76 عامًا، عايش العجوز مصطفى أبو عواد كافة أهوال ومأسي النكبة الفلسطينية، بما شمل تهجير عائلته من قريتها صبارين قرب مدينة حيفا شمال فلسطين المحتلة عام 1948، حيث كانت تحيا حياة هانئة سعيدة، وترك جميع ممتلكاتها خشية القتل على يد العصابات الصهيونية آنذاك.
إلا أن أبو عواد “88 عامًا” الذي يعيش حاليًا لاجئًا بمخيم نور شمس للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة، يعتبر أن الشعب الفلسطيني يعيش في العام 2024 “نكبة جديدة أبشع” من التي عانى منها عام 1948.
ويستطرد العجوز الفلسطيني الذي يتمسك بلباسه التقليدي، قائلا “بريطانيا، وبالاتفاق مع الولايات المتحدة، خرجت من فلسطين عام 1948، وسلمت العصابات الصهيونية كافة الأسلحة والعتاد، بينما كنا نحن شعبًا أعزل، وفلاحين لا نعرف شيء عن السلاح والحرب، لذلك سيطرت هذه العصابات على الأرض وقتلت وشردت (أصحابها من الفلسطينيين)”.
يتنهد أبو عواد، قائلا “لم نكن نتوقع يوما أن نصبح لاجئين”.
وتشن “إسرائيل” منذ السابع من تشرين الأول الماضي حرباً مدمرة على قطاع غزة خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، وتسببت بدمار وخراب هائل في المباني السكنية والبنى التحتية ما أدى إلى تفاقم الأزمات الإنسانية، وفق مسؤولين حكوميين وأمميين.