أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الدوائر الحكومية تقود العراقيين إلى مراجعات مثقلة بالفساد والرشى

هيئة النزاهة البرلمانية تقر بتزايد حالات تعاطي الرشى ومساومة المراجعين داخل دوائر التسجيل العقاري بالعراق.

بغداد ــ الرافدين
حذر مراقبون من استمرار إعاقة إنجاز المعاملات داخل الدوائر الحكومية نتيجة الأنظمة الإدارية المتخلفة وغياب المتابعة ومحاسبة المقصرين.
وأكدوا على عجز حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في الحد من تعاطي الرشى داخل الدوائر الحكومية في ظل هيمنة الأحزاب على ملف تعيين الموظفين والمسؤولين خدمة لمصالحهم الحزبية.
وأجمع المراقبون على أن إدمان بعض موظفي الدوائر الحكومية على أخذ الرشى هو نتيجة لشيوع سياسة الإفلات من العقاب وعدم ردع الموظف المقصر بقواعد السلوك الوظيفي.
وتتعمد الدوائر الحكومية إذلال المراجعين عند “شبابيك” الانتظار بسبب الإجراءات الروتينية المتبعة والتي تستنزف أوقاتهم وأموالهم مما يضطر بعضهم للبحث عن “واسطة قوية” لإكمال المعاملة، أو ودفع رشى لبعض العاملين في تلك الدوائر.
وتشير البيانات والتقارير الرسمية إلى أن الفساد المستشري داخل المؤسسات الحكومية واكتفاء الجهات الرقابية بالتحذير دون أي خطوات للحد من انتشار آفة الفساد بالبلاد.
وأقرت هيئة النزاهة بتزايد خطير لحالات تعاطي الرشى وابتزاز ومساومة المراجعين في الدوائر الحكومية في العراق ولاسيما في قطاع التسجيل العقاري.
وأعلنت عن نتائج استبيان تعاطي الرشى في دوائر التسجيل العقاري في العراق بعد زيارة لـ 57 دائرة مخصصة للتسجيل العقاري وجمع بيانات وآراء عن 7.225 مراجعًا فيها، حيث بلغت نسبة الرشى 24 بالمائة وكانت دائرة عقار “الكرخ الثانية” هو الأعلى في بغداد.
وأضافت اللجنة أن سجل عقاري القاسم في محافظة بابل سجل أعلى نسـبة في دفع الرشى بين المحافظات نتيجة للحلقات الزائدة من الإجراءات عند مراجعة دوائر التسجيل العقاري.
وأوضحت نتائج الاستبيان الحكومية أن 63 بالمائة من المراجعين صرحوا أن الروتين المتبع داخل الدوائر الحكومية وعرقلة بعض الموظفين إنجاز المعاملات وهو السبب الرئيس وراء دفع الرشى، مما يثبت غياب الدور الرقابي وعدم متابعة أداء الموظفين.
وأظهرت النتائج على استمرار انتشار ظاهرة تعاطي الرشى في دوائر هذا القطاع بمعدلات مرتفعة ما يؤدي إلى زعزعة ثقة المواطن بدوائر هذا القطاع المهم.
ويعاني العراقيون المراجعون للدوائر الحكومية بشكل عام من الروتين القاتل الذي يقف بوجه إكمال المعاملات، ما يدفع الكثيرين منهم لدفع مبالغ كبيرة كرشاوى لإكمال معاملاتهم.
وأجمع المواطنون على أن إنجاز أي معاملة في دوائر الدولة يحتاج إلى عدة أيام والانتقال من مكان لآخر في ظل سوء تعامل بعض الموظفين مع المراجعين وتعمدهم في عرقلة المعاملة من خلال طلب الكثير من الأوراق الثبوتية غير اللازمة.
وأكد أحد المواطنين لبرنامج “مع الناس” الذي تبثه قناة “الرافدين” أن المراجعة إلى الدوائر الحكومية أصبحت معاناة للعراقيين بسبب الروتين المتبع في أغلب الدوائر، فضلًا عن إنفاق مبالغ مالية مضاعفة من رسوم واستنساخات، ووقوف المراجعين بينهم كبار السن ومرضى وأطفال رضع لساعات طويلة في طوابير الانتظار تحت حرارة الشمس دون أي مبالاة من قبل الموظفين والإدارة.
وأشار آخرون إلى أنه على الرغم من إحضارهم كافة الأوراق الثبوتية، إلا أن معاملاتهم لن تنجز، بحجة وجود نقص في المستمسكات الشخصية أو المعلومات الخاصة بالمعاملة.
ويتعرض الكثير من المراجعين داخل دوائر التسجيل العقاري تحديدًا لحالات فقدان الأضابير الخاصة بملكية العقار أو أجزاء منها بشكل متعمد، من أجل إدخال المراجعين في دوامة طويلة من المراجعات لتنظيم إضبارة جديدة أو سد النقص الحاصل بالمعاملة.

هادي السلامي: الفساد تحد خطير مع تعقيداته التي لا تنحصر في نهب المال العام فحسب، بل تزيد من معاناة العراقيين وتعيق تقديم الخدمات لهم وتثير غضبهم

ويساهم تماهل مديرية التسجيل العقاري وعدم اتخاذها إجراءات سريعة لمعالجة التلكؤ في عمل الدوائر باستغلال المواطنين وابتزازهم، فضلًا عن إعطاء الأولوية في إنجاز المعاملات للمعقبين والسماسرة الذين ينتشرون بأعداد كبيرة في هذه الدوائر للقيام بدور الوسيط بين المراجع والموظف.
وتعاني مؤسسات الدولة بعد سنوات الاحتلال من ارتفاع ملحوظ في نسب الفساد المالي والإداري خاصة مع وجود الآلاف من القضايا التي توثق فيها الاختلاسات ونهب المال العام بأشكال مختلفة.
وقال النائب هادي السلامي، إن الفساد الحكومي هو أحد أكبر مشاكل العراق مؤكدًا استشراء الفساد في جميع المؤسسات الحكومية.
ووصف السلامي الفساد بأنه تحد عميق وخطير، خاصة مع تعقيداته التي لا تنحصر في نهب المال العام فحسب، بل تزيد من معاناة العراقيين وتعيق تقديم الخدمات لهم وتثير غضبهم.
وعزى باحثون ومختصون أسباب استفحال ظاهرة تعاطي الرشى داخل المؤسسات الحكومية نتيجة لغياب مراقبة الموظفين ومحاسبتهم في حين كان القانون قبل عام 2003 يعلو الجميع وأن الموظف يخاف من العقوبات القانونية، لكن اليوم ثمة من هم فوق القانون ويحمون المرتشين وسط وسائل صورية لمكافحة الرشى.
وتكتفي الجهات الرقابية بنشر لوحات إعلانية على جدران الدوائر تدعي من خلالها تلقي شكاوى المواطنين لكن هذه الإجراءات الصورية لم تمنع الموظف من فرض المبالغ المالية مقابل إنجاز معاملات المراجعين.
ومن جانبه قال الباحث في الشأن الاقتصادي أحمد عيدان، إن مستويات الفساد الحاصل في دوائر التسجيل العقاري لا تختلف عن مستويات الفساد في بقية المؤسسات العاملة في الدولة، حيث تنتشر حالات الرشوة والتلاعب بالمستندات العامة بشكل فظيع وكبير جدًا لدرجة أن الكثير من حقوق المواطنين سلبت عن غير وجه حق بسبب هذا التلاعب.
وأضاف أن هناك مدراء وموظفين ومعقبين يعملون في هذا الجانب وهم متورطون في قضايا فساد كبيرة، لافتًا إلى تعاون جهات متنفذة مع شبكات تزوير مكونة من موظفين ومسؤولين من أجل تغيير ملكية عدد كبير من العقارات وقطع الأراضي.
وحمل عيدان الحكومة المسؤولية الكبيرة في هذا الجانب، لأن القانون يتم تطبيقه على فئة من الناس دون أخرى، في ظل تورط دوائر التسجيل العقاري والبلديات ومديريات التخطيط العمراني في ملفات فساد كبيرة.
وأشار إلى أن المكاتب الاقتصادية التابعة للأحزاب المتنفذة وأذرعها المسلحة، اتخذت من العقارات والعمل بهذا الجانب مصادر تمويل رئيسية، ويتم تعيين المدراء ومسؤولي الأقسام المعنية في دوائر التسجيل العقاري عن طريق هذه المكاتب لتسهيل عمليات حصولها على أكبر قدر من المنفعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى