تحذيرات من تبعات اقتصادية واجتماعية لارتفاع معدلات التضخم السكاني في العراق
خبراء اقتصاديون واجتماعيون يؤشرون جملة مشاكل في الارتفاع المطرد لعدد السكان في العراق في ظل غياب الاستراتيجيات الحكومية لتنظيم الزيادة السكانية وعلاقتها بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة في البلاد.
بغداد – الرافدين
حذر مختصون من ارتفاع معدلات التضخم السكاني في العراق، سنة بعد أخرى في وقت تتفاقم فيه المشاكل في البلاد على وقع تردي الخدمات وتراكم الأزمات الاقتصادية.
وحث خبراء اجتماعيون واقتصاديون السلطات على ضرورة وضع الخطط الخاصة بتنظيم الزيادة السكانية بالحد الذي يمكن السيطرة عليه، وعدم ترك الأمور على مصراعيها ما يؤدي إلى المزيد من المشاكل في بلد يعاني بالأصل من مشاكل جمة في مختلف مناحي الحياة.
وجاءت تحذيرات المختصين بعدما أعلنت وزارة الصحة تسجيل اكثر من مليون و47 الف ولادة خلال العام الماضي 2023، في زيادة بأكثر من 140 الف ولادة مقارنة بولادات 2022، الأمر الذي ينذر بوصول البلاد لمرحلة “الانفجار السكاني”.
وبينت الوزارة في بيانات حديثة أن “محافظة بغداد الأعلى بنسب الولادة بواقع (202,550) ولادة في حين كان معدل الولادات من الذكور بواقع (535,946) ولادة في عموم العراق فيما بلغت ولادات الاناث (511,304) ولادات”.
وتأتي هذه الزيادة السكانية بالتزامن مع أزمات عديدة يعاني منها البلد، أبرزها البطالة والفقر وارتفاع أسعار المواد الغذائية، فضلًا عن موازنات لم تتضمن أي تخصيصات لوظائف جديدة، بالإضافة إلى تردي البنى التحتية.
ويشهد العراق ارتفاعًا كبيرًا في نفوسه، حيث تخطى 43 مليون نسمة، بحسب آخر إحصائية لوزارة التخطيط، بعد أن كانت نفوسه 35 مليونا في العام 2015.
ويثير النمو الكبير بالنسب السكانية وارتفاع أعداد المواليد سنويًا في البلاد مخاوف مختصين في الشأن الاقتصادي، من تأثيرات سلبية، لا سيما مع عدم وجود خطط تواكب هذه الزيادات في الأعداد.
ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي، أن “النمو السكاني في العراق يبلغ مليون و200 ألف نسمة سنويًا، ومن المتوقع وصول عدد السكان إلى 50 مليون نسمة خلال عام 2030”.
ويؤكد الشيخلي أن “هذه الزيادة تتطلب توفير خدمات في الكثير من المجالات منها التعليم والصحة والماء والكهرباء ومراكز لرعاية الطفولة والشباب وتمكين المرأة، وغيرها من الاهتمامات الأخرى، ما يستدعي وضع أرضية لهذا النمو السكاني”.
ويتفق الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، ما مع ذهب إليه الشيخلي حول خطورة ارتفاع أعداد المواليد سنويًا، حيث يقول إن “الزيادة السكانية الكبيرة تفرض تحديات بالغة الخطورة أمام العراق في ظل اقتصاد ريعي أحادي متطرف وتعطيل القطاعات الإنتاجية مع ترهل في الوظائف الحكومية وقلّة الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص مما يجعل العراق يواجه مخاطر كبيرة، خصوصًا مع زيادة عدد العاطلين عن العمل وارتفاع نسبة الفقر إلى 40 بالمائة وتنامي هذه النسبة كلما ازداد الوضع الاقتصادي تدهورًا”.
ويضيف الحلبوسي أن “كل ذلك يشكل خطورة اقتصادية اجتماعية وحتى أمنية مع غياب الرؤية الحكومية الاقتصادية والمالية التي يمكن أن تنشط القطاعات الإنتاجية التي يمكنها أن تستوعب العاطلين عن العمل وخلق وظائف جديدة مع استمرار عرقلة القطاعات الإنتاجية من قبل التدخلات الخارجية التي تريد أن يبقى العراق سوقاً لتصريف بضائعها على حساب تدمير العراق اقتصاديًا وماليًا واجتماعيًا”.
ويحذّر من أن “ارتفاع أعداد المواليد سنويًا أصبح خطرًا متعدد الأوجه، ويجب على الحكومة أن تعمل جاهدة على وضع الحلول اللازمة لاستيعاب هذا العدد الهائل مع ضرورة فرض تحديد النسل في ظل انفجار سكاني مرعب يحمل في طياته مخاطر اقتصادية واجتماعية وأمنية ستفرض أعباءًا تجعل العراق يعاني لسنوات عديدة مقبلة”.
ويؤكد، أن “الحل يكمن بضرورة البدء باحتواء العاطلين عن العمل بفرص عمل في القطاع الخاص بقانون يضمن حقوق العاملين ويخفف العبء عن الدولة ثم إعداد الخطط الضرورية لخلق فرص عمل متعددة للأجيال المقبلة، لكي يتجنب العراق الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، أما إذا أغفلت الحكومة عن ذلك فإن المخاطر الناجمة عن زيادة أعداد المواليد سنويًا مع المخاطر الأخرى سوف تؤدي إلى انهيار لا يحمد عقباه”.

وترتفع في العراق الذي تقدر معدلات الزيادة السكانية فيه بنحو 2.5 بالمائة الأصوات لاتخاذ خطوات عاجلة لإنقاذ البلاد من “الهاوية” ووضع الاستراتيجيات الخاصة بتقنين حالات الانجاب وحل الازمات الداخلية التي يتوقع تفاقمها في ظل انفجار سكاني مرتقب يحمل في طياته مخاطر اجتماعية فضلًا عن المخاطر الاقتصادية.
وتؤكد الباحثة الاجتماعية أمل الكبايشي، أن “ارتفاع مستويات النسل تقود إلى انفجار سكاني قريب، وفي ظل عدم وجود بنية تحتية ووضع اقتصادي يتحمل هذا الانفجار السكاني ستكون البلاد أمام أزمة سكانية وإنسانية خلال السنوات المقبلة”.
وتوضح الكبايشي أن “معدلات الولادة بدأت تأخذ منحنيات متصاعدة منذ نحو عقدين، وعلى الرغم من وجود جهود حكومية لتنظيم النسل وإصدار عدد من السياسات بهذا الخصوص، منها سياسة تباعد الأحمال وحثّ الأسر على تنظيم النسل، لكن تلك الجهود لم تكن مكتملة لذلك لم يُسيطر على نسب زيادة الولادات”.
وتؤكد، أن “السيطرة على نسب زيادة الولادات تحتاج إلى عملية وعي مجتمعي وخدمات الصحة الإنجابية ومراكز صحية متخصصة ورؤية حكومية بأهمية تنظيم الأسرة، لذلك لابد من إعادة النظر بالسياسات الحكومية فيما يتعلق بتنظيم الأسرة وتنفيذها وتوفير الموارد اللازمة لها للحد من نسبة ارتفاع الولادات في العراق”.
في المقابل يحاول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي التقليل من أهمية تحذيرات المختصين بالقول إن “ما يشهده العراق من زيادة سكانية تعد زيادة طبيعية لا تمثل تضخمًا أو انفجارًا سكانيًا، ولكن بحكم التراكم وزيادة سكان العراق بالتأكيد الأرقام تزداد بشكل مستمر، حيث إن المجتمع دائمًا في حالة نمو متمثلة بالولادات لاستمرار الحياة”.
ولمعالجة هذه الزيادات السكانية، يوضح الهنداوي أن “وزارة التخطيط لا تفكر باتجاه تشريع قوانين لتحديد النسل بقدر وضع استراتيجية وسياسات لتنظيم الأسرة، من خلال استيعاب هذه الزيادة السكانية وتحويلها من أعباء تنموية إلى محركات تنموية فاعلة”.
وعلى الرغم من تطمينات وزارة التخطيط بأن الزيادة السكانية طبيعية، إلا أن خبراء اجتماعيون يؤكدون أن “الزيادة غير المحسوبة أو غير المدروسة في السكان، تؤدي الى عملية تكالب على الموارد، وبالتالي فإن الفجوة الحاصلة بين زيادة حجم السكان وقلة الموارد ستكون كبيرة، وكلما كبرت هذه الفجوة كلما زادت الصراعات داخل المجتمع وليس التنافس على الوظائف فقط، وفي النتيجة ستستمر الفوضى التي يعيشها مجتمعنا.
وفي هذا السياق ترى الناشطة في حقوق المرأة والطفل، أنعام الحمداني، أن “هناك ضرورة لتحديد النسل خاصة أصحاب الدخل المحدود والساكنين في العشوائيات من غير المتمكنين اقتصاديًا”.
وتلفت الحمداني إلى أن “العائلات ميسورة الحال والثرية بدأت بتقليل النسل في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد”.
وعلى الرغم من الأزمات والمشاكل السياسية والأمنية المستمرة في العراق والتي أدت إلى ارتفاع معدلات الوفيات والنزوح واللجوء، فإن عدد السكان مستمر في النمو في ظل غياب إرادة حكومية لتنظيم النسل.
ووفًقا لمواقع مختصة في إحصاء السكان فإن عدد المواليد الجدد يبلغ يومًيا 3355 مولوًدا جديًدا في العراق بينما لا تتجاوز أعداد الوفيات اليومية 550 حالة وفاة.
ووفًقا لذات المواقع فإن عدد سكان العراق في الوقت الحالي يبلغ 46 مليون وحوالي 59 ألف مواطن ومن المتوقع أن يصل العدد في تموز المقبل إلى 46 مليون ونحو 520 ألف مواطن.
ووفقًا للتوقعات الحالية، سوف يستمر عدد سكان العراق في النمو لبقية القرن، ليتجاوز 100 مليون نسمة بحلول نهاية عام 2085 وبحلول نهاية هذا القرن، من المتوقع أن يصل عدد سكان العراق إلى حوالي 110 ملايين نسمة.