أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

حكومة السوداني تحيل مشاريع البناء لشركات وهمية في ملف فساد جديد

خبراء ومختصون يعدون سياسة إحالة المشاريع دون الالتزام بضوابط المناقصات العامة، بوابة فساد مشرعة أمام الشركات الصورية وغير الرصينة تفضي فيما بعد إلى ملء جيوب من يقف خلفها من أحزاب وهيئات اقتصادية بالمال العام.

بغداد – الرافدين
انتقد مهندسون وخبراء في تشييد المدن العشوائية في إحالات المشاريع لشركات صورية بهدف تحقيق منجز سريع يحسب لحكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني دون الاكتراث بجودة ومتانة المشاريع المنجزة أو بمصيرها الذي ينتهي به الحال ليصنف في خانة المشاريع المتلكئة.
وأجمع المختصون في بناء وتصميم المدن وبنيتها التحتية على تحول نظام الإحالة إلى حلقة من حلقات الفساد المسببة لهدر المال العام وزيادة أعداد المشاريع المتلكئة كونه يعطي الأفضلية للشركات الوهمية على حساب الشركات الرصينة ممن تمتلك رصيدًا كبيرًا من الخبرة والمنجزات.
ولفت المختصون إلى أهمية تفعيل الآليات الصحيحة والمتبعة في دول العالم في إنجاز المشاريع عبر الإعلان عن مناقصات عامة تفسح المجال للتنافس وفقًا لضوابط صارمة توجِّد بيئة تتنافس فيها الشركات المتقدمة بشكل شفاف ونزيه لتقديم الأفضل.
ويرى خبير التخطيط وتشييد المدن المهندس تغلب الوائلي، أن سياسة إحالة المشاريع التي تتبعها حكومة السوداني “أثبتت فشلها بشكل واضح وأدت في الواقع إلى ضياع المال العام وتكرار الفشل في تحقيق الأهداف المرجوة وهي ليست سوى ذريعة للإسراع في تحقيق الإنجازات”.
وأضاف الوائلي “كم من المال العام أضعنا وكم من الوقت خسرنا من وراء هذه السياسة التي أثبتت فشلها بحجة الإسراع في تحقيق الإنجازات، لقد حصدنا الخيبة وضياع المال العام، والأمثلة والشواهد في العقدين الأخيرين لا تعد ولا تحصى”.
ودعا الوائلي الحكومة والجهات التنفيذية إلى التحلي بالحكمة ومراعاة الحفاظ على الجودة والمال العام.
وشدد المهندس والمختص في تصميم المدن على أهمية التأكد من ذلك عن طريق التأهيل المسبق والمنافسات الفنية والمناقصات العامة، والالتزام بالضوابط والمعايير الخاصة بذلك.
وأشار إلى أن “كثرة الإحالة المباشرة يؤدي إلى تفشي الفساد في المشاريع وأن غياب المنافسة الشفافة يسمح للشركات غير المؤهلة باستغلال النظام للحصول على عقود كبيرة دون تقديم الجودة المطلوبة، مما يؤدي في النهاية إلى هدر المال العام وإحباط جهود التنمية.
وشدد على ضرورة الالتزام بالمناقصات العامة والمنافسات الفنية لضمان اختيار الشركات الأكثر كفاءة والأفضل قدرة على تنفيذ المشاريع بجودة عالية وفي الوقت المحدد.

حكومة السوداني تحيل مشاريع البنية التحتية لشركات مستجدة وفقًا لسياسة الإحالة دون الالتزام بضوابط المناقصات العامة

ويدر الفساد المالي في العراق مبالغ مالية كبيرة تنتفع بها أطراف السلطة عبر تقاسمها الموارد المالية للوزارات والمؤسسات الحكومية من خلال ما يُعرف بالهيئات الاقتصادية، التي توصف بأنها الجهة المخوّلة بصرف النفقات والتخصيصات وإبرام العقود في المؤسسات الحكومية التي تتولى الأحزاب التي تنتمي لها إدارتها، وذلك بما يتعلق بالعقود كافة ودون استثناء وزارة عن أخرى.
وقال رجل أعمال عراقي إن “كل حزب سياسي لديه هيئة اقتصادية، ومن لا يمتلك هيئة اقتصادية فهو يعتمد على الوزراء والمدراء العامين الذين تعينهم هذه الأحزاب في المناصب الممنوحة لها وفق المحاصصة، حيث يعملون على إدارة الملف المالي للحزب وتغذيته من خلال ما يوفره المنصب من مشاريع.”
ولفت رجل الأعمال الذي فضّل عدم الإفصاح عن هويته خوفًا من ملاحقة جهات وصفها بالمتنفذة إلى أن “الأحزاب السياسية غالبًا ما تعمل على إنشاء شركات وهمية يتم تأسيسها لغرض زجها في المناقصات الحكومية، وبالتالي يرسي الوزير التابع للجهة السياسية ومن معه من مدراء عامين المناقصة على تلك الشركة التابعة لهم، والتي تتقدم للحصول على المشروع على أنها شركة خارجية”.
وأضاف “فيما بعد تذهب الشركة والمقاول التابع لها إلى تنفيذ المشروع بأقل التكاليف، وأحيانًا تشرع ببيع المشروع لشركة أخرى بعد استحصال أربحاها الخاصة، وإذا ما نفذت المشروع فستكون الجهة الحكومية التي سلّمته المناقصة هي من تسهل له عملية الإنجاز والتغاضي عن المعاير التي يتم وضعها في بنود الصفقة”.
وأشار إلى أن 98 بالمائة من المشاريع المحالة لتلك الشركات غير مستوفية للشروط، وجميعها مُررت بصفقات فساد، بل وقد يكون نصفها غير منجَز على الرغم من تسليم مستحقاتها للمقاولين قبل أن ينتهي بها الحال لتركن في رف المشاريع المتلكئة.
بدوره يرى الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، بأن أبرز أسباب تلكؤ المشاريع، يرجع إلى الفساد في إحالة المشاريع إضافة إلى غياب التخطيط، وسوء الإدارة.
ويوضح أن سوء التخطيط، يتمثل بإحالة آلاف المشاريع في سنة مالية واحدة، دون الاكتراث بإمكانية إدامة واستمرار التنفيذ في السنوات اللاحقة، والتي كانت السبب في توقف الكثير من المشاريع بسبب تراجع الإيرادات، وانخفاض قيمة الموازنات المالية.
ويشير إلى أن توقف هذه المشاريع كبدّ ميزانية الدولة خسائر كبيرة تقدر بمليارات الدولارات، إضافة الى ما تسبب به من تراجع في الخدمات.
وبشأن معالجة هذه الظاهرة، يرى الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، أهمية مراعاة الأولوية في إحالة المشاريع وتنفيذها، واستحداث صندوق للتنمية يتم الاستعانة به بتمويل المشاريع في حال تراجع الإيرادات، وتوزيعها على مدة الإنجاز، بما يضمن ديمومة العمل، وعدم تلكؤ التنفيذ.

الفساد يبدد الأموال المخصصة لتطوير البنية التحتية دون إنجاز المشاريع على أرض الواقع

ويرجع مراقبو الشأن الاقتصادي أسباب إهمال القطاع الخدمي، وانهيار البنية التحتية على الرغم من الموازنات “الانفجارية” إلى عمليات الفساد وسيطرة الاحزاب المتنفّذة على مفاصل الدولة كافة فضلًا عن إجراء تعاقدات مع شركات وهمية إلى جانب سوء التخطيط والتنفيذ.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني أن “مشكلة المشاريع الوهمية هي أعظم بكثير من مشكلة المشاريع المتلكئة، حيث يجب التفريق بين الموضوعين، وبين أن المشاريع المتلكئة تتضمن المشاريع التي بدأ بها العمل لكن لم ينجز، أما المشاريع الوهمية فهي التي نفذت على الورق فقط دون التنفيذ على الواقع وعددها بالآلاف”.
وأضاف المشهداني أن “العديد من المشاريع تم تنفيذها على الورق فقط أكثر من مرة من أموال الدولة، كما هو الحال في العديد من الطرق التي قدمت بها مستندات على أنها أنجزت ثم أعيد تأهيلها، ولكنها لم تنفذ أصلا، وهو ما يدرج ضمن المشاريع الوهمية”.
وأشار إلى أن “أحد وزراء الصحة السابقين تحدث بشكل رسمي في وسائل الإعلام عن وجود 3 مستشفيات وهمية في بغداد، صرفت للشركات التي من المفترض أن تنفذها المبالغ المالية، ولكن تبين أن هذه المستشفيات لا وجود لها”.
ولفت إلى أن “المشاريع الوهمية أيضا ظهرت من خلال تقديم ذات المشاريع من قبل الوزارات والحكومات المحلية، وبالتالي فإن إحدى الجهتين ستنفذ المشروع، بينما الجهة الأخرى تصرف الأموال المخصصة للمشروع دون تنفيذ”.
وتبلغ حجم الخسائر التي تكبدها العراق جراء المشاريع المتلكئة فقط دون الوهمية أكثر من 16 مليار دولار بحسب الأرقام الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية وهي أرقام تجافي الحقيقة من خلال عرض رقم قليل جدًا لايمثل الرقم الحقيقي وسط حديث عن قصور قانوني في التشريعات يتيح بيئة آمنة للفساد دون تحقيق المساءلة.
وأكد الخبير القانوني طارق المعموري على إن المشاريع التي تحيلها وزارات الدولة على الشركات والمقاولين، تنظم بعقود تحكمها القوانين المدنية وليست الجزائية.
ويرى المعموري أن عدم وجود عقوبات جزائية على خلفية التلكؤ في تنفيذ المشاريع يعد سببًا رئيسا في تفاقم هذه المشكلة.
وأضاف أنه “في حال تلكؤ المشاريع من حق الجهة المتعاقدة في الدولة إقامة دعوى على الشركات والمقاولين، تطلب فيها فسخ العقد والتعويض، استنادًا لأحكام المادة (177) من القانون المدني العراقي”.
ولفت الخبير القانوني إلى أن “الأحكام التي قد تصدر في مثل هذه الدعاوى، هي مصادرة كفالة حسن الأداء التي تبلغ 5 بالمائة فقط من قيمة العقد، دون أن تكون هناك عقوبات بمفهومها الجزائي كالحبس والسجن، كون التلكؤ يصنف في القانون ضمن التقصير المدني ولا يعد جريمة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى