حرق النفايات بشكل عشوائي يخنق رئات المدن العراقية
حرق النفايات في معظم المحافظات يجري بشكل فوضوي وعلى مقربة من الأحياء السكنية، ما يؤدي إلى ارتفاع أدخنة سامة ومسرطنة تغطي مناطق واسعة، ولها تأثير صحي سلبي مباشر على المواطنين.
بغداد – الرافدين
كشف إعلان وزارة البيئة في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن نسب المطامر الصحية المجازة مدى التقاعس الحكومي عن إيجاد الحلول لمواجهة المخاطر البيئية الناجمة من إهمالها.
ويرى خبراء بيئيون أنه لا توجد جهود حقيقية في تحسين إدارة النفايات وإقامة مرافق تخزين ومعالجة كما أنها تحتاج إلى تعزيز التخطيط البيئي.
وأشاروا إلى أن حرق النفايات في معظم محافظات العراق، يجري بشكل فوضوي وعلى مسافة ليست بعيدة عن الأحياء السكنية، ما يؤدي إلى ارتفاع أدخنه سامة ومسرطنة تغطي مناطق واسعة، ولها تأثير صحي سلبي مباشر على المواطنين.
وأقرت وزارة البيئة أن “مواقع الطمر الحاصلة على موافقة لا تتجاوز نسبتها 28 بالمائة”.
وأكدت الوزارة أن “إدارة النفايات في دوائر البلدية تفتقر للكثير من المقومات، ما يؤدي إلى مزيد من الملوثات”.
واعترف مدير قسم الكيمياويات وتقييم المواقع الملوثة في الوزارة، لؤي صادق المختار أن “مواقع الطمر تفتقر لمقومات الإدارة السليمة والمتكاملة للبيئة”، فضلاً عن أن “النسبة الحاصلة منها على موافقة لا تتجاوز أكثر من 28 بالمائة”.
وأشار إلى أن “كلف إدارة هذه النفايات من خلال جمعها بشكل سليم وآمن وفرزها وغيرها من العمليات لحين الطمر يتطلب مساحات واسعة وكلفاً مالية كبيرة”.
وأكد المختار أن “إدارة النفايات البلدية في العراق تفتقر للكثير من المقومات وينجم عنها الكثير من الملوثات الحادة والشديدة الناجمة عن حرقها كيفما اتفق أو بشكل غير نظامي، مما يولد انبعاث الكثير من الغازات السامة وبعضها مسرطنة في الأماكن المفتوحة”.
ونوه على أن “استخدام النفايات في محارق نظامية يجب أن يكون بمواصفات وشروط معينة، ومن الضروري توفر محارق تصل درجة الحرارة فيها إلى 1100 ـ 1200 درجة، يرافقها حرق للغازات المنبعثة، فضلاً عن وحدات سيطرة على النفايات الصلبة والسائلة المتولدة منها”.
وقال مدير عام مجلس حماية وتحسين البيئة في جنوب العراق محسن عزيز، إن “مواقع طمر النفايات الحالية التي لم تحصل على إجازة بيئية، هي بالحقيقة مكب نفايات، ولا يمكن وصفها بمواقع طمر”
وتابع محسن عزيز “ما يحصل من حرق عشوائي من قبل مجاميع تسمى النباشة يشكل خطرًا كبيرًا على الهواء وتلوثه، وبالتالي الأضرار الناجمة تؤثر بالجهاز التنفسي، لاسيما وأن أعمدة الدخان قد تصل لمسافة 4 كيلومترات”
ويرى محسن عزيز، أن “الحل في الوقت الحالي هو أن تتخذ السلطات المحلية خطوات لإنهاء هذا التلوث الذي يهدد المحيط البيئي نتيجة الغازات المتصاعدة بفعل الحرق العشوائي”.
وقال الدكتور إبراهيم سليمان في مداخلة له على قناة “الرافدين” إنه “لا توجد مطامر صحية في العراق أساسًا وجميع مواقع الطمر الصحي ومكبات النفايات نُقلت إلى أماكن مزدحمة بالسكان وتسببت بنقل الأمراض السرطانية والتنفسية والجلدية”.
وأضاف إبراهيم سليمان أن “الحكومة لا تتحمل مسؤولياتها تجاه هذا الملف الخطير ونحتاج إلى توظيف خبراء في مجال البيئة ليتم التخلص من النفايات بصورة سليمة وصحية”.
وتؤدي عملية الطمر غير النظامية لنفايات البلدية إلى تحول هذه المواقع إلى بؤر خصبة لتكاثر الجراثيم والبكتيريا والفيروسات والعوامل المعدية وانتشار الروائح الكريهة، بحسب مدير قسم مراقبة وتقييم الأنشطة الصناعية والخدمية في وزارة البيئة، جليل حسين سلمان.
وطالب جليل حسين سلمان “بتوفير المتطلبات البيئية داخل الموقع، والالتزام برفع النفايات من المحطات الوسطية (مواقع التجميع) ضمن التوقيتات الزمنية المناسبة”.
ويبيّن، أن “عملية حرق النفايات بالقرب من المناطق السكنية تنطوي على مخاطر كبيرة بسبب انبعاث الدايوكسينات والفيورينات، وهي مواد مسرطنة تنتج عند حرق المواد البلاستيكية الموجودة ضمن النفايات البلدية، فضلاً عن انبعاث أكاسيد الغازات والدقائق والتي يمكن أن يؤدي استنشاقها إلى الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والربو والحساسية، بالإضافة إلى التأثيرات البيئية المتمثلة بتردي نوعية الهواء المحيط”.
من جهته، يشير الخبير البيئي، رمضان حمزة، إلى أن “النفايات في العراق حالها كحال باقي الملوثات سواء المنزلية أو الصناعية بأنواعها الصلبة والسائلة والغازية، وتكمن خطورتها في الغازات المنبعثة منها أو الأدخنة الناتجة عن حرقها والملوثة لجو المنطقة الموجودة فيها”
وأضاف رمضان حمزة “تكثر في هذه المواقع الحيوانات والجرذان والكلاب السائبة الملوثة وقد تدخل إلى بيوت الساكنين قربها، لذلك هي خطيرة جداً وأشبه بـ(القنابل النووية) لنقلها الأمراض وتسببها بالتلوث”.
وأوضح أن “مواقع الطمر كانت في السابق بعيدة عن مراكز المدن، وكانت هناك ساحات خضراء تفصل بينها وبين المدن، لذلك كان شعور الإنسان بها قليلاً، لكن بعد الزيادة السكانية والحروب والتغييرات الديموغرافية توسعت المناطق الهامشية وأصبحت جزءاً من نسيج المدينة وبدأ فيها إنشاء مشاريع سكنية، أما مواقع الطمر الصحي فقد بقيت في مكانها، لذلك أصبحت قريبة من المدن ما شكل مصدر خطر على الساكنين”.
ويرى الخبير البيئي، ثائر يوسف أن “الطمر غير الصحي له تأثير سلبي وخطر على البيئة، ويقوم الكثيرون بتجميعها ثم حرقها، وهو ما يؤدي إلى غازات ودخان تلوث البيئة، في الوقت الذي نفتقد فيه للغطاء النباتي الذي يُسهم في تنقية الجو”.
وأضاف “النفايات المتراكمة أغلبها من مواد كيمائية وصناعية تنزل إلى باطن الأرض وتلوث المياه الجوفية، ما يؤدي إلى تفشي الأمراض في المناطق القريبة”.
ويرى مراقبون أن “مكبات الطمر الصحي وما ينبعث منها من غازات، تعد من أخطر التهديدات التي تواجهها البيئة في العراق، كما أنها تتسبب بأمراض مختلفة ومنها السرطان”.
ولفتوا إلى أنه “في حال عدم معالجة الملف، فإن الأضرار ستتفاقم في البلاد، وأن المواطن البسيط، خاصة الذي يسكن في المناطق الشعبية والفقيرة، هو الأكثر عرضة للأمراض والأضرار”.
وأشاروا إلى أن الوضع البيئي الكارثي في العراق يعود بالدرجة الأساس إلى نظام اللا دولة في البلاد، وأن النظام السياسي يتجاهل مسؤوليته في التصدي لتداعيات التغير المناخي المدمر، واستنزاف الموارد الطبيعية وتلوث الهواء والتربة.