أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

وصف رومانوسكي نظام الدفع الإلكتروني بالرائع لا ينتشل المصارف العراقية من مستنقع الفساد

النظام المصرفي العراقي المتهالك والمثقل بالفساد وتهريب العملة لا يحظى بثقة العراقيين وعاجز عن التحول إلى نظام الدفع الإلكتروني في الوقت الحاضر.

بغداد- الرافدين
قلل خبراء اقتصاديون عراقيون من أهمية تصريح السفيرة الأمريكية في العراق إلينا رومانوسكي، التي وصفت مصادقة حكومة الإطار التنسيقي على نظام الدفع الإلكتروني بـ”الرائع”.
وقالوا إن العواطف لا تؤول إلى اقتصاد متماسك، وأن البيئة الاقتصادية والمصرفية العراقية المثقلة بالفساد والقيود الدولية والعقوبات الأمريكية على البنوك العراقية وتهريب العملة، عوامل تحول دون تطبيق نظام الدفع الإلكتروني.
وشددوا على أن الأهم من كل ذلك انعدام الثقة بشكل مطلق بين العراقيين بالنظام المصرفي والخشية المتصاعدة على أموالهم، وهذا وحده يكفي لوأد قرار نظام الدفع الإلكتروني وتحويلة إلى مجرد إعلان حكومي فاقد القيمة أسوة بعشرات القرارات الاقتصادية الأخرى.
وقالوا إن العمليات المالية الإلكترونية تكشف الصفقات غير الشرعية وكمية المال المهرب وغسيل الأموال التي تتم بطريقة الدفع المباشر.
وكانت رومانوسكي قد وصفت الموافقة على نظام الدفع الإلكتروني بـ “أخبار رائعة”! زاعمة بأنه سيمهد الطريق لنظام مالي حديث ونمو اقتصادي.
إلا أن امتلاك خٌمس العراقيين لحسابات مصرفية وفقًا للبنك الدولي يفند مزاعم السفيرة الأمريكية، في الوقت الذي يفتقر العراق إلى وجود مقدمي خدمات الدفع العالمية. بسبب استمرار “ثقافة الكاش” السائدة في العراق حيث ينقل الحمالون أكوامًا من الدينار العراقي والتومان الإيراني والدولار الأمريكي حول المكاتب الضيقة.
وعلى الرغم من أن بعض المصارف في العراق تصدر بطاقات ائتمانية، إلا أن استخدامها بقي في نطاق محدود، كتسلم حوالات خارجية على سبيل المثال، وعادة ما تكون أجهزة الصراف الآلي قرب فروع البنك فقط، ولا تنتشر في أغلب الأسواق المحلية، ما دفع المواطنين إلى الاعتماد على البطاقات المعبأة مسبقا لاستخدامها في مواقع الإنترنت، كدفع مستحقات أو الشراء.
وبمجرد حساب عمليات الصيرفة النقدية المباشرة “كاش” في العراق ومقارنتها بالعمليات الإلكترونية، نكتشف استحالة إنقاذ هذا النظام المصرفي من دون تغيير جذري شامل خارج سطوة كارتلات الفساد.
وسبق أن شكك موقع “ريست أوف ذا وورلد” المختص بأخبار التكنولوجيا العالمية بالجهود التي تبذل من أجل إصلاح الأنظمة القانونية والمالية القديمة، وتطوير القطاع الخاص في العراق، وتنويع الأساس الاقتصادي للبلد.
وأكد على تعثر أي تقدم بسبب المصالح الراسخة للطبقات الفاسدة المسيطرة على هذا النظام.
ولفت إلى أن الفساد يقف بوجه أي تحول إلى نظام رقمي شفاف حيث صنفت منظمة الشفافية الدولية، العراق على أنه أكثر البلدان عرضة للفساد في العالم.
وأكد تقرير موقع “ريست أوف ذا وورلد” الذي كتبه الصحفي المقيم في مدينة السليمانية وينثروب رودجرز، على أن هذه التحديات تعرقل سعي الناس من أجل تحقيق أحلامهم الاقتصادية، وهو ما يفاقم الإحباط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بسبب نظام ما بعد 2003 في العراق الذي أسهم في نشوب احتجاجات ثورة تشرين عام 2019.
وأكد مصدر اقتصادي عراقي مطلع على أن حكومة محمد شياع السوداني ستكون كسابقاتها، وليس بمقدورها تغيير النظام المصرفي المتخلف.
وأضاف “أن كل الكلام الرائج اليوم على المستوى الاقتصادي والحكومي والإعلامي يتجنب الحقيقة البسيطة التي تكمن في أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار يعود إلى إمبراطورية الميليشيات الاقتصادية التي تدير اقتصادًا نقديًا خارج المراقبة الدولية، وصارت تعمل وفق نفس آلية شركة “خاتم الأنبياء” التابعة للحرس الإيراني.

ثقافة الكاش مستحوذة على السوق العراقية

وبنت الميليشيات لنفسها إمبراطورية اقتصادية من خلال أعمال تجارية غير مشروعة وعقود حكومية، يعتمد أغلبه على التعامل النقدي المباشر، الذي صار من الماضي في أغلب دول العالم التي تعتمد على الأنظمة الرقمية في التعاملات المالية.
ووصف تقرير موقع “ريست اوف ذا وورلد” العراق بالمعزول عن النظام الاقتصادي العالمي. مشيرًا إلى انقطاع العراقيين عمومًا عن أنظمة الدفع الرقمية المعتمدة عالميًا، والتي أصبحت من بديهيات تعاملات الشركات في أنحاء العالم كافة.
وشكك التقرير بقدرة النظام المصرفي الانتقال إلى النظام الرقمي على الرغم من إعطاء البنك المركزي العراقي، تراخيص لـ 17 شركة لتشغيل عمليات رقمية، لتقديم خدمات الدفع الإلكتروني.
وذكر أن “أصحاب الأعمال الذين يحاولون تطوير القطاع الخاص الهش في البلاد، يواجهون تحديًا مزدوجًا، إذ إن المستهلكين المحليين مترددون في اعتماد منصات الدفع الإلكتروني المتاحة محليًا، ولهذا فإن العراقيين معزولون عن أنظمة الدفع الرقمية التي تعتبرها معظم الشركات في جميع أنحاء العالم مسألة بديهية مسلم بها”.
وقال أنس أبو فاضل، الذي يعمل في سوق محافظة السليمانية شمال العراق “الناس هنا لا يدركون ما هي العملة الرقمية، والكل معتاد على المال النقدي ويثق به بشكل أكبر من المدفوعات الرقمية”.
وأضاف “أنا وزملائي بحاجة إلى أنظمة العملات الرقمية في حال أردنا إرسال الأموال إلى الولايات المتحدة أو أوروبا، فغالبية العراقيين لا يستخدمون بطاقات الائتمان المصرفية، كما أن المنصات الإلكترونية العالمية في التسوق على الإنترنت ليست متوفرة للاستعمال في داخل العراق.
وأجمعت مصادر سياسية واقتصادية على أن النظام المصرفي المتهالك في العراق عاجز عن التحول إلى نظام رقمي في الوقت الحاضر.
وقالت إن “سيطرة كارتلات فاسدة تفضل نظام الدفع النقدي المباشر على النظام الرقمي لتمرير صفقات وتحويلات لا تخضع للمراقبة”.
وعزا خبراء اقتصاديون الأسباب إلى أن العمليات المالية الإلكترونية تكشف الصفقات غير الشرعية وكمية المال المهرب وغسيل الأموال التي تتم بطريقة الدفع المباشر.
ويشير الخبير الاقتصادي، أحمد عيد، إلى أن “القطاع المصرفي في العراق يعاني من تشوهات في هيكليته العامة، مثل نقص التمويل وضعف الإيداع النقدي من قبل المواطنين”.
ويعزو سبب تجنب الأفراد للإيداع إلى غياب التسهيلات والعروض التي تحفز المواطنين على وضع أموالهم في المصارف الحكومية أو الخاصة.
وأكد على أن غياب الثقة في القطاع المصرفي من قبل المواطنين، يعود إلى السياسة المالية التي يتبعها البنك المركزي.
وقال الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن، إن “أغلب المصارف الأهلية تعود لأشخاص متنفذين أو لأولئك الذين يمتلكون علاقة معهم، ويغلب على ملكيتها أشخاص خارج البلاد”، مشيرًا إلى “وجود تهريب واستغلال كبير لأموال المودعين، مسببًا خسائر لهم، كما حصل في المصرف التجاري العراقي والإسلامي، حيث تم الكشف عن ملفات فساد كبيرة لحمدية الجاف خلال العام الماضي”.
وأضاف أن “الأزمات السياسية المتتالية في البلاد وتأميم المصارف والاستيلاء على أموال المودعين، أفقدت العراقيين الثقة بالمصارف، مما أدى إلى تخزين الأموال في المنازل، وبالتالي فإن الأموال المودعة في المصارف لا تزيد عن 15 في المئة من حجم الكتلة النقدية العراقية”.
وسبق أن سجل عدد من أصحاب المركبات في الكثير من المحافظات العراقية محاولات “فاشلة” للدفع عبر البطاقة الإلكترونية أثناء محاولتهم التزود بالوقود من المحطات بالتزامن مع إجبار حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني المواطنين على النظام الإلكتروني بدلًا من الدفع النقدي.
ومنذ اعتماد نظام الدفع الإلكتروني في جميع محطات الوقود يساور القلق العديد من المواطنين لأسباب عديدة أبرزها انعدام الثقة بالنظام المصرفي وغياب الثقافة الإلكترونية وعجز الحكومة في التعامل مع الإشكاليات المرتبطة بهذا القرار.
ويواجه عراقيون صعوبات جمة في التكيف مع هذا القرار في ظل بيئة اقتصادية ومصرفية هشة لا تتحمل تبعات الدفع الإلكتروني ومواكبة الطفرات التكنولوجية في ظل غياب الآليات الداعمة لها وانعكاساتها السلبية على المواطنين.
ووثق مواطنون معاناتهم من عطل أجهزة الدفع الإلكتروني في محطة تعبئة العطيفية في العاصمة بغداد.
وعلى الرغم من تكرار محاولة الدفع ثلاث مرات إلا أن النتيجة هي رفض معاملة الدفع.
ومن بين الإشكاليات التي طرحها عدد من المستخدمين للدفع الإلكتروني في المحطات أنه توجد عملية تأخير خلال عملية الدفع الإلكتروني، وبعد فترة انتظار فاقت عشر دقائق، واجه البعض رفض الجهاز لبطاقته الإلكترونية دون معرفة الأسباب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى