أخبار الرافدين
كرم نعمة

إيران والعراق ما بعد خامنئي والسيستاني

جلس المرشد الإيراني على خامنئي على كرسيه بينما أحاط به أكثر من عشرين من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني في جلسة على الأرض بشكل حلقة نصف دائرية، ينصتون بانصياع تام.
وجد خامنئي نفسه منخرطا في محادثة “دافئة وآسرة” مع كبار قادة الحرس. وقال لهم “خرجت كلمات الله من لساني”.
وحتى في دولة تُرسم سياستها وفق مفهوم التقية الطائفية مثل إيران، كان هذا الاعتراف مثيرا، مما أثار بهدوء تكهنات داخل الدوائر السياسية حول ما إذا كان خامنئي جادا في هذا الادعاء.
مع ذلك لم يجرؤ أي من الحاضرين وهم يجلسون على ركبهم في الأرض بينما زعيمهم يعلوهم بكرسيه الوحيد في تلك الجلسة، على سؤاله بشأن ذلك الادعاء؟
لكن هذه الحكاية التي حدثت قبل أسابيع من مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، سلطت الضوء على سلطة الخرافة غير العادية التي يتمتع بها خامنئي، بعد أكثر من ثلاثة عقود من توليه منصب الزعيم الديني والسياسي الأول في إيران.
لم تمثل تلك المزاعم على لسان خامنئي أي فائدة كي يعرف بعد ذلك بأسابيع أن إبراهيم رئيسي المخلص له بلا حدود سيلقى مصرعه في حادث تحطم مروحية!
وبينما خامنئي يتحدث مع قادة الحرس الثوري، كان على الجهة الأخرى المخرج الإيراني محمد رسول آف، يخاطر بحياته في الهروب سرا من إيران باتجاه ألمانيا، وبمجرد وصوله بعد تلك الرحلة الشاقة قال “حجم القمع وشدّته في إيران وصلا إلى درجة من الوحشية بات معها الناس يتوقعون أن يعلموا كل يوم بجريمة شنيعة جديدة ترتكبها الحكومة”.
ونوّه المخرج الذي تم الاحتفاء بفيلمه الأخير “بذرة التين المقدس” في مهرجان كان السينمائي الأخير إلى أنه ينضمّ إلى ملايين الإيرانيين الذين يعيشون في منفى “إيران الثقافي” خارج “حدود إيران الجغرافية” التي تعاني “تحت وطأة طغيانكم الديني”، متوجهًا في كلامه إلى خامنئي.
وأضاف أن الإيرانيين في المنفى “ينتظرون بفارغ الصبر دفنكم ونظامكم القمعي في أعماق التاريخ”.
ومع ذلك، فإن رحلة خامنئي، الذي يبلغ من العمر 85 عاما، تقترب من نهايتها، وأصبح السؤال حول من سيخلفه أكثر وضوحا. خصوصا بعد مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي.
وهو أمر يعيد فتح الأبواب بشأن مفهوم السلطة المطلقة في البلاد التي وضعها الخميني وترك سطوته على الدستور كي تُنقل إلى من بعده.
فمن سيخلف خامنئي، وهو سؤال أكثر أهمية من الرئيس الجديد الذي سيخلف إبراهيم رئيسي.
يقول أحد المحللين الإيرانيين “لن يشارك قادة الحرس الثوري بشكل مباشر في عملية خلافة خامنئي، لكن لن نرى أيضا رجال الدين وقادة الحرس يقفون ضد بعضهم البعض”. ذلك يعني ببساطة سياسية بأن الحرس الثوري سيكون بمثابة الذراع العسكرية لمجلس تشخيص النظام الذي سيختار خليفة خامنئي.
كان ثمة حديث أن يكون البديل إبراهيم رئيسي بما يمتلكه من خطاب محبط وخط شرير، وكان مخلصا بشكل ثابت لخامنئي، وكان جزءا لا يتجزأ من خطته لضمان خلافة سلسة.
لكن مصرع رئيسي وضع تلك الخطة في حالة من الفوضى، وتسبب في تشويش سياسات إيران خلف الكواليس، ويمكن أن يزيد مصرع رئيسي من تمكين جيل أصغر سنا وأكثر تطرفا من السياسيين وهو واقع من شأنه أن يجلب المزيد من القمع في الداخل والعدوان في الخارج.
إيران دولة ثيوقراطية ذات نظام حكم موازٍ، حيث يتم الإشراف على الهيئات المنتخبة من قبل مجالس معينة. ويتم تحديد السياسات الرئيسية للدولة فيما يتعلق بالشؤون النووية والعسكرية والخارجية من قبل خامنئي والمجلس الأعلى للأمن القومي، في حين يعمل الحرس الثوري على زيادة نفوذه على الاقتصاد والسياسة.
تقول سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد (تشاتام هاوس) “بالنسبة للنظام، فإن هذه المسافة وهذا الانفصال بين الدولة والمجتمع يمثل مشكلة خطيرة”.
وتضيف فاكيل التي تفهم عن قرب شؤون إيران والدول العربية “إنه نظام يبتعد عن جذوره الجمهورية ويصبح أكثر استبدادية، وطالما عبر خامنئي عن ارتياحه للسيطرة القمعية، وأن تحافظ النخبة على وحدتها، فلا داعي للقلق. فلا يمكن أن يحدث أي تغيير.”
لقد بلغ أتباع خامنئي الصغار سن الرشد بينما تترك الولايات المتحدة فشلها في مواجهة إيران، مثلما تركت العراق لسطوة ميليشيات ولائية لخامنئي.
لذلك رحب أتباع خامنئي بالتحالف الصيني والروسي مع إيران ويرون في الساحة الدولية، على النقيض من الجبهة الداخلية، مجالاً يمكنهم من تحقيق النجاح فيه.
كل ذلك يدفع إلى زيادة منسوب التكهنات بشأن أن ينتقل منصب المرشد الأعلى إلى مجتبى نجل خامنئي المعروف برجل ظل السياسة الإيرانية الذي يتمتع بنفوذ قوي على بلد نادرا ما يراه أو يسمع عنه.
وما زاد من تلك التكهنات مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي قال العديد من المحللين إنه تم إعداده ليحل محل المرشد الأعلى.
تجمع المؤشرات على أن مصرع رئيسي لن يؤدي فقط إلى انتخابات رئاسية جديدة. ومن الممكن أيضاً أن يؤدي إلى تغيير الديناميكيات حول اختيار خليفة لخامنئي. وستكون حظوظ مجتبى (55 عاما)، الابن الثاني لخامنئي بين ستة أشقاء. عالية هذه المرة، بعد أن عزز علاقاته داخل الحرس الثوري. ويُعتقد أنه يلعب دورًا حاسمًا في إدارة مكتب والده.
هناك توجه متبادل ما بين طهران والنجف، فبمجرد مباركة تولي مجتبى موقع والده في طهران، سيكون الدعم الإيراني معلنا لتولى محمد رضا مرجعية النجف خلفا لوالده علي السيستاني الذي ظهر هو الآخر في فيديو نادر يحمل إشارات ملتبسة عن من يخلفه!
لكن ماذا يعني ذلك عندما تتحول هذه المناصب الدينية التي تدر المليارات من الأموال السياسية إلى وراثة عائلية؟
لا يوجد ما يشير إلى تغيير الوضع الراهن في العراق أو إيران طالما أن خامنئي والسيستاني على قيد الحياة. لكن أي تحول للأفضل أو للأسوأ، يمكن توقعه بعد وفاتهما!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى