أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراقمجالس المحافظات: بوابة مشرعة على الفساد

أهالي سنجار لا يريدون مغادرة خيم النازحين ليقطنوا فوق ركام منازلهم المدمرة

بمساعدة من منظمة إنسانية، أعاد باسم عيدو تأهيل بيته. لكن غالبية سكان القرية في سنجار غير قادرين على بناء منازلهم، رغم أن كل ما يحتاجون له هو بناء غرفة أو غرفتين.

سنجار (العراق)- في كلّ مرة يقف باسم عيدو أمام باب منزله في قريته شبه المهجورة في شمال العراق، يعتريه الذهول من حجم الركام حوله، في مشهد ألفته منطقة سنجار ذات بعد سنوات من انتهاء الحرب.
في باحة منزله في صولاغ – الكهوف الشرقية الواقعة على بعد 400 كلم شمال غرب بغداد، يقول عيدو (20 عاماً) بحسرة، “من أصل ثمانين عائلة، لم تعد إلا عشر فقط”.
ويضيف “لا توجد منازل ليسكنوا فيها، لماذا سيعودون؟ لا يريدون مغادرة خيم (النازحين) ليقطنوا خيماً” فوق أنقاض منازلهم.
وبعد كل هذه السنوات، لا تزال قرى وأحياء بكاملها مدمّرة، فيما تعرقل النزاعات السياسية عملية إعادة إعمار منطقة شهدت العديد من المآسي.
في صولاغ، المشهد لا يزال يذكّر بالحرب: منازل مدمّرة، أنابيب مياه وخزانات صدئة، وأعشاب برية بين تشقّقات جدران تشهد على ما كان يوماً مكانا للسكن.
ويقول عيدو بأسى “كيف يرتاح قلبي… ولا أحد هنا نأنس به لننسى ما حصل؟”.
وتمكّنت بضع عائلات فقط من إعادة بناء منازلها، بينما اختارت أخرى نصب خيم فوق الأنقاض.
وعاد عيدو وعائلته إلى صولاغ قبل سنوات احتراماً لأمنية والده المريض الذي أراد أن يقضي آخر أيامه في قريته. ومن حسن حظ العائلة أنها وجدت منزلها محترقًا تمامًا لكن غير مدمّر، على عكس غالبية منازل القرية.
بمساعدة من منظمة إنسانية، أعاد عيدو تأهيل بيته. لكن غالبية سكان القرية غير قادرين على بناء منازلهم، على حدّ قوله، رغم أن “كل ما يحتاجون له هو بناء غرفة أو غرفتين”.
ويوضح “لو أن الحكومة أو المنظمات تتولى إعادة الاعمار، لعاد جميع السكان”.
وحدّدت السلطات الحكومية مؤخرًا مهلة تنتهي في الثلاثين من تموز لإغلاق مخيمات النزوح، ووعدت بمساعدات مالية وحوافز للعائدين الى قراهم. وتعهدت الحكومة مراراً بتكثيف جهود إعادة الإعمار ودفع تعويضات للمتضررين.
لكن كل تلك الوعود لا قيمة لها، لأن الحوافز المالية لا يمكن أن تستأجر غرفة واحدة، كما أن غالبية النازحين لا يثقون بالوعود الحكومية بعد أن تركتهم يعيشون مأساة إنسانية في مخيمات النزوح.
وأعلنت وزارة الهجرة عودة المئات إلى مناطقهم. لكن أكثر من 183 ألفاً من أهالي سنجار ما زالوا نازحين، وفق تقرير صدر مؤخراً عن منظمة الهجرة الدولية. ويشير التقرير الى أن مناطق عدة استقبلت نصف عدد سكانها الأصليين أو أقل، لكن لم تُسجّل أي عودة الى 13 موقعًا على الأقل منذ 2014.

الوعود الحكومية لا قيمة لها، لأن الحوافز المالية لا يمكن أن تستأجر غرفة واحدة، كما أن غالبية النازحين لا يثقون بالحكومة بعد أن تركتهم يعيشون مأساة إنسانية في مخيمات النزوح
ويقول قائمقام سنجار بالوكالة نايف سيدو “قرى وأحياء كاملة سُوّيت بالأرض، وملف التعويضات متلكئ، فالغالبية لم يأخذوا مستحقاتهم”.
عند اجتياح تنظيم “داعش” في آب 2014 لسنجار، فقدت هدلا قاسم أربعين فردًا على الأقل من عائلتها، بينهم والدها ووالدتها وشقيقها، في قرية كوجو.
وتروي السيدة (40 عامًا)، وهي أم لثلاثة أطفال، أنها تقدّمت قبل ثلاث سنوات بطلب للحصول على تعويض عن منزل العائلة المدمّر، بدعم من المجلس النروجي للاجئين الذي يقدّم خدمات قانونية لأهل المنطقة، لكن دون جدوى.
كما لا تزال تنتظر الحصول على التعويض الشهري الذي يُدفع لعائلات الضحايا، لكن طلبها على غرار طلبات أخرى كثيرة، لا يزال عالقًا في متاهة البيروقراطية الإدارية.
وتقول قاسم من منزلها الذي عادت إليه قبل سنوات، “نحن مدمّرون. لم نحصل على شيء إطلاقا”.
وتضيف بأسى “لم يقوموا بنبش كافة المقابر، وملفات الشهداء لم تنته، ولم يعد كلّ من في المخيمات… نحن بحاجة إلى حل”.
وتقول الموظفة القانونية في المجلس النروجي للاجئين فيريمنا خدر “السكن الآمن والصالح للعيش ضرورة، لكننا نحتاج أيضاً الى بنية تحتية، مثل الطرق والمدارس والمباني الحكومية”، ليكون هناك “أمل في بناء الحياة من جديد”.
وبسبب عدم قدرتهم على بناء منازلهم، استأجر البعض بيوتا في مدينة سنجار برغم ضعف الخدمات والبنية التحتية. ويتعين على العديد من المرضى السفر لساعات للحصول على رعاية طبية غير متوفرة في مستشفى المدينة الوحيد.
في المدينة القديمة وسط سنجار، لم يبق منزل أو متجر على حاله، واستحالت شوارع عدة دمارا.

وبعد كل هذه السنوات، لا تزال قرى وأحياء بكاملها مدمّرة، فيما تعرقل النزاعات السياسية عملية إعادة بناء منطقة شهدت العديد من المآسي
وأصبحت كنيسة قديمة مدمرّة مقصدًا لأغنام ترعى العشب الذي نما بين الركام. كما تحوّلت مدرسة الى مقرّ لميليشيا مسلّحة، وقاعة سينما إلى مركز عسكري.
ومنذ سنوات طويلة، تقع سنجار في صلب نزاع بين حكومة بغداد وسلطات إقليم كردستان. وفشل الطرفان حتى الآن في تنفيذ اتفاق توصلا إليه في 2020 لإعمار المنطقة.
وما يزيد من تعقيد النزاع انتشار مجموعات عدّة في المنطقة اليوم، بينها الجيش العراقي، وفصيل أيزيدي متحالف مع حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا التي تستهدفه مرارا، والحشد الشعبي، وهو تحالف ميليشيات مسلحة بعضها موال لإيران باتت منضوية في القوات الرسمية.
ويقول مصدر أمني فضّل عدم الكشف عن اسمه، “كلّ الأطراف تريد حصة، ثمة مصالح مختلفة”، ما يعرقل التعيينات ومساعي إعادة الإعمار.
في العام 2022، دفعت اشتباكات بين مقاتلين محليين والجيش العراقي بالآلاف الى النزوح مجددًا.
وتقول الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش” سارة صنبر إنه في حين تتنازع بغداد وأربيل على سنجار، فإن أيّا منهما لا تقوم بالدور المطلوب “في تحمّل مسؤوليتها”.
وتضيف “بدلاً من التركيز على إغلاق المخيمات، على الحكومة الاستثمار في بسط الأمن وإعادة بناء سنجار لتكون مكاناً يرغب الناس فعلاً بالعودة إليه”.

سارة صنبر: في حين تتنازع بغداد وأربيل على سنجار، فإن أيّا منهما لا تقوم بالدور المطلوب في تحمّل مسؤوليتها
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى