صيدلية على قارعة الطريق في بسطة خشبية هربًا من الحرب الوحشية في غزة
أمام لوحين صُنِعَا من خشب بالٍ، وعلى كل منهما ورقة مكتوب عليها “صيدلية اليرموك- الدكتور إياد جابر والدكتور عماد محمد جابر”، يقف الطبيبان لمساعدة المرضى في أي استشارة أو بيع ما يتوفر من أدوية.
غزة- في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يقف الطبيبان الشقيقان إياد وعماد جابر أمام لوحين خشبيين على ناصية طريق في مشهد من تداعيات الحرب الإسرائيلية الوحشية.
وعلى اللوحين يضع الطبيبان أنواعًا مختلفة من الأدوية جلباها من صيدليتهما في مدينة رفح جنوبي القطاع التي تتعرض لهجوم بري من قوات الاحتلال.
وإياد وعماد من بين مليون فلسطيني أجبرهم الهجوم على النزوح من رفح خلال ثلاثة أسابيع منذ السادس من أيار الجاري، حسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ونزح الطبيبان من حي الشابورة وسط رفح، بحثا عن ملاذ آمن لتقديم خدماتهما للمرضى، في ظل حرب متواصلة على القطاع منذ السابع من تشرين الأول الماضي.
وخلفت الحرب في غزة أكثر من 117 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وحوالي 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
ولم ينزح الطبيبان من رفح بخفي حنين، بل حملا معهما أدوية لبيعها للمرضى، في ظل نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية يعاني منه قطاع غزة؛ جراء الحرب وقيود إسرائيلية تنتهك القوانين الدولية.
وللعام الـ18، تحاصر “إسرائيل” قطاع غزة، وأجبرت حربها نحو مليونين من سكانه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد أيضا في الغذاء والماء.
وأمام لوحين صُنِعَا من خشب بالٍ، وعلى كل منهما ورقة مكتوب عليها “صيدلية اليرموك- الدكتور إياد جابر والدكتور عماد محمد جابر”، يقف الطبيبان لمساعدة المرضى في أي استشارة أو بيع ما يتوفر من أدوية.
وبالرغم من الظروف الصعبة والمخاطر الناجمة عن الحرب الإسرائيلية، إلا أن الطبيبين يواصلان جهودهما الإنسانية في خدمة مجتمعهما بالإمكانيات المتاحة، كما قالا.
غير أن الأدوية المتوفرة لديهما لا تلبي احتياجات جميع شرائح المرضى، إذ نفدت أصناف كثيرة يحتاجها النازحون، وبينها أدوية القلب والسكر والكبد الوبائي المنتشر بكثرة.
ولا يعمل الطبيبان على مدار النهار؛ فالأدوية تحتاج لدرجة حرارة مناسبة وتفسدها أشعة الشمس، لذا يكون عملهما قبل غروبها، ويبذلان جهودا لتظليل الأدوية.
وقال الطبيب إياد جابر لوكالة “الأناضول” “بعدما أبلغ الجيش الاحتلال بإخلاء منطقة الشابورة ونزوح الناس من رفح، اضطررنا للخروج وأخذ الأدوية من الصيدلية التي نمتلكها نحو مكان في دير البلح”.
وأضاف أن “احتياج الناس للدواء دفعنا لنأخذه ونعرضه في الطريق؛ في ظل شح الإمدادات في قطاع غزة نتيجة إغلاق المعابر”.
وفي السابع من أيار الجاري، استولت قوات الاحتلال على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري مع مصر؛ ما أغلقه أمام خروج جرحى لتلقي العلاج ودخول مساعدات إنسانية شحيحة أساسا، بينها أدوية.
وأضاف إياد “في البداية كان السكان متفاجئين، لكنهم بحاجة ماسة للدواء ومضطرون للحصول عليه من الطريق”.
مأساة النازحين والمرضى
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، يواجه 10 آلاف مريض بالسرطان الموت ويحتاجون إلى العلاج والدواء، بينما يبلغ عدد حالات التهابات الكبد الوبائي الفيروسي الناجمة عن النزوح حوالي 20 ألف حالة.
وفي ظل مجازر إسرائيلية متكررة بحق النازحين، يتخوف إياد من أي هجوم إسرائيلي في المنطقة التي يعمل فيها، معتبرا أن كل مناطق قطاع غزة غير آمنة.
وحذر من خطورة النقص الحاد في الأدوية وتأثيره على صحة الغزيين؛ في ظل انتشار الأمراض والأوبئة.
وناشد منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الدولية “توفر الأدوية للسكان في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها، خاصة مع تفشي الأمراض المعدية بين النازحين”.
ومنذ بدء الحرب، عمد جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى استهداف مستشفيات غزة ومنظومتها الصحية، وأخرج مستشفيات كثيرة عن الخدمة؛ ما عرض حياة المرضى والجرحى للخطر، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
وإلى جانب الطبيب إياد، يفترش شقيقه الطبيب عماد هو الآخر لوحًا خشبيًا يرتب عليه أدويته ويجمع كل صنف في مكان واحد.
وبينما كان يعمل، طلبت منه مريضة من النازحين إلى دير البلح نوعين من الأدوية لمرضها وصفهما لها طبيب في مستشفى، لكن عماد وجد نوعًا ولم يستطع توفير الآخر.
وقال عماد “نزحنا إلى دير البلح بعد التهديدات من الاحتلال وتوغله في منطقة الشابورة، وقررنا أن نحمل الأدوية معنا لأن السكان بحاجة إليها”.
وأردف “وصلنا إلى دير البلح وفتحنا بسطة صغيرة، وعرضنا ما لدينا من أدوية ليتم بيعها للمرضى”.
وتمنى الطبيبان أن تنتهي الحرب قريبًا، مما يتيح لهما العودة إلى رفح وصيدليتهما، حيث يطمحان لأن يكونا عونا للمرضى وشريكين في إعادة بناء المجتمع الطبي.
وتواصل “إسرائيل” الحرب على غزة رغم أوامر من محكمة العدل الدولية بوقف الهجوم البري على مدينة رفح (جنوب) فورا، واتخاذ تدابير مؤقتة لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بالقطاع.