أخبار الرافدين
طلعت رميح

المقاومة… إلى الهجوم الاستراتيجي

تشهد التوازنات الاستراتيجية في الصراع المندلع منذ بداية طوفان الأقصى، تحولا لمصلحة الشعب الفلسطيني والمقاومة.
لقد شهدت الأيام الأخيرة تدشين المقاومة بداية المرحلة الثالثة من مراحل الحرب الشعبية، وفيها تصبح المقاومة في وضع الهجوم الاستراتيجي، فيما الكيان الصهيوني في موقع الدفاع.
ما تابعناه في الأيام الأخيرة من أحداث بارزة، هو بداية هذا التغيير في مشهد حركة الصراع سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا وإعلاميا.
لقد جاءت عودة المقاومة لإطلاق الصواريخ على تل أبيب، والعملية النوعية للمقاومة في جباليا التي تمكنت فيها المقاومة من أسر صهاينة، كمؤشر على بداية هذا التحول، الذي كان قد سبقه مؤشر أخطر تمثل في فشل الجيش الصهيوني في الإفراج عن الأسرى بعد اجتياح رفح.
وعلى الصعيد السياسي فقد تكاثرت المؤشرات النوعية أيضا. فبعد ثبات الدعم والتأييد الشعبي في دول الغرب للقضية الفلسطينية، جاء اعتراف الدول الأوروبية الثلاث أيرلندا وإسبانيا وبلجيكيا، والتحضيرات الجارية من دول أوروبية أخرى للاعتراف بدولة فلسطينية، وقرار محكمة العدل بإنهاء العدوان على رفح، وإعلان المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية عن توجه لملاحقة نتنياهو ووزير دفاعه بتهم جرائم الحرب، لتؤكد على الانتصار السياسي لصمود الشعب والمقاومة في غزة.
كل ذلك أظهر حدوث تغيير في معادلات التوازن الاستراتيجي في هذه المرحلة من الصراع لمصلحة المقاومة، التي أصبحت في موقع الهجوم الشامل.
وهو ما أكده اشتعال الصراع بين مكونات نخب الحكم في الكيان الصهيوني.
تعرض نتنياهو للهجوم من قبل وزير الدفاع يوآف غالانت، وكذلك فعل رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي الذي أضاف تأكيدا على عدم امتلاك نتنياهو خطة محددة لمرحلة ما بعد العمليات العسكرية.
كما انتقل الوزير في مجلس الحرب بيني غانتس، من حالة الضغط بالإنذار لنتنياهو بحل حكومة الحرب، إلى الدعوة لحل الكنيست وخوض انتخابات مبكرة. وكل ذلك على خلفية تقديرات للجيش الصهيوني بوصول الحرب العسكرية إلى طريق مسدود، وبضرورة التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى عبر التفاوض.
وإذ يبدو للبعض أن القول بحدوث تحول لمصلحة صمود الشعب والمقاومة، يتناقض مع استمرار الجيش الصهيوني في أعمال القصف والقتل والتدمير، فذلك يعود إلى الخلط بين الحروب النظامية والحروب الشعبية. فالجيوش النظامية تهزم في معركتها مع المقاومات الشعبية حين تصل إلى طريق مسدود أو إلى عدم القدرة على تحقيق الأهداف السياسية للحرب. ذلك أن الحرب هي امتداد للسياسة عبر أدوات العنف، وحين تفشل الحرب في تحقيق الأهداف السياسية يجري العودة لأدوات السياسة مجددا.
وذلك هو المعنى المحدد لكل التصريحات والتقديرات الصهيونية والأمريكية التي تقر بوصول عمليات الجيش الصهيوني إلى طريق مسدود، وبأن المقاومة قادرة على مواصلة الحرب لسنوات بما يستنزف قدرات الجيش ويبدد الانتصارات التكتيكية التي حققها الجيش في مراحل الحرب السابقة.
والأهم فيما نراه الآن في داخل الكيان الصهيوني، هو أن كتله حرجه -سياسية وعسكرية وشعبية- باتت تتشكل ويتزايد دورها في الضغط الفاعل لاتخاذ قرار إنهاء الحرب. تلك الكتلة باتت ضاغطة ويتعاظم دورها وتنتقل من الضغط على نتنياهو واليمين إلى الوصول للسلطة عبر المظاهرات والانتخابات.
وفي ذلك، فكل الأوضاع السياسية والدبلوماسية والقانونية على صعيد المحاكم الدولية، تجري لمصلحة تشكيل تلك الكتلة الحرجة التي باتت ترى أن استمرار الحرب والخطة التي يسير عليها نتنياهو واليمين المهووس، بات يهدد بقاء الكيان الصهيوني على المدى الطويل.
وبمراجعة تجارب الحروب الشعبية، فقد تشكلت تلك الكتلة الحرجة في الولايات المتحدة، خلال المواجهة مع المقاومة الفيتنامية والعراقية والأفغانية، وهي التي اتخذت القرار بعدم مواصلة استراتيجية الحرب. وما اختلف في كل تلك التجارب هو طريقة “إخراج” قرار الانسحاب، وضرورة ألا يبدو بمكانة اعتراف بالهزيمة…
وما جعل المقاومة الفلسطينية تختصر الوقت لتصل بالعدو إلى تلك الحالة، مقارنة بالتجارب الأخرى، هو أن الجيش الصهيوني ليس لديه قدرات كتلك التي لدى الجيش الأمريكي، وأن الحرب تجري على أرض واحدة، بما يسرع عوامل وفعاليات التأثير في المجتمع الصهيوني، وذلك أمر مختلف عن الحالة التي حارب فيها الجيش الأمريكي على بعد آلاف الأميال. لقد احتاج تشكيل الكتلة الحرجة التي اتخذت قرار إنهاء الحرب، لوقت طويل في الحالة الأمريكية مقارنة بما هو جار الآن في الحالة الصهيونية.
وتلك المرحلة تكون الأخطر، إذ القيادة السياسية ستصعد فعاليات الحرب بجنون وتسارع الوقت أملا في كسب الحرب، ذلك انها ستخسر السلطة. وفى حالة نتنياهو واليمين المهووس الحاكم فهم سيخسرون ما تمكنوا من تحقيقه من نفوذ ودور داخل المجتمع الصهيوني وسيصابون بنكسه تمتد لسنوات طوال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى