منطقة “الشعبة الخامسة” في بغداد تفتح شهية الفاسدين للهيمنة عليها
تحذيرات من وصول أذرع أخطبوط الفساد إلى الشعبة الخامسة في الكاظمية واستغلال أرضها في مشاريع تعود بالنفع على جيوب السياسيين بدلًا من استثمارها كمساحات خضراء لتحسين التصميم العمراني لبغداد.
بغداد – الرافدين
أكد مراقبون وإعلاميون وقوف أطراف متنفذة متهمة بالفساد خلف إعلان حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني تحويل أراضي منطقة الشعبة الخامسة في منطقة الكاظمية بجانب الكرخ من بغداد إلى متحف كبير، فضلاً عن فنادق ومتنزهات.
وأشاروا إلى أن هذه الأطراف التي تتخذ من عمليات الاستثمار غطاءًا لممارسة فسادها هي من دفعت حكومة السوداني إلى التخلي عن منطقة “الشعبة الخامسة” المعروفة حاليا باسم “مُعسكر العدالة” الخاضع لإدارة كلّ من لواء بغداد وجهاز مكافحة الإرهاب في القوات الحكومية بعد ان كانت من أبرز معسكرات قوات الاحتلال الأمريكي في العاصمة بغداد.
وكشف مصدر مطلع، أن “مشروع إحالة منطقة الشعبة الخامسة إلى الاستثمار يقف خلفه مسؤولون ومتنفذون، بينهم رئيس هيئة الاستثمار النيابية، النائب حسن قاسم الخفاجي، الذي كان يدفع باتجاه اتخاذ هذا القرار من قبل الحكومة”.
وعلى الرغم من عدم معرفة المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، بمصلحة النائب الخفاجي، وانتفاعه من هذا المشروع، إلا أن الأخير هو شقيق المسؤول عن مجمع قرية الكاظمية وهو مشروع استثماري سكني يبعد عن الشعبة الخامسة أقل من كيلومتر واحد فقط، وهي ذات المسافة الفاصلة بينه وبين شارع المحيط المعروف بغلاء عقاراته.
وكان الناطق الرسمي باسم حكومة السوداني باسم العوادي، قد كشف منتصف شهر أيار الماضي، عن “خطة إعمارية متكاملة” لمدينة الكاظمية في العاصمة بغداد، تتضمن إخلاء الشعبة الخامسة وإنشاء مرافق خدمية وثقافية ورياضية فيها على غرار مشاريع أخرى سبق وأن أحيلت للاستثمار قبل أن يتبين لاحقًا هيمنة متنفذين عليها.
ويرى الصحفي والناشط منتظر ناصر أن “الأمر بات خطيرًا إلى درجة التحرك على أهم عقارات الدولة، ومنحه لاستثمار غامض جدًا، وهو موقع (الشعبة الخامسة)، الذي يعد من أغلى العقارات في بغداد، إن لم يكن أغلاها على الإطلاق”.
وأضاف ناصر في منشور له على منصة التواصل الاجتماعي “إكس” أن “هذه المنطقة سوف تكون مربحة لأي مستثمر مهما كان استثماره، لا سيما أن الأمر لم يبدأ الآن، فقد سبقته محاولات أخرى لمستثمرين مرتبطين بجهات سياسية استغلوا مشروع كورنيش الكاظمية القريب من الموقع، والذي قامت الحكومة بترميمه وتدشينه من الموازنة العامة بوصفه منتجعاً للعوائل والزائرين”.
وتابع “لكن مستثمرين سيطروا على الموقع من خلال مطعم ضم واحدًا من أهم المشاريع التي روجت لها وزارة النقل، وهو التاكسي النهري، والذي لا يمكنك الوصول إليه إلا من خلال ذلك المطعم”.
ولفت الصحفي العراقي إلى إن الإعلان الحكومي المتعلق بالشعبة الخامسة جاء بعد الاستيلاء على العديد من عقارات الدولة، التي تتضمن قصورًا رئاسية ومنازل مسؤولين في النظام السابق، قبل أن يتم بيعها لشاغليها من السياسيين الحاليين أو الاستثمار فيها بطريقة عشوائية ومريبة تذهب إلى صناديق اقتصادية مرتبطة بأحزاب سياسية نافذة.
ويدور منذ أعوام حديث عن فساد كبير يرتبط بمنح فرص الاستثمار لمتنفذين ومقربين من أحزاب وميليشيات مسلحة ولعل الحكم بالسجن 4 سنوات مع غرامة مالية على رئيس استثمار بغداد السابق شاكر الزاملي على خلفية تهم فساد تورط بها خلال 10 سنوات من شغله المنصب من أبرز الشواهد على الفساد المتجذر في ملف الاستثمارات.
وعن الفائدة المرجوة من استثمار منطقة الشعبة الخامسة في ضوء هذه المعطيات يرى الباحث في الشأن الاقتصادي علي كريم إذهيب، أن “هذه المشاريع ليست ذات جدوى اقتصادية أو استثمارية، كون العاصمة بحاجة لتوسعة أكبر خاصة فيما يتعلق باستثمار مناطق أطراف بغداد الجرداء، بدلا من استثمار مبان سابقة داخل العاصمة والتي منها مبنى الشعبة الخامسة”.
ويضيف إذهيب، أن “الشعبة الخامسة مساحتها كبيرة، والأفضل تحويلها لمساحات أو أحزمة خضراء خصوصًا أنها قريبة من نهر دجلة لتقليل التلوث عن مناطق الكاظمية وما يجاورها في جانب الكرخ”.
وعلى مدار أكثر من عقدين، شهدت مختلف المدن العراقية، تجاوزات كبيرة على التصاميم الأساسية والاستيلاء على بعض المساحات الخضراء وتحويلها إلى مبان تجارية وسكنية، مما تسبب بحالة من الاختناق السكاني والتشوه العمراني وإرباك في مستوى الخدمات.
ونالت بغداد الحصة الأكبر من أوسع عملية لتجريف الأراضي الزراعية وتحويل المناطق الخضراء والمشاتل الى مشاريع كونكريتية، تسببت بتلوث العاصمة وارتفاع درجة الحرارة فيها بشكل غير مسبوق.
وتتوجه الاتهامات في هذا السياق الى شخصيات ( قوية بعلاقاتها وأموالها ) وبتواطؤ من ضعاف النفوس في الدوائر المختصة بتدمير المناطق الخضراء في بغداد.
وقد تعرضت مناطق الكريعات والدورة والعطيفية ومناطق شرقي بغداد وجنوبيها وشمالاً إلى الكاظمية حيث موقع الشعبة الخامسة فضلا عن الطارمية والمدائن الى عمليات واسعة لتجريف البساتين وتحول حي “البساتين”الى قطعة كونكريتية ولم يبق من بساتينه إلا اسمها فقط في مفارقة لافتة.
وبحسب وزارة التخطيط، يعيش في بغداد نحو 11 مليون نسمة من مجموع 42 مليون في عموم العراق، يتوزع أغلبهم عند المناطق الشرقية والوسطى من العاصمة، في وقت تعاني البلاد من أزمة سكن خانقة، تسببت بانتشار العشوائيات واضمحلال المناطق الخضراء.
وسبق أن كشفت وزارة الزراعة في شهر آب من عام ٢٠٢٣، عن فقدان البلاد لأكثر من 82 ألف دونم زراعي، نتيجة لما وصفتها بـ”عمليات تجريف ممنهجة” تستهدف الأراضي الزراعية والبساتين، مما تسبب بارتفاع معدلات التصحر وقلة الإنتاج الزراعي .
ويرى المهندس المعماري ثائر الفيلي وهو مختص في تصاميم المدن الحديثة، إن “نسبة المساحات الخضراء يجب ألا تقل عن 50 بالمائة من مجموع الكتل البنائية في أي مدينة”.
وأضاف أن “العراق سجل تراجعًا خلال الفترات الماضية على مستوى المساحات الخضراء، حيث لم ينخفض عن مستوى 40 بالمائة، إلا أنه بعد 2003، شهد انخفاضاً بشكل كبير وصل مؤخراً إلى 15 بالمائة ، وهذا يمثل حالة انهيار كبيرة”.
وحذر المهندس المعماري من “كارثة عمرانية واقتصادية ما لم يتم إيجاد حلول ومعالجات علمية وعملية للحفاظ على ما تبقى، مع أن فرص العودة بالمدن إلى حالة التعافي صعبة جدًا”.
بدورها تؤكد المهندسة المعمارية هند حسن على أهمية التخطيط الحضري بالنسبة الى بناء وتوسيع المدن”.
وبينت أنه في العصر الحديث لايمكن بناء مجمع بدون الاستعانة بمخططات، فما بالك بتخطيط المدن التي لايترك توسعها لحركة الناس واجتهاداتهم”.
وأشارت إلى أن “العراق جلب شركات عالمية لوضع مخططات وتصاميم تنموية عدة لتطوير البيئة الحضرية للمدينة واهتمت تلك المخططات بشكل كبير بالفضاءات المفتوحة والمساحات الخضراء.
ولفتت إلى أن التصميم الإنمائي الشامل لقانون 156 لسنة 1971الذي كلفت بإعداده آنذاك شركة بول سيرفيا البولونية وكان من أهم المخططات، فقد اشتمل المخطط على توسع لمرحلتين الأولى عام 1967 وسنة الهدف بغداد عام 1990 ، أما المرحلة الثانية فقد اعدت سنة 1973 والهدف بغداد عام 2000، حيث كانت التوقعات تشير الى أن سكان بغداد سيبلغ نحو ستة ملايين نسمة.
واستغربت المهندسة المعمارية تجاهل المسؤولين لهذا المخطط الذين اعتنى كثيرًا بأهمية الغطاء النباتي واشتمل على حماية العاصمة بأكثر من حزام أخضر لوقايتها من العواصف الترابية كما أولى أهمية الى إنشاء الحدائق والمتنزهات داخل العاصمة وخصص مساحات واسعة لتشجيع إنشاء المشاتل بهدف زيادة النباتات الخضراء التي تسهم بتنقية الأجواء وتلطيفها لتمنح بغداد بعدًا جماليًا.