حزب العمال يجند القاصرين وفتيات من شمال العراق بتواطؤ من ميليشيات الحشد
قياديات في "بي كا كا" يرتدين الزي العسكري يحذرن ضباطًا عراقيين يتبعون قيادة عمليات نينوى من تعنيف الفتيات بعد ضمهن لصفوف الميليشيا سواء عبر اختطافهن أو استغلال فقرهن واستقطابهن مقابل المال.
نينوى – الرافدين
سلط اختطاف وتغرير ميليشيا حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” لفتيات من قرية أم الذيبان العربية في قضاء سنجار بمحافظة نينوى شمالي العراق الضوء على ممارسات التنظيم المصنف على قوائم الإرهاب، بعد أن أشغلت الحادثة الرأي العام في العراق خلال الأيام الماضية.
ووجه مراقبون انتقادات واسعة للقيادات الأمنية الحكومية التي بدت عليها مظاهر الخضوع خلال إطلاق قيادية في التنظيم تهديدات لسكان القرى العربية بحضور عدد من كبار الضباط وفي مقدمتهم قائد الفرقة 20 الماسكة لمناطق قضاء سنجار اللواء الركن أثير حمزة التميمي، الذي اكتفى بالسكوت وعدم التعليق خلال اجتماع تفاوضي لتسليم الفتيات لذويهن.
وأكدوا على أن ظهور قياديات في الميليشيا يرتدين الزي العسكري وهن يتحدثن بنبرة التهديد والوعيد أمام ضباط عراقيين ويحذرن من تعنيف الفتيات بعد ضمهن لصفوفهم سواء عبر اختطافهن أو استغلال فقرهن واستقطابهن مقابل المال، قدم صورة واضحة عن طبيعة ما يحدث من تغلغل وتمدد للميليشيا بحماية جهات متنفذة داخل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني.
وقال مسؤولون أمنيون إن هناك “علاقات تكافلية” قائمة بين حزب العمال الكردستاني وبين الميليشيات المدعومة من إيران، حيث يؤمن الحشد الشعبي الدعم المالي والغطاء الحكومي والملاذات الأمنية لـ (بي كا كا) وفروعه السورية، بينما يقوم حزب العمال وحلفاؤه بتأمين الحدود السورية وطرقات التهريب، في حين يواصل ضغطه على تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني في اقليم كردستان العراق”.
وتعد ميليشيا الحشد الشعبي سنجار منطقة استراتيجية لتواجدها وفق مخططات فيلق القدس الإيراني في شمال العراق، وأنها مستعدة للتعاون مع “الشيطان” من أجل التشبث فيها.
ويأتي ذلك إثر الصمت المطبق لحكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، بشأن التسريبات الصوتية التي كشفها أحد العملاء داخل ميليشيا “بي كا كا” في اتصال صوتي مسجل مع القيادي في المجلس الإسلامي المنضوي في الإطار التنسيقي باقر جبر صولاغ وشخص آخر غير معروف، أوضح فيها أن عناصر “بي كا كا” في سنجار المحسوبين على الحشد، ليسوا من أكراد العراق وإنما من شمال شرق سوريا ومن جنوب شرق تركيا.
وأكد المتحدث في التسريبات التي نشرها المدون العراقي علي فاضل، أن هؤلاء العناصر جلبهم رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، ويتم دفع رواتبهم من قبل حكومة السوداني ضمن فصائل الحشد.
وأضاف في التسجيل الصوتي أن الفياض التقى بأحد زعماء ميليشيا كردية داخل سوريا لاستقدام هؤلاء العناصر، وضمهم لميليشيا الحشد.
ويمتلك تنظيم “بي كا كا” المصنف على قوائم الإرهاب عدة طرق في استدراج الأشخاص للانخراط معهم، وله طرق أخرى في منع الأشخاص المغرر بهم من ترك العمل مع التنظيم، خصوصًا وأن الكثير هرب من صفوفه بعد اشتداد القصف التركي على مواقع التنظيم، وفقًا لأهالي قرية أم الذيبان.
ويتوعد التنظيم عناصره في حال الهرب بملاحقة عائلاتهم وإلحاق الضرر بهم، ولهذا لم يتمكن الكثيرون من الهرب حتى ولو سنحت لهم الفرصة، بحسب وكالة الأناضول التركية.
وبحسب سكان قضاء سنجار، فإن تنظيم “بي كا كا” قام بتهديد القرى، ومارس ضغوطًا عليهم لإجبارهم على جعل أبنائهم (خصوصاً الفتيات التي تتراوح أعمارهن 13 – 15 عاماً) يصعدون الجبل وينضمون إليهم.
وعقب حادثة الفتيات العربيات، حذر عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، نايف الشمري، مما يجري في قضاء سنجار، مؤكدًا أن القضاء غير مسيطر عليه أمنيًا.
وقال الشمري، إن “القوات غير النظامية (في إشارة إلى تنظيم بي كا كا) في قضاء سنجار الذي تحول إلى قنبلة موقوتة باتت تُشكل خطرًا على جميع المناطق المجاورة لها بما فيها ناحية الشمال وكذلك قضاء البعاج وناحية القحطانية وجميع القرى التابعة للمناطق المذكورة ضمن محافظة نينوى”.
وتابع أن “قضاء سنجار يعاني من انتهاكات تُمارسها قوات خارجة عن القانون عبر تجنيد شباب وشابات لم يبلغوا السن القانوني وخارج ضوابط الدولة والقانون في صفوفها”.
ودعا الشمري القائد العام للقوات المسلحة إلى إيقاف هذه الفوضى والتحرك العاجل والسريع لإنهاء حالات الاختطاف المتكررة.
وسبق أن كشفت مصادر في محافظة دهوك المحاذية لمحافظة نينوى، عن تسجيل اختطاف سبعة مراهقين، بينهم ثلاث فتيات على يد مسلحين يرتبطون بحزب العمال الكردستاني في مدن سنجار والعمادية وزاخو، خلال الأشهر الماضية، بهدف تجنيدهم في صفوف الحزب.
وجاء ذلك بالتزامن مع تقارير إعلامية كردية في أربيل أكدت استمرار مسلحي حزب العمال الكردستاني بعمليات خطف قاصرين وقاصرات بأعمار بين 12 و16 عامًا، في مناطق شرقي سورية وشمالي العراق، بغرض تجنيدهم، مشددة على أن ما يُعرف بـ”الشبيبة الثورية”، وهي أحد أفرع حزب العمال المسؤولة عن عمليات التجنيد، متورطة في عمليات الاستدراج والخطف.
ويقول مسؤولون أمنيون في محافظة دهوك إنّ الحزب يمتلك معسكرات خاصة به لغرض التجنيد وإعداد المسلحين في جبال قنديل وسنجار وأخرى داخل مناطق سورية ويمنع اقتراب المدنيين منها.
وعلق مصدر عسكري في قوات اللواء 80 في البيشمركة بكردستان العراق، أنّ “عمليات الخطف لم تتوقف منذ سنوات، ونرجح مقتل عدد من القاصرين خلال عمليات للحزب بعد زجهم بها رغمًا عنهم”.
وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه ورتبته أنّ “الخطف وزراعة الألغام في مناطق زراعية، تُضاف إلى إتاوات مالية حصّلها الحزب من المواطنين في مناطق نفوذه تحت مزاعم حمايتهم”، وعد قرار مسلحي حزب العمال الأخير بمنع دخول المواطنين أو اقترابهم من مواقعه “دليل على معرفته بعدم ترحيب الناس به في مناطقهم، ويجب عليه أن يرحل عنها”.
وحول المعلومات المتعلقة بارتفاع معدلات اختطاف القاصرين والفتيات يرى الباحث بالشأن السياسي الكردي العراقي سفين عقراوي، إنّ حزب العمال الكردستاني عام 2024 ليس كما كان قبل عام 2020″.
وتابع عقراوي المقرب من الحزب الديمقراطي الكردستاني إن “مكائن الإقناع والتجنيد لدى “بي كا كا” لم تعد ناجحة لجلب مزيد من المسلحين في صفوفه”.
وأضاف أنّ العمليات التركية، لا سيما الاستخبارية منها، أدت إلى تحييد قيادات بارزة بالحزب بالقتل أو الاعتقال وبعضها قيادات مؤثرة ميدانية، كما أن لجوء الحزب للبحث عن مناطق إيواء وتمركز جديدة في قرى مجاورة لمناطق وجوده يؤكد أنه يخسر على الأرض نفوذه خاصة في المناطق التي أعلنت أنقرة عن عمليات عسكرية برية فيها.
وكانت رئيسة مكتب اتحاد نساء كردستان في الحزب الديمقراطي الكردستاني، في سنجار أديبة سيدو جتو، قد كشفت في نيسان الماضي بأن هناك من 4 ـ 5 مجموعات في القضاء تعمل على التغرير بالفتيات القاصرات وخداعهن بهدف تجنيدهن لصالح حزب العمال الكردستاني، ليختفي كل أثر لهن لاحقًا من دون ان يعرف أحد مصيرهن.
وشددت على ضرورة وقف كل الانتهاكات بحق المرأة في سنجار وضمان سلامتها وتوفير حياة كريمة لها.
وجاءت تصريحات رئيسة مكتب اتحاد نساء كردستان في سنجار متزامنة مع مزاعم ترددها وزيرة الهجرة والمهجرين في حكومة الإطار التنسيقي التابعة لميليشيا بابليون المنضوية في ميليشيات الحشد، ايفان فائق جابرو، من أن الوضع الأمني في سنجار مستقر وآمن وأن أهالي المنطقة لم يعودوا معرضين للخطر، فيما الواقع على الأرض غير ذلك تمامًا والتهديدات والمخاطر مازالت قائمة.
ولا يزال قضاء سنجار الذي تخضع مساحات شاسعة منه لسيطرة ميليشيا حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” المصنف إرهابيًا يعاني من أوضاع صعبة دفعت بنحو 350 ألف نازح من القضاء إلى اختيار البقاء بمخيمات منتشرة في كردستان العراق بدلًا من العودة إلى القضاء.
وتواجه القوات الحكومية صعوبة في إخراج الجماعات المسلحة الموالية لميليشيا حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” المصنف إرهابيًا من المدن والمناطق التي تسيطر عليها في إطار الاتفاق المبرم بين حكومتي أربيل وبغداد في تشرين الأول عام 2020 لتطبيع الأوضاع في سنجار.
ويقضي اتفاق تطبيع الأوضاع في القضاء “المتنازع عليه” بين بغداد وأربيل بحسب التسميات الدارجة بعد الاحتلال، بإخراج الجماعات المسلّحة والميليشيات منه، تمهيدًا لعودة النازحين، إلا أن رفض تلك الميليشيات حال دون قدرة حكومة بغداد على تنفيذ بنود الاتفاق.
وسبق أن ذكرت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها إنها التقت بعشرات السنجاريين المقيمين في مخيمات للنازحين في محافظة دهوك، وثلاثة سنجاريين عادوا إلى سنجار؛ ومسؤولين حكوميين من كردستان العراق وبغداد، والقائمقام السابق لـ “الإدارة الذاتية” لسنجار، ورئيس مستشفى سنجار العام، وممثلي ست منظمات مجتمع مدني؛ ودبلوماسيَين غربيَين.
وأشار تقرير المنظمة المعنية بقضايا حقوق الإنسان إلى أن كل الذين قابلتهم المنظمة يتحدثون عن نقص الخدمات العامة الملائمة كعائق أمام العودة بالإضافة إلى الوضع الأمني غير المستقر وعدم تقديم الحكومة تعويضات عن المنازل والأعمال التجارية المدمرة.
وأعلنت حكومة السوداني تخصيص 34.2 مليون دولار في نيسان من العام الماضي، لإعادة إعمار البنية التحتية المتهالكة والخدمات الأساسية المتردية في القضاء إلا أن هذه التخصيصات لم تصل إلى وجهتها من جراء ضعف الحكومة وعدم قدرتها على إدارة الأوضاع في القضاء في ظل عجز “القائد العام للقوات المسلحة” عن تنظيم زيارة للقضاء الخارج عن سيطرة الدولة.